الشوارب في تكريتفي العراقإزالتها إهانة وبقاؤها ضمانة للهيبة وتسديد الديون


تكريت: يحتل الشارب مكانة خاصة لدى بعض الرجال، وخاصة في الأرياف، فهو قيمة تضفي نوعا من الخشونة التي يرونها تليق بهم كجنس بشري، وهو قيمة أخلاقية أيضا، فالرجل يقسم بشاربه إذا تعهد القيام بأمر ما، أو يهدد بحلقه إذا لم يثق به الآخر أو يشكك بوعوده.

وقد اشتهرت الشوارب وراجت وكرست عددا من المفاهيم الاجتماعية بعد أن انتظمت في الأمثال، فيقولون quot;المرجلة على قدر الشواربquot;، وquot;المرأة بشارب الرجلquot; وquot;الرجل يلزم من شاربهquot;.

والشوارب أنواع منها الكثيف، ومنها الخفيف، ومنها الطويل أو القصير الذي يتمركز تحت الأنف. وهناك الملفوف والمبروم، وهناك الشارب الخيطي الذي اشتهر به رجال الغجر في العراق. وقد تجد من يقلد شوارب المشاهير فيشيع نوع معين وينتشر كشوارب الممثل الأميركي كلارك غيبل في الأربعينات والخمسينات.

أما في الستينات فاشتهر نوع من الشوارب أطلق عليه اسم quot;طيرانquot;. هكذا تتنوع اهتمامات الناس بتلك القيم الشخصية أو الاجتماعية، لكن لأهالي تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، نحو 190 كم شمال بغداد، اعتزازا خاصا فهم يرون فيها قيمة معنوية ومظهرا من مظاهر الرجولة فما حكاية شوارب سكان تكريت؟ وهل ما تزال تتمتع بأهميتها السابقة لدى الجيل الجديد؟

شحمة لتلميع الشاربين

يقول صالح الحيدر، 60 سنة، من أهالي الدور في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; quot;كان آباؤنا وأجدادنا في زمن عز الشوارب يقومون بتزييتها أو تدسيمها. وإذا كان فقيرا ولا يستطيع شراء اللحم كي يستخدم الشحوم التي فيه لتزييت شاربه يقترض من صديقه الغني شحمة صغيرة يلمع بها شاربيه قبل الذهاب إلى مضيف شيخ العشيرة. هناك سيراه الحاضرون بشوارب لامعة فيشعرون أن صاحبها أكل لحما إذن هو رجل يستطيع توفير اللحم لعائلتهquot;.

ويروي الحيدر أن quot;رجلا أراد تلميع شاربيه بشحمة كان دسها في مكان ما لكن قطة أكلتها، فغضب وطلق زوجته لإهمالها حراسة شحمتهquot;.

ويستنتج صالح الحيدر قائلا quot;لكن الشوارب اليوم اهتزت مكانتها، ولم تعد لها مكانتها السابقة، فالشباب يقلدون ما يعرض من أفلام ومسلسلات على القنوات الفضائية، أما أنا فلا اسمح لأولادي بحلق شواربهم لأن تقاليد العشيرة لا تقبل بذلك؟

الشارب أداة تعهد

إسماعيل حسن الزعل، 55 سنة، من ناحية يثرب في قضاء بلد التابع لمحافظة صلاح الدين يقول في حديثه لـquot;نيوزماتيكquot; quot;للشوارب في عشيرتنا مكانة وقيمة، وإذا اقسم احد أفراد العشيرة بشاربه فهو مضطر إلى الإيفاء بوعده حتى لا يستهان به، وأحيانا تكون الشوارب ضمانة للشخص الذي يشتري بضاعة ولا يملك المال اللازم، عندها فقط عليه أن يقول لصاحب البضاعة: سوف أسدد لك في التاريخ الفلاني فيسأله: وما الضمان فيقول له الرجل: هه ويمسك بشاربهquot;.

ويقول ضابط شرطة من مدينة بيجي، طلب عدم الكشف عن اسمه في حديثه لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;الشارب الضخم ضروري لأنه يضفي هيبة، ويرهب من يريد السوء. ولأن المرجلة على قدر الشوارب فإن بعض الشباب يخشونني. سمعت احدهم مرة يقول لصاحبه أبعد عن هذا الشرطي فان شاربه كثيف ربما يؤذيناquot;.

