بصيص امل يلوح في الافق لحي القصبة الجزائري المتداعي

وليام مكلين من الجزائر:لم يسلم حي القصبة الجزائري معقل قراصنة شمال افريقيا الاسطوريين الذين هيمنوا طويلا على البحر المتوسط لعدة عقود في تحد للقوة الأوروبية من المدافع والسيوف والزلازل والفيضانات.

لكن قد تكون الضربة القاصمة للحي القديم المتداعي في العاصمة الجزائرية هو ما يلقاه في زمننا المعاصر من اهمال من جانب الحكومات المتعاقبة.

ويعجب القلة من الاجانب الذين يزورون حي القصبة القديم من تركه عرضة للانهيار وهو الذي اعتبرته الامم المتحدة من مواقع التراث العالمي لتاريخه الملحمي المتشابك بعمق في تاريخ البحر المتوسط والذي يقع أيضا في دولة تربح اسبوعيا مليار دولار من النفط والغاز.

ويقول الجزائريون إن الاجابة على هذا السؤال الذي حير البعض هو ببساطة غياب الارادة السياسية. فالثراء النفطي جعل السياحة تتراجع في قائمة الاولويات رغم الجاذبية القوية التي يمكن ان تكون لهذا الحي العثماني الذي تحيط به الاساطير بالنسبة للسائح الغربي الباحث عن الاثارة والعلم.

وكانت النتيجة أن تحولت هذه المجموعة المتلاصقة من الازقة والقصور والنوافير القائمة عند سفح تل يشرف على ميناء الجزائر العاصمة إلى مجموعة من البنايات الرمادية العفنة. ويعيش عدد كبير من السكان الذين يزيد عددهم على 30 الفا وسط القذارة.

وقال فتاح عبد القوي مسؤول التشييد وقد أخذ صدى صوته يتردد في جنبات قصر حسن باشا المرمري المزين بالفسيفساء quot;هذه ثقافتنا وروحنا وعلينا أن نحميها.quot;

وقال المؤرخ بلقاسم باباسي متحدثا بنبرة فخر تجدها في كل مكان وسط هذه المنازل المتلاصقة المتداعية quot;القصبة في خطر ويجب أن ننقذها قبل فوات الاوان.

quot;اذا رممنا القصبة ستكون منتجنا السياحي الاولquot; مضيفا انه من بين 1200 منزل في الموقع الذي تقدر مساحته بنحو 89 فدانا هناك 136 منزلا في حالة جيدة و600 منزل بحاجة إلى عمل ملح.

بدأ حي القصبة كموقع تجاري فينيقي في الازمنة القديمة لكن شكله الراهن يرجع إلى الحكم العثماني في القرن السادس عشر حين بزغ وذاع صيته كمعقل للقرصانين الشقيقين اروج وخير الدين بربروس اللذين اكتسبا شهرة اسطورية وكانت ترهبهما السفن الأوروبية.

وكان معلم عصر النهضة الايطالي فرا فيليبو ليبي والشاعر والروائي الإسباني ميجيل دي سرفانتيس من بين عشرات الالاف من الأوروبيين الذين خطفهم القراصنة الجزائريون واحتجزوهم للحصول على فدى في اماكن حصينة من القصبة او سخروهم كعبيد لدى الاسر الثرية.

كما تحولت البلدة إلى معقل للمقاومة الجزائرية ضد قوات الاحتلال الفرنسي في حرب استقلال الجزائر التي استمرت من عام 1954 وحتى عام 1962 والتي صورت في فيلم (حرب الجزائر) للمخرج الايطالي جيو بونتيكورفو والذي صور معظمه في القصبة.

وأصبح حي القصبة فيما بعد ايضا معقلا قويا للإسلاميين في التسعينات في بداية تمرد ضد الحكومة التي يدعمها الجيش وهو التمرد الذي تراجع الآن بدرجة كبيرة. ويقول سكان ومسؤولون ودبلوماسيون إن الأمن تحسن بدرجة كبيرة في القصبة.

لكن فكرة استخدام قصة الحي لتنشيط السياحة والتنمية وفرص العمل واشاعة الاستقرار السياسي ومحاربة الفقر لم تقابل بحماس يذكر من جانب حكام الجزائر.

فالبلدة التي أعلنتها منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للامم المتحدة (اليونسكو) موقعا للتراث العالمي عام 1992 لم يصدر قانون جزائري بجعلها موقعا محميا الا في عام 2003 .

ويقول المدافعون عن الحكومة انه كان عليها اعطاء الاولوية للأمن مع خروج الجزائر من الصراع الدموي الذي شهدته البلاد في التسعينات وانه كان عليها ايضا الوفاء بالاحتياجات الملحة للاسكان الحديث.

وصرح عبد القادر عمور رئيس مؤسسة القصبة وهي جماعة للمحافظة على التراث وهو من مواليد الحي بأن اهمال الدولة للمنطقة كان جليا في فترة ما لدرجة تردد معها الحديث عن رفع القصبة من قائمة اليونسكو.

لكنه قال ان السلطات اظهرت مؤخرا بوادر على الاهتمام بعمليات الترميم. والمثال على ذلك خطة اعلنت عنها الحكومة في مارس اذار تتكلف 300 مليون دينار (4.8 مليون دولار) لترميم جدران المنازل التي يتهددها خطر وشيك.

وسلمت سلطة عمليات الترميم إلى وزارة الثقافة وهو ما سهل ادارة العمليات التي كانت من قبل من اختصاص عدة اجهزة مما ابطأ اتخاذ القرار.