أصيلة، المملكة المغربية: وأنت تقترب من مدينة أصيلة المغربية قادما من طنجة، فإنكّ سترى على طول مسافة الثلاثين ميلا مزارع وحقولا واسعة من الأزهار وأخرى يتمّ الحفر فيها وأراض ساحلية بصدد التهيئة ومواقع بناء ومنازل مؤقتة للعمال.

كلّ ذلك لن يجعلك تستغرق الكثير من الوقت لتعرف أنه في غضون أعوام قليلة ستتحول هذه الأراضي quot;العذراءquot; إلى ريفيرا الفرنسية الجديدة.

ولفتت هذه المدينة الأضواء إليها مؤخرا باحتضانها لمنتداها الثقافي الشهير والذي خصص هذا العام لموضوع صدام الحضارات.

وزيادة على طابعها الثقافي، تبدو المدينة متصالحة مع محيطها ومختلفة كثيرا، فهذه المدينة المطلة على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي عند أقصى الشمال الغربي للمغرب تتميّز ببياضها الساطع واللمّاع للغاية.

كما أنّ الجدران نظيفة تبدو وكأنها غُسلت لتوها حيث يندر أن تلاحظ على أرضيتها ورقة أو كيس أو سيجارة.

بالإضافة إلى ذلك فقد زاد اللون الأزرق الذي طليت به شبابيكها وأبوابها من رونقها ولا ينازعها في ذلك سوى منتجعات اليونان أو ضاحيتي قرطاج وسيدي أبوسعيد في تونس.

وخلف أسوار المدينة التي أقيمت في القرن الخامس عشر، يمارس الأطفال لهوهم في طرقات لا تدخلها السيارات وفي محيط منازل أكثر ما يشدّك إليها الرسوم التي نفذها على جدرانها فنانون من مصر وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، في ظاهرة لا يمكن توقعها في مدينة كانت على شفا الزوال قبل عقود قليلة.

وأصيلة هي مدينة أسسها الفينيقيون بعدما أسسوا مملكتهم في قرطاج على سواحل تونس، وعرفت على مدى تاريخها بكونها من أكثر مرافئ التجارة تسامحا في العالم، قبل أن تسقط بأيدي القراصنة في بداية القرن العشرين حيث حولوها إلى مخبئ لهم.

ولم تبدأ المدينة في استعادة أنفاسها وموقعها بين المدن المتوسطية والأطلسية سوى عام 1983 عندما تمّ انتخاب الوزير المغربي المعروف لاحقا، محمد بن عيسى رئيسا لبلديتها.

وفي السنوات الأخيرة تسارعت الحركة مع ضخّ أمراء الخليج، وفي مقدمتهم بندر بن سلطان، أموالا طائلة لمساعدة بن عيسى على تنفيذ برامجه.

وفيما الأضواء مسلطة على مراكش في جنوب المغرب تعيش مدينة أصيلة طفرة عقارية صاخبة في صمت.

فقد أصبحت أسعار العقار في أصيلة، الذائعة الصيت بموسمها الثقافي الدولي، والتي لا يتجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمة، تضاهي أسعار مراكش والدار البيضاء.

والحقيقة أنّ المدينة تدين لرئيس بلديتها ذي العلاقات المتينة مع الخليجيين والإسبان، وأهمّ ذلك لطفرتها الثقافية التي جعلت منها تستقبل سنويا ما لا يقلّ عن 100 ألف ضيف يتابعون أنشطتها ومهرجاناتها الثقافية.

واللافت مؤخرا أنّ الكثير من هؤلاء الضيوف قرروا بناء منازل ثانية لهم في هذه المدينة.

وعلى مدى ربع قرن عملت أصيلة على تطوير موسمها الثقافي الدولي، مما زاد من إشعاعها الثقافي لدرجة أنّ محيطها تمازج تماما مع مواسمها الثقافية.


وأثبت المجلس البلدي ذكاءه من خلال المراهنة على الثقافة كرافعة للتنمية.

ومؤخرا قرر المجلس البلدي للمدينة ومنتدى أصيلة إطلاق أسماء شعراء ومفكرين على الجداريات التي تحمل رسوما بديعة.