حمزة الحضرمي من تهامة- اليمن: عادات وتقاليد كثيرة في تهامة يستقبل الناس هناك بها شهر رمضان، لكن الكثير منها تلاشت والبعض الآخر اندثرت، ولم يعد لها وجود. فصباغة المساجد وبالذات الأثرية و التاريخية هي ول مظاهر استقبال الشهر الكريم في تهامة.

لقد اعتاد الناس في الأحياء والعزل على تزيين المساجد وتهيئتها وطلاء قبابها ومآذنها ومرافقها بمادة بيضاء تسمى (النورة) معتمدين على الأموال الخيرية الموقوفة لهذه المساجد، أو عن طريق تبرعات الخيرين. أول نكهة تصبغ الطابع الرمضاني.. ما أن تبدأ حارة أو عزلة بطلاء مسجدها إلا وتتقاطر بقية العزل بتهيئة كل مساجد المدينة.

طلاء المساجد والبيوت التاريخية بـ(النورة) البيضاء تضفي على قبابه ومآذنه جمالاً إلى جماله الفواح بعبق التاريخ، وروحانية الرمضانية.
كما أن المساجد تستعد بمصاحف القرآن الكريم الجديدة، أو القيام بصيانة النسخ المتهالكة، بتجليدها من قبل فقهاء العزل أومن يقمن بمهنة تلقين الأطفال من الفتيات والأطفال وذلك بطريقة محلية تعتمد على (القماش وعجينة من القمح والسكر، أو حياكته بالخيوط والإبرة الكبيرة )، وهي طريقة تحافظ على بقاء الكتاب، وعدم تمزق أوراق صفحاته المقدسة.

وهناك استعدادات خاصة تحرص فيها بعض القرى البحث عن إمام، أو فقيه صاحب صوت جميل يصلي بهم طيلة ليالي رمضان خاصة إذا كان الإمام الدائم لهذا المسجد من كبار السن، كون صلاة التراويح التي يجتمع لأدائها الكثير تحتاج لمجهود إضافي.
يرى الباحث في التراث الشعبي التهامي علوان مهدي الجيلاني أن الحرارة والعطش في المناطق التهامية جعل أبناء تهامة quot; أكثر جدية في تعاملهم واستعدادهم لاستقبال شهر رمضان، بمختلف أنواع الأغذية والمأكولاتquot;. ويشير الجيلاني إلى التقاليد والعادات، والطرق التعبدية التي اعتادها الناس في مختلف المناطق التهامية ومنها ما يسمى quot;الليلة اليوسفيةquot;.

يقولquot; هي الليلة التاسعة من رمضان الذي يصل فيها الإمام إلى سورة يوسف نهاية الجزء التاسع من القرآن الكريمquot;.
ويضيف الجيلاني quot; يحتفل بهذه الليلة الجميع ويتبادلون الهدايا التي تحتوي على أصناف من الحلوى الرمضانية كا لزعافير والبندري والسمسميةquot;.
ويشير إلى عادات أخرى جميلة اعتادها أهالي تهامة في مجالسهم المعروفة بـ quot;المبارزquot;.

يقولquot; كل ليلة يتم في هذه المجالس قراءة خمسة أجزاء من القرآن وتعرف بالراتب الرمضاني الذي ينتهي بختومات رمضان التي تقام في الليالي الفردية من العشر الأواخر، ويتم فيها دعاء ختم القرآن للولي الكبير محمد بن يعقوب الشهير بـ( أبي حربة ) أحد أولياء القرن الثامن الهجري في تهامة، وكذا خطبة قاف لأبي الفرج ابن الجوزي وغيرها من قصائد عبد الرحيم البرعي التي تنشد في المساجد والمقايل وأماكن كثيرة في تهامةquot;.
وعن الاستعدادات التهامية للطعام يقول الجيلاني quot; هناك استعدادات النساء بتسييف حبوب الدخن وطحنها بكميات كبيرة تكفي لوجبة السحور طيلة ليالي رمضان ويصنع منها خبز يسمى (الفطير) يتم تناوله (فتة) على الحليب والسمن البلديquot;.

