هل ستغير تجربة الانفجار العظيم إيمان الناس حول نشوء العالم وتثير الفوضى؟

صلاح حسن من لاهاي: حينما كان في العلا ، لم تذكر الأرض باسم، ولم تذكر السماء باسم، ولم يكن غير آبسو وممو وتيامات، يمزج كل منهم مياهه بمياه الآخر.


هكذا تبدأ ملحمة الخليقة البابلية التي تصف نشأة الكون وهي الملحمة الأولى في التاريخ التي تصف هذه النشأة تلتها ملاحم كثيرة عبر التاريخ ولكنها لم تضف جديدا. يرجح الكثير من العلماء المختصين بتاريخ الاركولوجيا والأديان إن تأثير هذه الملحمة انتقل إلى بعض الكتب السماوية بعد أن غيرت أسماء أبطالها وأماكن حدوثها الجغرافية. لسنا معنيين هنا بأصل هذه الملحمة وتأثيرها ولكننا وضعناها كمدخل لسؤال طرحناه على عدد من المثقفين حول تجربة quot; الانفجار العظيم quot; التي جرت قبل فترة قصيرة وأثارت الكثير من التساؤلات والجدل حول سبب القيام بها الان والنتائج المترتبة عنها وما هي التداعيات التي سوف تثيرها خصوصا في ما يتعلق بأمر الإيمان.


وتبدو إجابات هؤلاء المثقفين مختلفة تبعا لتوجهاتهم الثقافية والبيئة التي نشأوا فيها وتأثير المجتمع الذي ولدوا في كنفه. أول الذين تحدثنا معهم عالم عراقي يعيش في لندن آثر أن لا يذكر اسمه قال: ليس غريبا على فريق العمل الذي أنجز هذه التجربة بهذه الدرجة من النجاح أن يكون هو الفريق نفسه الذي اكتشف quot; الانترنت quot; بالصدفة.

ما يؤخذ على الفريق انه لم يكن في بالهم نتائج عملية عما سيحصل أثناء هذه التجربة لكنهم لم يستبعدوا أن تكون هناك نتائج غير متوقعة مثلما حصل مع اكتشاف الانترنت. المثير في هذه التجربة العلمية أنها قد تميط اللثام عن علاقة السماء بالأرض أو الكواكب الأخرى وإذا حدث أن كشفت هذه التجربة عن عدم وجود اتصال بين الأرض والكواكب الأخرى فإن ذلك سيجهز على الكثير من القناعات الدينية بما فيها قضية الوحي الذي هو عماد التفكير الديني.


غالب اللامي ويعمل مدرسا لمادة الفيزياء له رأي آخر يقول: أنا مسلم ومؤمن بالشريعة ويؤسفني أن ينظر بعض زملائي إلى المؤمنين بوصفهم غير علمانيين ( خرافيين ) واعتقد أنهم لم يمعنوا النظر جيدا بكتاب الله العزيز. شخصيا اختم القرآن مرة في السنة وأحفظ عن ظهر قلب أجزاء من القرآن ولم اطلع على آية واحدة تتعارض مع جميع النظريات العالمية.


أما الشاعر والمترجم محمد الأمين فلديه نظرة اقرب ما تكون إلى المتصوف فهو يقول: لا تؤثر نتائج هذا المشروع الكبيرفي قناعاتي في مجال الإيمان بالخالق، فشخصيا أؤمن أن الديانات السماوية حرصت على تقديم رؤيتها لنشأة الكون وفقا للظرفين الزماني والمكاني، أومن بوجود الخالق، لا يمكنني أن أتخيل هذا العالم من دون قدرة عظيمة، تجليات الجمال تشدني الى هذا التصور بقوة، اما القناعات الدينية والتفسير الوارد بخصوص الكون في المعتقد الديني فهو يعود الى موضوع الوحي في ما له علاقة بالنص المقدس وشخصية الرسول وقوة مخيلة النبي للوصول الى العقل الفعال.


أيضا ثمة إقرار بتأثيرات من الأساطير الرافدينية في الكتاب المقدس، بقول آخر كان للأسطورة دور في فهم الإنسان للعالم، وقد استثمرت الأديان الفهم الأسطوري للعالم وضمنته في معتقداتها، التصادم الكبير بين الفهم الأسطوري والفهم العلمي سوف يبقى مستمرا، لسببين هما إصرار جمهور واسع من المتدينين على عدم تشغيل عقولهم والاكتفاء بالأجوبة التي يحصلون عليها من رجال الدين السطحيين، وإصرار العقل الإنساني المتحرر من الخرافات والأساطير على معرفة أسرار العالم.