مأمون خزعل، 27 سنة من سكنة ناحية العلم قرب تكريت، يرى أن quot;الشوارب الكثيفة غير ملائمة للرجل فهي تتلوث ببقايا الطعام، لذا من الأفضل قصها. كما أنها تعطي انطباعا بأن صاحبها اكبر من عمره خاصة ونحن عزاب ولا نريد أن تبتعد عنا الفتياتquot;.

للتمييز بين الفتاة والشاب

ويشاطره الرأي فخري الحسين، 26 سنة طالب جامعي إذ يقول لـquot;نيوزماتيك quot;لا استطيع أن أربي شاربا في الكلية فربما يقولون عني ما اكبر شاربه ولا يزال طالبا في الكلية من دون عمل. بصراحة أنا اكره منظرها ولا أتقبل أن يكون لي شاربان كثيفانquot;.

أما الحاج احمد، 57 سنة، من مدينة تكريت فيعتبر أن quot;الرجل بلا شوارب يبدو كالمرأة، وما يميز الفتاة عن الشاب في عصرنا الحالي هو الشوارب، فقد تشابها في الزي، وربما بعض الشباب يقلدون البنات، هذه الأفكار الغربية دخيلة على مجتمعناquot;.

من جانبه يرى أبو محمد، 40 سنة، من سامراء أن quot;الشوارب لا تمثل أي قيمة معنوية للرجل الغربي، أما الرجل العربي فهي تمثل له الرجولة أو الاعتزاز بها. لكن الشباب حليقي الشوارب اليوم يمثلون الأغلبية، ثم أن قص الشوارب عملية تدرب عليها الحلاقون، فأغلبهم يأتي على شاربك بالتقليم والتخفيف دون أن يسألك، وإذا طلبت منه التوقف فإنه يعتقد أنك تريد حلقه نهائيا لتصبح رجلا من دون شواربquot;.

تشبها بمن يمثل القوة

أستاذ علم النفس في جامعة تكريت الدكتور حميد الغنام يقول إن quot;المرأة كانت تعجب بالعضلات القوية والشوارب العريضة لأنها تعتبر الشوارب والعضلات رمزا للقوة والرجولة، ولأن اغلب الحيوانات المفترسة، التي تمثل القوة، مثل الأسد والنمر والفهد لها شعر فوق أفواهها كالشوارب، لذلك اعتقد أن العربي يعد ذلك تشبها بمن يمثل القوة. لكن المرأة الآن لم تعد تنظر إلى الشارب كدليل للقوة والرجولة، إنما تنظر إلى ثقافة الرجل وعلاقاته الاجتماعية وقوة شخصيتهquot;.

ويضيف الغنام أن quot;الخوف والترهيب لم يعد قائما كسلوك بين الزوجين، العلاقات الزوجية تطورت على أساس المحبة والود والاحترام، ولم تعد الشوارب أداة للتخويف والترهيبquot;.

أما الحلاق ماهر حسن فيقول في حديثه لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;حلاقة الزبائن مهارة وفن، فقص شعر الزبون يستغرق أحيانا عشر دقائق، أما قص الشارب فيتطلب الحذر خوفا من أن أكون قد بالغت وبالتالي يؤدي ذلك إلى غضب الزبونquot;.

ويضيف أن quot;الكثير من الزبائن يطلبون مني تخفيف الشارب، واغلب الشباب يطلبون تخفيفه جدا، أما كبار السن فيطلبون تعديله فقطquot;.

ويروي الحلاق ماهر حسن quot; لقد تعرض زميل حلاق إلى الاعتداء من قبل زبون، عندما قص شاربه. فالزبون طلب حف شاربه إلا أن الحلاق اخطأ وأزاله نهائيا، وما إن رأى الزبون شعر شاربه يتساقط حتى قام بشتم الحلاق وضربه، فدفع الحلاق مبلغ مئتين وخمسين ألف للزبون كرد اعتبار أو ما يطلق عليه محليا (حشم) لأن الزبون اعتبر حلاقة شاربه إهانةquot;.


نيوزماتيك