يهود اليمن حافظوا على ثقافتهم في عمق مجتمع إسلامي

صنعاء: بعيدًا عن صنعاء، عاصمة اليمن القديمة، التي كرست نفسها للدين الإسلامي، وعلى بعد نحو ثلاثين ميلاً شمالاً، وعبر القرى وفي عمق الثقافة الإسلامية، تتناثر مجموعة من البيوت، عندما تصلها، تسمع وترى اليهود وقد حافظوا على ثقافتهم، على الرغم منالمحيط الإسلامي.

في قرية quot;خالفquot; الصغيرة، تسمع العبرية مترسخة وبكل طلاقة، يتكلمها بضعة مئات من اليهود الباقين في اليمن، والذين أخذوني بجولة في بيوتهم المبنية في عمق دولة إسلامية.

ويدرس الأطفال في المدارس، العبرية على أنها لغتهم الأم، لأكثر من 1500 عام، ويتعلمون التعايش الحذر مع جيرانهم المسلمين، والبقاء متسلحين بإيمانهم.

ويقول سعيد حمدي، وهو زعيم قبلي quot;نحن نعيش مع اليمنيين، ونلبس الملابس نفسها، ونحتشم بشكل معتدل..علاقتنا مع المسلمين طبيعية جدًا، حتى خلال الأعياد اليهودية يأتي المسلمون ليزورونا، ونحن بدورنا نزورهم في أعيادهمquot;.

وما جعل اليهود يبقون هنا، هو ذلك الاحترام للأكثرية المسلمة على الرغم من الاختلاف، وهم يؤكدون أنهم يمنيون حتى النخاع، وجنبًا إلى جنب، من المهد إلى اللحد، قبعت المقابر اليهودية إلى جاني مقابر المسلمين.

ومنذ قرون، أثبت اليهود وجودهم في ظل القرى الإسلامية القديمة، وحافظوا على طريقتهم في العيش، وثقافتهم ولغتهم وطبعًا دينهم، لكن بقاءهم هنا الآن، لم يعد شيئًا مؤكدًا، إذ انتقل بعض اليهود الذين لا بيوت لهم، ويعيشون على معونات حكومية، ليسكنوا في تجمعات داخل شقق في العاصمة، بعد أن طاردهم ثوار ضد الحكومة، من بيوتهم في الشمال قبل نحو عام، وللمرة الأولى في تاريخهم، يقول هؤلاء إنه يتم استهدافهم لأنهم يهود.

وقالت إحدى العائلات اليهودية quot;قالوا لنا إننا سوف نقتل، ووصلنا تحذير من قائد إحدى المجموعات يقول لنا إن لا أحد يمكنه مساعدتنا، وإن علينا المغادرة.. ولو لم نترك المنطقة لذبحونا.quot;

ويبدو أن قائد تلك المجموعة كان على حق، فالحكومة اليمنية قالت إن كل ما تستطيع فعله هو إخلاء العائلات اليهودية حتى تبقيها في أمان.

وتعد العائلات اليهودية أهدافًا سهلة في تناحر طائفي لا يزال قائمًا في اليمن، فالانفصاليون الشيعة لا يزالون يخوضون معارك ضد الحكومة، وربما يكون استهداف العائلات اليهودية وتهديدها، هو أحد وسائل الثوار لإحراج الحومة اليمنية، التي تفاخرت دومًا بحمايتها للأقلية اليهودية.

ويتضاءل عدد اليهود الذين يعيشون هنا كل عام، إذ أن الكثير من أقاربهم تركوا المكان، ضمن عملية سميت بـquot;السجادة السحريةquot; في الأربعينات من القرن الماضي، وهاجروا إلى وطن جديد، هو إسرائيل.

وتتذكر عائلة سعيد حمدي زفاف ابنها، الذي ينتمي إلى جيل جديد من الشباب هاجروا إلى إسرائيل، بحثًا عن العمل والدراسة أو الزواج، ويقول الأب quot;بالطبع الأمر يزعجنا، ولكن ليس ما يمكن أن نفعله لنحد من الهجرة إلى أميركا أو لندن أو إسرائيل، ليس بأيدينا أي شيء.


وعلى الرغم من ذلك، تقول العائلة إنها على قناعة تامة بأن اليهود سيتواجدون في اليمن دائمًا، إذ تؤكد زوجة سعيد أن quot;هذا هو بلدنا، وهذا هو بيتنا، وأبناؤنا، نحن مرتاحون هنا، نعم هناك بعض المشاكل، لكننا في وطننا اليمنquot;.

وقبل المسيحية وقبل الإسلام، صنع اليهود من اليمن وطنا لهم، ولا يعرف علماء التاريخ كيف وصلوا إلى هنا وكيف بقوا، لكن هذه العائلات تحافظ الآن على هذا التراث، وتقول إنها ستحميه في القرون المقبلة.