خمسة آلاف حالة ظهرت بعد تعديلات قانون الأسرة

كامل الشيرازي من الجزائر:تشهد مدن جزائرية عديدة، انتشارا واسعا لما يُعرف بـquot;الزواج العرفيquot;، هذا الأخير صار رائجا بصورة لافتة في الثلاث سنوات الأخيرة منذ التعديلات المثيرة للجدل التي أقرتها السلطات الجزائرية في quot;قانون الأسرةquot; وما تمخض عن الإجراء من quot;استحالةquot; تعدد الزوجات لما تقتضيه المادة الثامنة من القانون ذاته، حيث تفرض وجوبا موافقة الزوجة الأولى على إتمام ارتباط شريك حياتها بزوجة ثانية، وهو quot;شرطquot; تمخض عنه عبء كبير، فضل كثيرون تفادي ثقله من خلال الجنوح إلى ما يسمى محليا quot;الزواج على سنة رسول اللهquot;، حيث أضحى العديد من الجزائريين يكتفون بعقد قرانهم بقراءة الفاتحة برعاية إمام دون تكليف أنفسهم عناء اللجوء إلى المصالح الإدارية لتوثيقها.


وإذا كانت الدوائر الرسمية في الجزائر، ترفض الكشف عن معطيات محددة حول أعداد المتزوجين عرفيا، مبررة ذلك بافتقارها لإحصاءات مضبوطة، فإنّ حقوقيين ورجال قانون ودين يتحدثون عما لا يقلّ عن خمسة آلاف حالة على الأقل، أغلبها برزت بعد العام 2005، ورافق تنامي الظاهرة بروز حوالى 4 آلاف قضية quot;زواج مزيفquot; على مستوى المحاكم، يتعلق معظمها بشكاوى رفعتها نساء تضررن من حالات حمل غير معترف بها، نتجت من علاقات زوجية quot;عرفيةquot;، ناتجة بحسب مختصين من أسباب اجتماعية ونفسية ومادية تحول دون إقبال المعنيين على عقد قرانهم رسميا، وتأتي الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مقام رئيس خصوصا انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع وأزمة السكن وغيرها من الاعتبارات التي تجعل العانس تتزوج ولو عرفيا مخافة السقوط في مستنقع العنوسة الأبدية، لذا تقبل كثيرات على الزواج العرفي دونما حرج رغم كثرة المحاذير.


وفي بلد يشهد عقد مليونين و300 ألف حالة قران شرعي كل سنة، لم يحل إلزام السلطات لجمهور الأئمة بعدم التورط في أي زواج يفتقر إلى عقد مدني موثق، دون تفاقم الزيجات العرفية بشكل محسوس هنا وهناك، وهو انتشار يرفض خبراء اجتماعيون قصره على حكاية quot;تعدّد الزوجاتquot; بل يربطونه رأسا بغلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج وعوامل سوسيولوجية متداخلة أصبحت ترهق كواهل المقبلين على الزواج وتضطرهم إلى الارتباط عرفيا تبعا لما ينطوي عليه الأمر من quot;بساطةquot; وquot;مرونةquot; مثلما ورد على ألسنة عدد من المتزوجين عرفيا من الجنسين في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot;، بهذا الصدد، تقول رشيدة 37 سنة (مستخدمة إدارية):quot;تزوجت العام الماضي، وتبعا لافتقار زوجي إلى شقة، اقتنعنا بترسيم ارتباطنا عرفيا وجرى الأمر بطبق كسكسي وزغاريد رغم معارضة عائلتي الشديدةquot;، ويشدّد رضوان، أمين وفيصل وهم أستاذ في الإعدادي، مهندس وميكانيكي على التوالي، بأنّ وضعياتهم الاجتماعية المهترئة هي التي فرضت عليهم الزواج عرفيا لاسيما مع دخولهم النصف الثاني من العقد الثالث، وهم الآن سعداء مع زوجاتهم مثلما قالوا، وينفي هؤلاء الانطباع القائل إنّ المتزوج عرفيا يتخلى عن التزاماته ومسؤولياته تجاه زوجته لاسيما إذا حملت الأخيرة منه.


وإذا كان زواج quot;الفاتحة quot; الذي يتوفر فيه عنصرا الإشهاد والإعلان، ويستوفي أركان الزواج طبقا لتعاليم الدين الإسلامي مقبولا في زمن كان ينعدم فيه التوثيق وتحكم فيه الأعراف، فإنّ اليوم أصبح توثيق الزواج ضروريا في مجتمع جزائري عرف تحولات اجتماعية واقتصادية عدة، وفي زمن quot;فسدت فيه الأخلاق وتغيرت الذممquot; على حد تعبير إحدى المحاميات، احتكاما للاستعمال المشبوه من طرف البعض للزواج العرفي في قضاء أغراض غير شريفة، حيث إنّ بعضا من الشباب اهتدوا إلى هذه الطريقة من أجل ممارسة الجنس، وفي كثير من الأحيان ينتج من هذه العلاقات حالات حمل غير شرعي، وما ينجم عنها من وقوع النساء المعنيات ضحايا ضياع حقوقهنّ في قران لا تترتب عنه أي التزامات قانونية.


ورغم أنّ الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي ومن أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة و المحافظة على الأنساب، فإنّ المادة الرابعة من قانون الأسرة الجزائري وكذا المادة 18 التي تنص على أنّ عقد الزواج يتم أمام الموثق أو أمام موظف مؤهل قانونا مع مراعاة شروط وأركان الزواج، غير أن العديد من المقبلين على الزواج يتجاوزون هذا القانون ويلجأون إلى عقد القران دون توثيقه لدى الجهات الإدارية.


