آخرها قتل فتاة جنوبي قطاع غزة
جرائم الشرف في غزة تقترب من قانون الغاب

نجلاء عبد ربه من غزة: باتت ظاهرة قتل النساء والفتيات تحت ذريعة غسل شرف العائلة تتزايد شهراً بعد شهر، ما شكل صدمة واسعة وشعوراً بالخجل في الشارع العربي بشكل عام، الذي لا يزال يحتكم إلى قانون يدين المرأة ويبرئ الرجل.

وكان شاب من محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، أقدم على قتل شقيقته أمس وألقى بجثتها جانب الطريق، بعد أن عصب عينيها ويديها وكمم فمها، لتلحق بركب عشرات النساء الفلسطينيات اللاتي قتلن في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي حذا بمراقبين لضرورة سن قوانين تشريعية تجرم القاتل.

وما زالت المادة 340 من قانون العقوبات الأردني مطبقة في الضفة الغربية، التي يحصل بموجبها على quot;عذر مخففquot;: quot;إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخواته مع آخر على فراش غير مشروعquot;، إضافة إلى المادة 98 من القانون ذاته ، التي تأخذفي الاعتبار quot;من أقدم على فعله تحت تأثير ثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليهquot;. ويبقى هذا القانون مقتصرا على الرجال فقط، ويحاسب النساء إن عكسن الأمر بعقوبة الإعدام.

وتتهم ناشطات نسويات، هذه القوانين بتشجيع قتل النساء، إلى جانب الموروث الثقافي والاجتماعي quot;الذكوريquot;، الذي يعتبر مسهن quot;بشرف العائلةquot; جريمة تستحق الموت. ويشرن إلى أن القاتل يستفيد من قانون العقوبات الأردني، إضافة إلى المادة 98 من القانون ذاته، التي تأخذفي الاعتبار quot;من أقدم على فعله تحت تأثير سورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليهquot;.


وعادة ما يُسجن القاتل فترة تتراوح ما بين ستة أشهر وسنتين، إلا أنه سرعان ما يطلق سراحه بعد بضعة أيام ودون محاكمة. وتسجل إحصاءات المراكز الحقوقية أكثر من 62 جريمة قتل لهذا العام الذي يشارف على نهايته في قطاع غزة والضفة الغربية، وينفذ الحكم دون دليل ودون دفاع ودون محاكمة نزيهة.

وتؤكد الأخصائية الإجتماعية ربا حمود أن الكثير من النساء يقتلن إذا شك في سلوكهن أو راجت إشاعات تتهمهن بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، أو إذا ظهر عليها أعراض مثل الحمل، أو غياب البكارة. وأشارت إلى أن الجاني يستخدم هذه القوانين كطوق نجاة، بينما تجد حالات كثيرة كان السبب الحقيقي هو مطالبة المرأة بحصتها من الميراث، أو رغبتها الزواج دون موافقة عائلتهاquot;.

وأضافت حمود أن ما يتم الكشف عنه من جرائم هي واضحة تماماً، quot;بينما هناك حالات قتل أخرى على خلفية الشرف، أشاع أهل القتيلة أنها توفيت نتيجة مرض أو حادث أو انتحار، دون أن تقوم الأجهزة الأمنية بالتحري من صحة رواياتهمquot;.

وكان مشروع قانون العقوبات الفلسطيني الذي وضعه المجلس التشريعي السابق أقر بالقراءة الأولى عام 2003، إلا أن إجراءات إتمامه لم تكمل بعد.

وطالبت العديد من المؤسسات والمنظمات الأهلية السلطة الوطنية الفلسطينية بالتزاماتها وفقا للقانون الأساسي والذي نص صراحة في مادته التاسعة والعشرين على اعتبار حماية الأطفال والنساء واجبا وطنيا، ويقع على عاتق السلطة الوطنية بمؤسساتها المختلفة إنفاذ هذا الواجب وضمان إحترامه في المجتمع الفلسطيني بكافة الوسائل التشريعية والقضائية والتنفيذية، والتصدي لمثل هذه الجرائم ومواجهتها بحزم وصرامة، بما يحقق الردع الإجتماعي.

ودعت المجلس التشريعي الفلسطيني للعمل على إلغاء جميع النصوص العقابية السارية التي تبيح وتشجع القتل على خلفية ما يسمى quot;شرف العائلةquot;، وأن تستبدل هذه النصوص بنصوص عقابية مشددة على هذا النوع من القتل واعتباره جرائم قتل عمد مع سبق الإصرار, ضمن مشروع قانون العقوبات الفلسطيني المقر بالقراءة الأولى.

ورغم حساسية القضية إلا أن مخرجة فلسطينية شابة عرضت فيلماً لها يحكي عن قضايا قتل النساء في فلسطين بدافع الشرف. وتتحدث المخرجة بثينة خوري في فيلمها quot;مغارة مارياquot; لتقتحم قضية يفضل المجتمع عدم الخوض فيها إذ تقول خوري quot;جرائم القتل على خلفية ما يسمى الدفاع عن الشرف لا تختلف باختلاف الدين سواء كان إسلاميا أو مسيحيا فهي نتاج ثقافة المجتمعquot;.

وتروي امرأة عجوز داخل الفيلم قصة ماريا المدفونة في هذه المغارة فتقول quot;ماريا بنت حلوة شكّ أهلها فيها وكان الثوار في تلك الفترة في العام 1936 وطلبوا منهم قتلها وقاموا بإحضارها من البيت حتى وصلت إلى هذا المكان (الكنسية) وقاموا بقتلها. لم يكن معها أي شيء وبعد مقتلها كشفوا عليها وقالوا إنها بتول. ماريا بريئة.quot;

وتقدم امرأة أخرى قصة ماريا التي تقول quot;لمجرد أنها ذهبت إلى القرية وهي تركب على الحصان خلف الراعي بسبب المطر تم قتلها ودفنها في المغارة.quot;

وتقول الأخصائية النفسية رواء ماضي إن ازدياد نسبة جرائم قتل النساء على خلفية الشرف في المجتمع الفلسطيني، يعود ذلك إلى حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه المجتمع، والفلتان الأمني الذي تمر به الأراضي الفلسطينية الذي لعب دورا كبيرا في ازدياد تلك الحالات، إضافةً إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يغطي تلك الجرائم، والتي تبقى طي الكتمان بسبب غياب الرأي العام في المجتمع. وتشدد ماضي على أن النساء هن أكثر عرضة للقضايا السلبية، فالمرأة لا تمتلك قوة الردع والدفاع عن نفسها في مجتمع يعتبر ذكوريا.

ويؤكد الشيخ تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين، أن القتل على خلفية الشرف، جريمة تخالف الشريعة الإسلامية، وأن الجهة الوحيدة المخولة تطبيق النظام ومعاقبة الخارجين عن القانون والشريعة هي الدولة، وبالتالي لا يجوز إصدار قرار الإعدام وتنفيذه من جانب أحد الأقارب. وقال quot; جرائم الشرف تندرج في إطار العادات والأخلاق المذمومة، التي يجب الإقلاع عنهاquot;.

وبحسب الشريعة الإسلامية، فإن الحاكم هو الذي يطبق الحكم، وليس على أي شخص آخر يطبق الحكم وينصب نفسه حاكما، وحتى يحين ذلك، يستمر قتل الفتيات على خلفية quot;جرائم الشرفquot;، ويستمر إطلاق سراح قتلتهن بالاستفادة من القانون.