لن تتأثر قناعاتي بوجود المطلق المتعالي حتى وان اكتشف الباحثون مكان الجنة وحولوه إلى منتجع لعشيقاتهم، فقناعة وجود المطلق المتعالي والسعي الى الاتصال به هي قناعة غير حكر على الأديان، هذا المتعالي المطلق المختلف، لا يمكن أن يتجسّد بشخصية الإنسان مادام منقوص المعرفة.


لن آخذ المخاطر التي نبه إليها بعض الباحثين بخصوص مشروعLHC والتي تطرقوا فيهاإلى احتمال نهاية الكون في حال تصادم
ولا أعارض حق الإنسان في معرفة أسرار الكون، مع ذلك أعتقد أن مشاريع بهذا الحجم، هي مشاريع في غير أوانها، ربما كان من الأفضل لو أنها استثمرت بما له علاقة مباشرة بمكافحة الأمراض، أو توفير الاحتياجات الأساسية لملايين البشر الذين يعيشون عراة وجوعى على سطح هذا الكوكب، ثمة ترف في البحث عن أسرار الكون في الوقت الذي تهدد فيه الأمراض حياة الملايين مثلا، هذا الرفض الهادئ سبق وان عبرت عنه في قصيدة احتمالات:
حقا انه لمن المدهش
أن نتسكع في جحيم متخيّل
أن نلاحق الكواكب والمجرات كالمراهقين
ونغفل القلق الذي يغيّر لونه كل حين في أعماقنا.


الفنان المصور باسم العزاوي يشكو من شحة المعطيات والحيثيات التي تتعلق بهذه التجربة الفريدة من نوعها..لكنه يقول : أعتقد أنها محاولة حقيقية وجادة لفهم قصة الخلق الأولى والغوص في أعماق الفهم الأيماني للعبادات ومناقشة ذلك بشكل جدي في حق الديانات وفي أخذ المبادرة لحكم بني البشر في هذا الكون. لكن هل أثرت فيَ... نعم وبشكل كبير وقد تكون رسخت بعض القناعات القديمة.


احمد عمر ناصر صاحب مكتبة في بغداد قال: لو وجهت سؤالك هذا إلى ناس يعيشون في الغرب لكان الجواب مختلفا لأنهم يعيشون في مجتمعات نابضة ومتحركة، أما هنا في مجتمعاتنا الراكدة فإن الأجوبة ستكون حتمية وجاهزة وغير قابلة للحوار فالشك مثلا وهو محور الفضول العلمي السبب في الكشف عن الكثير من المعلومات المهمة التي غيرت النظرة إلى العالم. أما عندنا في العالم العربي والإسلامي فإن الشك يعتبر معصية يحاسب عليها الإنسان مهما كانت ديانته. أنا انتظر نتائج التجربة بكثير من اللهفة وعند ذلك سيكون لكل حادث حديث.


في القطار العائد من مدينة روتردام إلى لاهاي جلسنا نحتسي العصير ونقلب كتابا باللغة العربية بعد جولة مرهقة من اجل انجاز هذا التحقيق وكان يجلس أمامنا رجل لم يتجاوز الثلاثين وله لحية قصيرة فاجأنا بالسؤال وقال: هل الأخ عربي؟ فقلنا نعم.. فقال وأكيد مسلم؟ فقلنا أيضا.. نعم. قال أراك لا تصوم رمضان؟ وقبل أن يستمر بحديثه الوعظي المتعب بادرته بالسؤال وقلت: بالمناسبة هل رأيت تجربة quot; الانفجار العظيم quot; فأجاب بعصبية واضحة: هذه التجارب لا قيمة لها وهل يعقل الإنسان أن هذا الكون كان بسبب تصادم ذرات صغيرة لا ترى بالعين المجردة؟
إن العالم خلق على أحسن صورة وكل شيء مرتب بعناية الله عز وجل. ما يقوم به هؤلاء الذين يسمون أنفسهم علماء هو كفر واضح وإذا كانوا على هذا القدر من العبقرية فلماذا لم يكتشفوا حتى الان ما هي الروح؟