تقول رئيسة جمعية quot;نساء في اتصالquot; إنّ الزواج العرفي quot;لا يحمي المرأة ولا يضمن لها حقوقها الاجتماعية وكأنه زواج quot;متعةquot; بحسبها، وترى المسؤولة ذاتها أنّ المتزوجة بالفاتحة، إن كانت محظوظة، سيتم التخلي عنها بالفاتحة، لكن الحاصل أنّه في أغلب الأحيان يهجر المتزوجون عرفيا زوجاتهم ويتركوهم لمصير مجهول، لأنّ هذا العقد العرفي ليست له أي شرعية قانونية فتجد المرأة نفسها في صراع دائم مع الزوج من أجل إثباته.


وتشير الإحصائيات المقدمة من المحاكم المحلية، إلى أنّ عدد القضايا المتعلقة بإثبات الزيجات العرفية التي تم الفصل فيها خلال السداسي الأول من السنة الجارية بلغت 451 قضية من ضمن 2339 قضية كاملة، وعادة ما يفصل القاضي في quot;الزيجات العرفيةquot; بتثبيت العلاقة بوساطة وثيقة يتم استخراجها من سجل الحالة المدنية، وفي حالة عدم تسجيل هذا الزواج يثبت بحكم قضائي ويتم تثبيت الزواج في سجلات الحالة المدنية بأمر من الإدعاء العام طبقا للمادة 22 من قانون الأسرة للحد من تصرفات غير لائقة وحماية المجتمع من المحتالين.


وأشارت إحدى النساء إلى أنها بعد عشر سنوات من الزواج، قررت هي وزوجها اللجوء إلى العدالة القضائية لإثبات زواجهما رسميا، فيما تتحدث عن المئات من مثيلاتها عجزن عن إثبات زواجهن العرفي بسبب تعنت أزواجهم أو تنكر الشهود، علما أنّ تهاون بعض الأزواج وترددهم في إثبات زواجهم لدى الجهات الرسمية، يعود أساسا إلى تخوفهم من الإجراءات القانونية الخاصة بإثبات الزواج، رغم أنّ مراجع قضائية تفيد بأنّ القضايا الخاصة بإثبات الزواج العرفي لا تطول في الغالب حيث لا تزيد عن الثلاثة أشهر للفصل فيها، ومن أبرز الأسباب التي تدفع المتزوجين عرفيا إلى إثبات الزواج العرفي بعد مرور مدة من الزواج، رغبتهم الماسة في إثبات نسب الأطفال الناتجين من هذه الزيجات أو من أجل تسوية قضية تتعلق بالميراث، وهنا تتبدى حساسية توثيق هذا الزواج لضمان حقوق المرأة سواء عند طلاقها أو عند وفاة الزوج.


والانحراف كائن أيضا في اتخاذ بعض الأشخاص للزواج العرفي كوسيلة لفعل ما يريدون من خلال اللجوء إلى quot;زواج الفنادقquot; أو quot;المخادنةquot; بالمفهوم المحلي، وهو انحطاط أفرز انعكاسات سلبية على منظومة الأخلاق والآداب العامة، كما أنّ المعضلة تكمن بحسب متابعين في الأزواج الرافضين لترسيم زيجاتهم العرفية، ويرفضون تثبيته على مستوى المصالح الإدارية لأسباب متعددة منها عدم اعتراف الزوج في نفسيته بهذا الزواج أو لرغبة الزوج في عدم الاعتراف بنسب ابنه بقصد التهرب من تحمل النفقة بعد التطليق أو لاعتبارات أخرى، ويعلّق quot;لحسن رضوانquot; الباحث الاجتماعي أنّ المشكلة مردودة إلى كون مواطنيهما زالوا يعيشون في مجتمعات مغلقة وبالتالي لا يزال الرجل يمارس السلطة الأبوية ويرفض مساواة الرجل بالمرأة.


ومن خلال الاستجوابات الميدانية لبعض المتزوجات عرفيا، تبيّن تواجد عشرات الحالات لفتيات لم تبلغن السن القانونية للزواج (19 سنة) تزوجن عرفيا من أثرياء أو مقيمين بالخارج، كما أحصيت عدة نساء مطلقات لديهن أطفال هن ضحية هذه الظاهرة، وتضطر كثيرات منهنّ إلى اللجوء إلى الزواج مجددا مع أي رجل يريد الارتباط بهنّ، المهم بالنسبة إليهنّ أن يجدن بيوتا تؤويهن مع أطفالهنّ، والأدهى أنّ ثمة قطاعا من النساء الأرامل اللائي يتقاضين منحة بعد وفاة أزواجهن، حيث يلجأن إلى الزواج العرفي خوفا من ضياع المنحة إضافة إلى حالات من النساء اللواتي تزوجنّ عرفيا سواء بعلمهنّ أو غير ذلك ويصبحن الزوجة الثانية أو الثالثة لرجل متعدد الزوجات يلجأ غالبا إلى الزواج العرفي خوفا من عدم موافقة الزوجة الثانية، ويشير استجواب خاص بالزواج العرفي قامت به جمعية quot;نساء مطالبات بحقوقهنquot; أنّه بين مائة امرأة تم استجوابها،20 بالمائة منهنّ تزوجنّ عرفيا وكنّ ضحية لتعدد الزوجات.