وهناك أغاني وأهازيج يرددها الأطفال في تهامة ابتهاجاً واستقبالاً بأول ليلة من ليالي رمضان الكريم.
وحسب الباحث والأديب عبد الله خادم العمري رئيس منتدى العمري في بيت الفقيه بالحديدة فهناك أناشيد مثل ( يا جهلة رمضان واتي.. يا جهلة بخروا أمحاسي) وتعني يا أطفال رمضان قادم بخروا المنازل والآبار.
ومنها أيضاً( هوب هوب هوب.. قطعوا لمفاطر أمثوب ) وتدل على تخويف الأطفال غير الصائمين ( الفاطرين) بتقطيع ثيابهم.
وكذلك quot; رمضان أتى لا في قراعو ولا غدا.. ما في إلاَ شطيرو من حق أمعشى quot; وتعني أن رمضان جاء وليس هناك فطور في الصباح أو غداء في الظهيرة إلا من باقي وجبة الصائمين من عشاء اليوم الأول.
يقول الباحث العمري أن ( الشطيرو) quot; هي ما تتركه الأم لأولادها من أكل لم يستطيعوا أكله مع أفراد الأسرة، فتجمع كل المأكولات في وعاءquot;.
الأسواق التهامية كغيرها من الأسواق اليمنية ليس لها نهار ورمضان في اليمن بلياليه.
بمجرد أن يدلف الليل ويفطر الصائم تضاء المساجد وتعمر المحاريب بالصلاة وقراءة القرآن حتى الصباح، وتتجمع الأسرة بالذات الأطفال في سهرات ليلية يتناولون خلالها الحلويات التي ربما تنفرد بصناعتها بعض البيوت التهامية وتقتصر ببيعها خلال فترة رمضان المبارك، ومنها (الزعافير السكرية) المصنوعة من السكر والحوائج وتتشكل بقوالب متعددة تأخذ اشكال الطيور وأشياء أخرى من الطبيعة.
كما أن هناك ألعاب شعبية خاصة برمضان، اعتادها شباب تهامة قديما قبل أن تغزو المسلسلات الفضائية إلى جانب القات شباب اليوم.
الحاج محمد أبو سعيد من أبناء مدينة حيس التاريخية يقول أن هذه الألعاب quot; كانت تقام بعد تناول وجبة العشاء وأداء صلاة التراويحquot;.
يضيف quot; كانت فرحتنا بقدوم رمضان في سن الشباب كبيرة جداً، ففي المساء نلعب لعبة (الحل) وهي لعبة الاختباء والبحث عن المطلوبquot;.
ويشير إلى لعبة أخرى هي أكثر شعبية وتسمى لعبة (الزُل) quot; وتتم على حواجز الأراضي الزراعية المطلة على المدينة، أثناء خروجهم للتنزه بعد صلاة الفجر quot; وهذه اللعبة هي لعبة حسابية تستخدم فيها الحصوات وحفر صغيرة في الأرض.

يشير أبو سعيد إلى الأهازيج والتواشيح الابتهالية التي يرددها المصلين بعد الانتهاء من صلاة التراوح quot; تبدأ من شرفه المسجد بصوت عالٍ وتتلاشى قليلا قليلا مع تفرق المصلين كل إلى منزلهquot;.
ومن تلك التواشيح (يا خفي يا الله لاطفنا.. بالنبي المختار اغفر وسامحنا quot;.
الباحث والمنشد العريق محمد الحلبي الذي احتفظ بأهازيج الطفولة الرمضانية يقول quot; كان الأطفال في تهامة قبل وجود الميكرفونات في المساجد يرددون أثناء شروع المؤذن في الصعود إلى مأذنة المسجد
لأذان المغرب (والمآذن شايأذن.. شايقول.. الله أكبر.. فرحة امصائم كبيرة.. في كتاب الله تذكر).
ويضيفquot; منها ينطلقون نحو البيت مهرولين قائلين (وأذن وأذن.. واملحوحة بردن.. وامشربة تكلعدن quot;... ويعني أن الخبز برد والشربة تغيرت.
ويشير الحلبي إلى أن المسحراتي التهامي له موشح دعائي قبل الفجر ينادي بالاستعداد للسحور.
ويقول أن من تلك التواشيح والأدعية (يا أيها النوام قوموا للفلاح... واحمدوا الله الذي أجرى الرياح... وأن جيش الليل قد ولى وراح.. فاشربوا وعجلوا فقد قرب الصباح quot;.

ويشير إلى أن الأطفال وبالذات الفتيات لهن أهازيج وأغاني خاصة بهن يرحبون فيه بقدوم رمضان منها quot; رحبوا يابنات رحبوا برمضان... شهر امفضيلة وامسعيد من صام... فارحين به عرب وسادة... ورحبوا بمسجد امعبادة... رمضان روح على السلامة... أتي امسحور ركبوا امفدامةquot;.
كما يشير إلى أبيات أخرى يرددها الأطفال مثل quot; وارمضان عجل بملحوح.. وارمضان وامشربة تفوح quot;.
ويقول الحلبي quot; هناك عدد من الألعاب الشعبية الخاصة برمضان في تهامة والتي تلاشت واضمحلت مع اتساع البث الفضائي إلى جانب ظهور مجالس القات من هذه الألعاب.. مثل لعبة الكندوا وهي لعبة القفز على مخططات حيث يسقط الفريق المخطط على سطح الأرض، وقبل بدء اللعبة يحدد مسارها لاعب برمي حجرة يلتزم الجميع القفز اتجاهها... وهناك ألعاب أخرى مثل لعبة ( فسخة الالك وسراج المقبرة) وهي لعبة لم تعد موجودة على الإطلاق وتعتمد على التخفي والمطاردة.