غرز نفسه بقوة في علم لبنان
أرز شمال لبنان يمنح الزائر هيبة شيخ

ريما زهار من بيروت: كنت اتساءل دائمًا لماذا اختاروا الارزة شعارًا يخلّد علم لبنان، فأتى الجواب بعد زيارة لأرز لبنان في منطقة بشري في الشمال، فتشعر انك في حضرة شيوخ من تراث لا ينضب، فالهيبة في المكان لا يشعر بها الا من عشق لبنان حتى الثمالة. انت على علو يفوق الألفي مترًا وتبعد كثيرًا عن بيروت العاصمة، حيث ألقيتَ ثقل الايام ورتابتها هناك، لتبدأ رحلة التوغل في غابة الارز، غابة الرب كما يحلو لأهالي المنطقة تسميتها .

منحوتة من شجر الارز

هذه الرحلة هي مجانية بامتياز، فلا رسم دخول، بل دعوة الى رحلة كل ما فيها جميل ورائع، الهواء العليل الذي يلامس كل جزء من هيكلك النفسي والجسدي يجعلك تشعر انكما زلت صبيًا ولدت اليوم بين ادراج هيكل الارز، روحًا تنبض بكل قوة لكل ما هو خالد.
الرحلة مشيًا تستغرق ما يقارب الساعة، تجول خلالها على أرزات لبنان حاميات التراث، ولكل ارزة حكايتها وتاريخها.

وعندما يسرح بك الخيال عاليًا تجد نفسك في حضرة شيوخ من الزمن الجميل، يوم كان لبنان موطنًا للحب والخيرات، ولكل شيخ سيمفونيته الخالدة، يمررها الهواء العليل بين اجزاء الشجرات ليطلع بها لحنًا خالدًا عن وطن وديع اسمه لبنان.
تحتار اي صورة تلتقط لتخلّد اللحظة، لوحات على مد النظر، وعلى طول الرحلة اناس يشاركونك متعة اللحظة، معظمهم اجانب جاءوا كما لامرتين سابقًا ليعلنوا للملء عن توقف الزمن في لحظة تأمل ابداعات الخالق.

لامرتين له حصته من ارز لبنان هنا اعلن بالفرنسية للزمن ان يوقف دقاته، فخلدوا مروره في لبنان بلوحة وضعت قرب ارزته المفضلة.
أقدم اشجار الارز في لبنان تجدها هناك، تحفر التاريخ اثلامًا في جذور الارض، عميقة هي كعمق وجود الانسان على تراب لبنان، مثبتة في جذورها ترفض الهجرة الى وطن آخر لن تجد فيه الا نوستالجيا الوطن الذي لا صورة اخرى له في خيالك.

بعض الذين كانوا يشاركون في رحلة التوغل الى جبل الارز اعلنوا انه يكفينا فخرًا ان الارزة مغروسة في علم لبنان، وهي قبل ان تغرس في العلم مغروسة في قلوبنا لانها رمز بقائنا فيه وتعلقنا به كما تتعلق تلك الارزات بتراب لبنان وترفض الهروب منه، رغم ان بعض الحشرات قيل انها تدمر الارز، لكن الاعمال جارية على قدم وساق كي تبقى الارزة شامخة رغم كل الظروف، فهي باتت رمزًا لصمود اللبنانيين وتفاؤلهم بغد افضل.

يحدثك الدليل السياحي هناك عن quot;لجنة اصدقاء غابة الارزquot; التي عملت على انقاذ غابة ارز الرب في بشري منذ العام 1985 وما زالت، وانها وعت هذه المشكلة وحضرت مشروعا لهذه الغاية أطلقت عليه اسم quot;غابة اصدقاء أرز لبنانquot;.

تقع quot;غابة اصدقاء ارز لبنانquot; على السفح الغربي من جبل المكمل، في وسط منحدرات منطقة ارز بشري، على بعد 400 متر من غابة الارز الدهرية.

هذه الغابة هي الامتداد الاعلى لمنطقة بشري، المقترحة لتكون quot; محمية الارز- قاديشاquot;. تبلغ مساحة هذه المنطقة 15800 هكتار، مقسمة على الشكل التالي:
12000 هكتار مناطق زراعية (يستغل منها فقط 4400 هكتار والباقي مهمل).
2000 هكتار مناطق صخرية غير صالحة للزراعة.
1800 هكتار مناطق صالحة للتشجير مشجر منها فقط 360 هكتارًا اي ان نسبة التصحر هي 69 في المئة.

تواصل رحلتك صعودًا نحو الارز، تشعر انك تلامس السماء عندما تنظر الى اعلاها لتصل الى القمة... هناك منحوتة قام بها فنان لبناني مبدع حيث نحت على ثلاث ارزات تماثيل مقدسة تمجد الخالق في جمالها وروعتها.

في اسفل المنحدر يافطة كتب عليها العودة هي تعلن بداية النهاية من رحلتك، تشعر انك تريد ان تبقى هنا، ان تفترش التراب لتنام جنب ارزات الرب، لكن لكل حلم جميل نهايته، تترك بعضًا من روحك قرب شجرات الارز وتعدهم انك ستعود يومًا كما يعود كل طائر الى سربه وكما تطلع الشمس كل يوم لتعلن فجرًا جديدًا على ارض مقدسة اسمها لبنان.

ارزة لامرتين

طريق العودة

تصوير ريما زهار