أنيسة مخالدي من باريس: بالرغم من انخفاض القدرة الشرائية للفرنسيين بصورة ملحوظة في الأشهر الأخيرة وارتفاع سعر اليورو مقارنة بالدولار، إلا أن حصيلة الموسم السياحي لسنة 2008 كانت جّيدة بالنسبة لفرنسا. هذا ما أقّرت به آخر دراسة قام بها مكتب لخبراء في السياحة يدعى: ''بروتوريزم'' بين فترة أول جويلية حزيران إلى 20 من أوت آب 2008 على أكثر من 500 فندق ومنتّجع لاستقبال السيّاح.


خبراء الشؤون السياحية كانوا يتوقعون حصيلة أسوأ بالنسبة لهذا الموسم بسبب تقلبّات الطقس وسوء الأحوال الجّوية اللذان ميّزا جميع مناطق فرنسا هذا الصيف ماعدا الجنوب وجزيرة كورسيكا، مما هدّد بإضعاف عزيمة الكثير في التنقلّ أو الذهاب للشّواطئ الفرنسية الكثيرة المطّلة على المحيط الأطلنطي.هذا إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية للعائلات الفرنسية، بسبب غلاء الأسعار مقابل جمود المرتبات. حيث وصلت نسبة ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية كالألبان مثلا إلى %48 مما جعل التضخم يبلغ معدل قياسي وصل في جوان 2008 إلى نسبة %3.2 حسب المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء. رغم هذا و ذاك إلا أن نتائج دراسة مكتب ''بروتوريزم'' لم تقيّم نسبة تراجع الإيرادات السياحية لقطاع الفندقة إلا ب% 2 فقط. سفر بعض العائلات البسيطة بات ممكنًا بفضل سرعة تأقلمها مع المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية الجديدة و حسّها التدبيرى. حيث تحّول السائح الفرنسي كما يشرح السيد ديدي أرينو مساعد مدير مكتب ''بروتوريزم'': ''إلى خبير حقيقيي يبحث دون كلّل عن أحسن فرصة لقضاء عطلته بأرخص الأسعار، فهو لا يحجز إلا في المنتجعات التي تُوفر خصومات في الأسعار وهو قادر على تصفح سبعة أو ثمانية مواقع في الأنترت قبل أن يعثر على ضالته.'' من أجل التوفير في المصاريف اختار أكثر من ربع السيّاح الفرنسيين هذه السنة المنازل المتحركة أو''موبيل هوم'' لإيوائهم بدل الفنادق، نظرا لأسعارها المعقولة المتراوحة بين 200 إلى 400 يورو للأسبوع. علمًا أن كل المرافق الحيّوية متوفرة في هذه المنازل الشبيهة بالشاليهات، حيث تسمح بتحضير الطعام وتقاسم تكاليف الإيجار مع الأصدقاء أو الأقارب، بينما متوسط سعر الغرفة الواحدة بأي فندق في منطقة سياحية قد يصل إلى 142 يورو في باريس و حوالي 70 يورو في المدن الأخرى. تقرير مكتب ''بروتوريزم'' وجد أن المطاعم، الحانات و المقاهي هي أكثر من عرف تراجع الإيرادات في هذا الموسم السياحي، وصلت في بعض الحالات إلى نسبة %10.وقد لوحظ على الفرنسيين الذين حالفهم الحظ ورصيدهم البنكي من الظفر بأيام من الراحة التزام معظمهم للمرة الأولى منذ سنوات بميزانية صارمة لا تسمح إلا بوجبة أو وجبتين في المطاعم مع تحديد جزء صغير للتسلية والملاهي. وكانت صحيفة ''لومانتي'' قد نشرت إحصائية في شهر جويلية حزيران كشفت فيها بأن% 42 من العائلات الفرنسية قد اضطرت هذه السنة للتخّلي عن مشاريع العطّلة والسفر بسبب ضيق إمكانياتها المادية. العائلات الأيسر حالاً اختارت السفر خارج البلاد بحثا عن الشمس والتغيير ''وكالعادة -يقول السيد ''جان مارك غوزي'' الأمين العام للنقابة الوطنية لوكالات الأسفار-فإن الفرنسيين يقصدون أولا شواطئ ومنتجعات الدول المطّلة على حوض البحر المتوسط كإسبانيا، تركيا، تونس، اليونان.. لكن مفاجأة هذه السنة كان الإقبال الكبير على الولايات المتحدة و كندا و هو ما أصبح ممكنا الآن بسبب انخفاض سعر الدولار أمام اليورو.''


