فيها اثنان واربعون موقعًا من المعالم الاثرية
صيدا...حكايا التراث والحضارات سطّرت تاريخها


ريما زهار من بيروت: يندر ان تعبر مدينة لبنانية بلا محطات تراثية، فكيف لو كنت في مدينة صيدا الجنوبية، اثنان وأربعون موقعًا من المعالم الاثرية، هي الشريان الذي يمد ويغذي صيدا القديمة بحكايا التراث والحضارات التي سطرت مرورها، كنوز اثرية ومعالم لا تزال قائمة الى يومنا، كثر هم الذين تركوا بصماتهم في تاريخها من الكنعانيين الى الفينيقيين واليونانيين والرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين وصولاً الى الانتداب الفرنسي، كل هؤلاء شكلوا غنى لمدينة تنبض بالحياة، لا تهدأ ولا تموت، هي صيدا. صيدون الفينيقية، صيدا العربية، لا فرق نتكلم عن مدينة واحدة غرفت من تاريخ الحضارات كنوزًا وآثارًا، قلاعًا وقصورًا، خانات وحمامات، معابد من جوامع وكنائس.

قلعة صيدا البحرية

تقع مدينة صيدا على الساحل اللبناني الجنوبي، في الجانب الشرقي من البحر الابيض المتوسط، وتبعد خمسة وأربعين كيلومترًا عن بيروت ولها وجهان: صيدا القديمة الملاصقة للبحر وتشكل الوجه التراثي، فيما تتمدد صيدا الحديثة شرقًا على التلال المحيطة، عاكسة التطور العمراني في المدينة على مر العصور.
البلدة القديمة في صيدا بمساحتها البالغة 200 الف متر مربع، تشكل جزءًا مهمًا من المنطقة الاثرية والتاريخية للمدينة، حيث ينعش مناخ التاريخ أجواءها، تتذكر الاسلاف والحضارات التي تعاقبت، تطلق الماضي القريب والبعيد وتأسر زائرها من النظرة الاولى.

الاسواق القديمة

السوق القديمة

ما ان تصل الى صيدا، حتى تطل عليك المدينة القديمة المتجاورة غربًا مع البحر، بمعالمها الاثرية المتعددة، والتي يعتبرها الصيداويون من اقدم مدن حوض البحر الابيض المتوسط وأغناها، ومن يجول في الاسواق القديمة، يتأكد لماذا سكن التراث مدينة صيدا القديمة...غالبية البيوت من الحجر الرملي، وهي مبنية على طريقة العقد، شوارعها ضيقة مسقوفة بالعقود التاريخية، تقطع بعضها فتحات يتغلغل عبرها النور وتربط أسواقها الشعبية على انواعها.

صيدا من البحر

كانت المدينة القديمة تضم العديد من الاسواق مثل سوق الذهب وسوق النجارين وسوق البزركان(اي الثياب) سوق اللحامين، سوق الخضار، سوق الكندرجية، سوق الحياكين، لكن لم يبق منها الا ثلاثًا الذهب والثياب والنجارين يقصدها الزوار من انحاء العالم لجمالها وغناها.
يشكل الشارع الرئيس الممتد من ساحة النجمة في اتجاه الداخل حتى قصر دبانه، مع الشوارع الفرعية الموزعة باتجاه الشمال والجنوب، السوق الصيداوية الاساسية التي تكثر فيها محال الثياب والحانات والمقاهي الشعبية المنتشرة بكثرة في الشوارع تضفي جوًا من الالفة والتفاعل، يقصدها أبناء المدينة والزوار، يجلسون أمام بابها يدخنون النراجيل، يتسامرون الاحاديث وطبعًا السياسة لها مكانتها المميزة.
أبناء صيدا اعتادوا الالتقاء في هذه المقاهي، لها حضور في الذاكرة من الخمسينات والسبعينات، يأتون اليها لتتبع اخبار السياسة، المطالب الشعبية، والاستماع الى قصص الحكواتي وأخباره.

القلعة من البحر

وعندما تتقدم في شوارع المدينة القديمة، توزع نظراتك بين المحال المتنوعة التي تصطف جنبًا الى جنب، تحتوي على كل المواد الاستهلاكية باسعار زهيدة تجعلها مقصدًا لبلدات وقرى الجوار، تشدك رائحة الفلافل العابقة، والرائحة هناك quot;غير شكلquot; تبعث فيك الشهية وتعيدك الى أغنية فيروز quot;كان غير شكل الزيتونquot;.
لصحن الكبّة في صيدا طعمه الخاص، فهو يحتوي على quot;دقةquot; الكبّة الخلطة السحرية الصيداوية التي تعطيه مذاقًا أطيب، والحديث عن الاكل يجرك الى الحديث عن محال الحلويات الموزعة في انحاء المدينة التي تقدم السنيورة السادة او المحشوة بالفستق الحلبي والمعمول، وهي من ركيزة الضيافة الصيداوية.

متحف الصابون

متحف الصابون

لمتحف الصابون مدخلان، واحد يطل على اسواق صيدا القديمة، والثاني الرئيس يطل على شارع الشاكرية المخصص للمشاة، يدهشك في هذه الحارة معمل الصابون الذي عملت اسرة عوده الصيداوية على إعادة تأهيله، بالاضافة الى مساكن عدة باتت نموذجًا عن منازل المدينة القديمة.
الجزء الاقدم لمعمل الصابون، حيث تقع الاحواض يرقى الى القرن السابع عشر على الاقل، ويمكن التعرف الى المواد الاولية المستخدمة في التصبين وتقنيات التجفيف والتقطيع المتبعة لانتاج الصابون الحرفي، فضلاً عن استعراض طقوس الحمام، وتنتهي عملية التصنيع في قاعة العرض، حيث رصفت مكعبات الصابون لتشكل تلالاً هندسية، على ارتفاعات مختلفة سلطت عليها اضواء خافتة.

خان الافرنج

خان الافرنج

وكي تمحو الحدود بين الشرق والغرب، لا بد من ان تقف في خان الافرنج الذي كانت حجارته شاهدًا منذ بنائه في عهد الامير فخر الدين الثاني على عز مدينة صيدا وانفتاحها كمدينة تجارية ساحلية، عبر مينائها على الغرب وحوض المتوسط.
وخان الافرنج اسم على مسمى، لانه كان يشكل مكان استراحة الرحالة والتجار الغربيين، وعلى الاخص الفرنسيين الآتين من مدينة مرسيليا بكل ما تحمله سفنهم من بضائع لتوزيعها على اسواق الشرق، ومحملين في طريق العودة الى الغرب بمنتجات بلاد الشرق.
هذا الترابط مع الغرب وفرنسا الذي احتضنه احجار الخان لم ينقطع، بل تعزز، وتحول الخان منذ بداية التسعينات الى مركز فني ثقافي حضاري تقام في قاعته الرئيسة المرممة معارض الرسم والتصوير والطوابع والمنحوتات، وتعقد فيه الندوات والحلقات العلمية، وللصيف في خان الافرنج نكهة خاصة، فهو درج على ان يستضيف العديد من الفرق المسرحية والموسيقية والفلكلورية..

*تصوير ريما زهار