عادات وتقاليد تؤرق أصحابها
من قدم السبت في غزة لن يشاهد الأحد

نجلاء عبد ربه من غزة: يمتاز أهالي قطاع غزة بالكرم والجود كما الأوطان العربية، خصوصا في المناسبات التي تكثر في فصل الصيف، فيقف الجميع يدا واحدة في السراء والضراء مع بعضهم البعض، والوقوف يكون إما ماديا أو معنويا، ويبرز علي طابع الحياة التمسك بالعادات والتقاليد.. وضمن العادات التي تطبق عند الكثير من العائلات الفلسطينية المثل القائل : quot;قدم السبت حتى تلاقي الأحدquot;، وهو ما يعني أن الرجل حينما يقف بجوار صديقه أو قريبه أو جاره ويقدم له هدية، يجب أن يبادله هذا الرجل حينما تحل على صديقه الأول مناسبة ما.

غزة
وشكلت تلك العادة بين الفلسطينيين عبئاً ثقيلاً، لاسيما في فترة حصار إسرائيل عليهم، لكن الغريب أن الفلسطينيين يقدمون هدايا لمناسبات كالزواج مثل كيس سكر أو كيس أرز أو صناديق من المشروبات، ويقولون إنها عادة ورثناها من آبائنا وأجدادنا. ومع الحصار الإسرائيلي عليهم، تضاعف سعر كيس السكر والأرز إلى ثلاثة أضعاف، فبعد أن كان سعر كيس السكر مثلا بـ 60 شيكلا، أصبح اليوم بـ 180 شيكلا (الدولار= 3.5 شواكل)، وهو أمر يشكل في حد ذاته إحراجا لأصحاب تلك العادات.

ويقول نعيم، وهو مهندس يعمل في مجال تخصصه داخل قطاع غزة، لقد أرهقنا هذا الصيف من كثرة المناسبات في ظل تأخير رواتبنا وإلتزاماتنا الأسرية المختلفة، فمن التحضير للمدارس إلى التحضير لشهر رمضان، والذي يتبعه العيد، وهو أمر مكلف جدا في ظل حصار وشح في الأموال.

ويضيف لإيلاف quot;أضطر أن استقطع من راتبي الشهري أكثر من 100 دولار شهرياً، لأقدم واجب التهنئة لأصدقائي وأقاربي وجيراني، لكن هذا مكلف عندما يكون عندي 5 أطفال في المدارس ويريدون كسوه ولبسا جديدا لعام دراسي جديد، فضلاً عن رواتبنا التي تعتبر غير كافية في ظل غلاء الأسعار المختلفةquot;.

أبو أسعد quot;36 عاماquot; يقول لـ إيلاف quot; في غالبية المناسبات التي تخص عائلتي ومعارفي وأصدقائي كنت أول المهنئين وطبعا الهدايا لا يمكن الدخول إلي أي مناسبة من دونها، ولم يكن يهمني غير تقديم الواجب حينها، وفي هذه السنة قمت بتزويج اثنين من أولادي وبصراحة أنا لي الكثير عند عائلتي ومعارفي أي قدمت لهم الكثير من الهدايا ولم يستطع أي منهم تقديم ما أنا قدمته سابقا وأنا بصراحة لا ألومهم فالوضع صعب والقادم أصعبquot;.

وتقدم الهدايا في المناسبات المختلفة تبعاً لعادات وتقاليد العائلات والمناطق الفلسطينية المختلفة. وكانت عادة تقديم كيس من السكر عند معظم الفلسطينيين أو الأرز أو صناديق المشروبات المختلفة، إلا أنها اقتصرت في الوقت الحالي على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية المختلفة، فما زالوا يتمسكون بها، ويعتبرونها أمرا واجبا عليهم خاصة في مناسبات الأفراح.

وتدب يوميا الشوارع والزقاق وصالات الأفراح المنتشرة في المدن الفلسطينية بالأفراح، فهم يستغلون بدء فصل الصيف، حتى تبدأ معها الأفراح، لهذا فإن واجب تقديم تلك الهدايا يفوق عشر مناسبات شهرياً.

ويقول تحسين صافي quot;أصبحت مضطراً أن أقدم هدايا أقل مما كانت تقدم لي، فانا لم أعمل منذ سنتين، وبالتالي الوضع المادي في بيتي سيئ للغاية، والجميع يعذرني نظراً إلى وضعي هذاquot;.

ويضيف صافي quot;عندما كنت أعمل في مجال البناء، كان الأمر ميسراً بالنسبة إلي، وكنت أجامل أقاربي وجيراني وأصدقائي بشكل طبيعي، لكن الأمر تغير هذه الفترة، ولا يمكن شراء مثل هذه الهدايا لارتفاع أسعارها بشكل كبير، وليس بمقدور الكثير من المواطنين على شرائها، بما فيهم أنا، هذا طبعا إن وجدت في الأسواق في ظل حصار إسرائيل للأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزةquot;.

ويوضح المهندس نعيم quot;من كان بمقدوره أن يقدم السبت في الماضي، ليس بمقدوره أن يقدمه الآن ولا ينتظر من أي أحد أن يسد له ما هو قدمه في وقت سابق لهذا الوقت الصعبquot;.


وحال quot;أبو عليquot; كحال أي شخص قدم له الكثير ولا يستطيع هو تقديم أيٍ من الواجب الذي عليه. ويروي أبو علي حاله والإحراج الذي يكون به حين زيارته لأي من أقاربه في أي مناسبة ويقول لـ إيلاف quot; اُصبح في حالة لا احسد عليها عندما أزور أيا من معارفي في أي مناسبة تخصهم، فمعظمهم قدم لي الكثير وأنا الآن لا أستطيع أن أرد الدين الذي في عنقي لكل واحد منهم، فكيس السكر كان في السابق يساوي، وقد تضاعف سعره ثلاث مرات وكذلك الأرز، فكيف بمقدوري شراؤه في هذا الوقت وفي مثل هذه الأوضاع التي لا شغله ولا مشغله ويا رب quot;لا تطولها شده على قطاع غزة quot; بهذه العبارة أكمل أبو علي حديثه والحسرة تعتصر قلبه من شدة الحزن على الحال الذي أصبح سكان قطاع غزة يعيشونه.