الروس في شواطئ نيس و الخليجيون في شارع الشنزي إليزي:

أمام حرص الفرنسيين على تجنّب الصرف و الاستهلاك في عطّلهم الصيفية، فإن أرباب الفنادق و المرافق السياحية يعمّلوُن على السيّاح الأجانب لإنعاش القطاع و إنقاذ الموسم. الجديد هو أن انخفاض سعر الدولار أمام اليورو قد تسّبب في تقلص عدد السيّاح الامريكين الذي نزل هذه السنة بنسبة %10 لأول مرة منذ أحداث 11 سبتمبر و كذالك اليابانيون والصينيون الذين كانوا يملئون عادة فنادق باريس وشوارعها في المواسم السياحية. لكن المشهد السياحي عرف بالمقابل ظهور نوعية جديدة من السيّاح ذات قدرة شرائية عالية، يستهلكون و ينفقون دون خوف أو تردّد. إنها حالة الروس وجنسيات أخرى من أوربا الشرقية الذين أقبلوا بشّدة هذه السنة على جنوب فرنسا، و قد شوهدوا بكثرة في شواطئ ''كوت دازور'' و''بو ريفاج'' و''بروموناد دي أنجلي''. وقد كشف الديوان الوطني للسياحة في مدينة نيس عن ارتفاع نسبتهم هذه السنة ب %40 مقارنة مع سنة 2007 وكذالك السيّاح التشكيين الذي زادوا بنسبة %80 !!. نفس الهيئة قّيمت ارتفاع نسبة السيّاح القادمين من الشرق الأوسط لهذه المنطقة بحوالي% 24 معظمهم من الخليج العربي. عددهم المتزايد جعل الشركة الإماراتية للطيران تقرر إطلاق رحلات مباشرة بين دّبي و نيس إبتداءا من هذه السنة. أما عاصمة الأنوار باريس فقد ظلّت هذه السنة أيضا وفيّة لسمعتها السياحية الجيّدة، حيث جذبت معالمها الثقافية والفنية المعروفة اهتمام ما لا يقّل عن 29 مليون سائح من جنسيات مختلفة أوروبية بالدرجة الأولى ولكن أيضا من أمريكا اللاتينية (البرازيل، المكسيك) بزيادة نسبة %20 عن 2007.


الحضور العربي ميّزه مرة أخرى وجود مكثّف للخليجين في باريس، معظمهم تمركز في الفنادق الراقّية لحيّ الشنزي إليزي. الشارع المعروف الذي يقال انه من أجمل شوارع العالم يحوي على كل المرافق الحيوية من مطاعم راقية، محلات للملابس والإكسسوارات الفخمة، مراقص وقاعات السينما التي تبّث أفلامها باللّغة الإنكليزية. تزايد هذه النوعية الجديدة من السيّاح المرفهّين جعل بعض مسئولي الفنادق يفكرون بالتّوجه إليهم بخدمات خاصة. حيث قّرر مسئولو فندق ''إليزي بياريتز'' مثلا تخصيص قاعة لعرض أفلام عربية هي الأولى من نوعها في الغرب. وهي تعرض حاليا فيلم ''حسن و مرقص''، ''ليلية بيبي دول'' و''الريّس عمر حرب''، يعترف مديرها ''هوغ بيكيتي'' لإيلاف أن الفكرة جاءت من الأمير وليد بن طلال الذي يُقيم عدة مرات في السنة بباريس و في هذا الحيّ بالذات، والذي شّد انتباهنا إلا أن أربع مدن غربية فقط تعرض في صالاتها أفلام عربية و بما أن باريس تستقبل عدد مهّم من السيّاح العرب، فعليها التفكير في هكذا مشاريع''. الفندق الذي نظّم حفلة افتتاح عرض فيلم ''حسن ومرقص'' باستقبال عدد هائل من الشخصيات العربية المقيمة في باريس و بحضور الفنان عادل إمام حدّد سعر تذكرة الفيلم ب 150 يورو فقط لا غير..!


[email protected]