وزراء في حكومة سركوزي ضمن أتباع الشرق الأعظم
عودة قوية في فرنسا للتنظيمات الماسونية

300.000 هو عدد أتباع الماسونية في فرنسا


أنيسة مخالدي من باريس: ما الذي يجمع بين موزرت، فرانكلين روزفلت، كلارك غابل، فولتير أو ألكسندر بوشكين... ؟ لا هو ليس فقط مشوارهم الحافل بالشهرة والمجد والنفوذ فقط بل أن هؤلاء وآخرين كُثر من عالم الفن و السياسة في العالم الغربي قد كانوا يوماُ ما من أتباع الحركة الّسرية الماسونية. هذه الحركة العقائدية السياسية التي كثيراً ما تثير الفضول بسبب الغموض الذي يكتنف هوية أتباعها وطقوسها الغريبة إضافة إلى الشائعات الكثيرة حول نفوذها الكبير والخفّي داخل كواليس السياسة، تعرف الآن عودة قوية في فرنسا. فبعد سنوات عجاف مرت بها في العقدين الماضيين، ها هي اليوم بحسب عدة دراسات و تحقيقات ميدانية جديدة تعرف انبعاث جديد. حيث يقدر المهتمون بدراسة هذه التنظيمات عدد أعضاءها أو ''الأخوة'' -كما يسمى أعضاء هذه الحركة أنفسهم- ب 150.000 تابع يتوزعون على أربع تنظيمات هي الأكثر تمثيل من بين التسعة الموجودة فعليا على الميدان: 50.000 من المنتسبين لتنظيم ''الشرق الأعظم'' أو ''لغرون أوريون'' وهي أهم وأكثر المذاهب الماسونية نفوذا في فرنسا والوحيدة التي أعلنت رسميا عدم التزامها بعقيدة الإيمان بالله ''كمهندس للكون'' حسب تعاليم هذه الحركات، التنظيم الثاني ويدعى المحفل الوطني الفرنسي الكبير GLNF ويضم 40.000 ألف منتسب وهو يتمتع بنفوذ كبير في أوساط المنظمات المهنية، 30.000 لمحفل فرنسا الكبيرGLF وحوالي13.000 للمحفل النسوي الفرنسي وهي المنظمة الماسونية النسوية الوحيدة في فرنسا. لكن عدد الأتباع -حسب بعض الباحثين- قد يصل إلى الضعف أي 300.000 إذا أخذنا في الحسبان أل 150.000 الآخرين الذين ُأبعدوا من التنظيمات أو اختاروا الانسحاب منها لأسباب مختلفة لكنهم لا زالوا محتفظين بتعاطفهم مع هذه الحركة بحسب الشعار الماسوني القديم الذي يقول '' ماسوني ليوم... ماسوني للأبد''.


وقد كانت التنظيمات الماسونية بفروعها الأربع الأكثر تمثيلا قد أعلنت رسميا أنها تسجل منذ سنتين زيادة في نسب الإنخراطات لم تكن قد شهدتها من قبل. فالمحفل الوطني الفرنسي الكبير GLNF أقّر بانضمام حوالي 2000 إلى 3000 عضو جديد لسنة 2008، 1500 إلى 1700 عضو لمحفل فرنسا الكبيرGLF أما الشرق الأعظم فهو يرفع العدد إلى 9000 منتسب.

المحلّلون وعلماء الاجتماع يرجعون هذا التطور إلى لجوء هذه التنظيمات الجديد إلى العلانية و اعتماد حضور قوي في الحقل السياسي و الاجتماعي الفرنسي و لا سيما بعد وصول سركوزي، حيث أبدت هذه التنظيمات وخاصة ''الشرق الأعظم'' معارضة قوية لمواقف هذا الأخير بخصوص الرجوع عن مبدأ العلمانية ومشاريع كثيرة كمشروع قانون اختبارات ''د.أن.أي'' المفروضة على المهاجرين و قوائم ''إيدفج'' للاستخبارات. الحرب العشواء التي أعلنها الماسونيين جهراً ضد سركوزي بخصوص مواقفه وجنّدوا لها الإعلام و جنودهم في الخفّاء وجدت صّداها عند بعض الفرنسيين الذين انجذبوا لها، وأحّسوا من خلالها بأن مثل هذه المعارك هي تجسيد لمبادئ العدالة و المساواة والعلمانية التي يحلمون بها. بعض الباحثين يفضلون من جهتهم التحدث عن جهود مضاعفة تقوم بها هذه التنظيمات من اجل استقطاب أعضاء جدد لضمان استمرارها، حيث بات لكل واحدة منها موقع على شبكة الأنترنيت مهمته تسهيل عملية التواصل وتبسيط خطوات الانضمام للأشخاص المهتمين.

''فالشرق الأعظم'' مثلا تشرح في موقعها أن الانضمام لا يتم على طريقة النوادي الكبيرة أمثال ''الروتاري'' أو ''اللايانس'' ( أي لا ينفع فيه واسطة ولا مركز اجتماعي)، وهو لا يتّم كأي إجراء إداري عادي بل حسب طقوس قديمة تعود لمئات السنين وأول امتحان يجتازه المترشح بعد قبول سيرته الذاتية يخّص استجوابه حول الدوافع التي أتت به بغض النظر عن مستواه أو مكانته الاجتماعية، ثم يخضع لعدة جلسات اختبار مع عدة أعضاء من المحفل ليتم التأكد من صدق نواياه. كما يتّم تشجيع الأشخاص المهتمين على بالاتصال هاتفيا بمقر أي محفل للحصول على موعد سريع (في ظرف أسبوع) وتقديم طلب الانضمام، الشيء الذي كان صعب التصور منذ سنوات خلت كانت فيها السّرية التّامة تميز نشاط هذه المنظمات. بعض التنظيمات بدأت تكلف الأعضاء المنتسبين بمهمة'' العثور'' على أخوة جدد يكونون أهل ''لاستقبال الأنوار'' وغالبا ما تكون مهمة إيجاد أعضاء جدد شرط من شروط البقاء في التنظيم، حتى أن بعضها تعتبر بأن ''الماسوني'' الجيّد هو الذي ينجح في استقطاب ثلاث أعضاء جدد كل سنة. ومهما تكن الأسباب وراء ارتفاع نسب الانضمام لهذه التنظيمات، فإن الملاحظ عموماً هو تحسن صورتها الخارجية عند عامة الفرنسيين وهذا نتيجة سياسة الانفتاح الجديدة التي قررت انتهاجها بغية كسر صورة المنظمة السرية الغامضة التي تثير حولها الجدل والمخاوف. فمعظم التنظيمات الماسونية الفرنسية اليوم لا تكتفي فقط بالإعلان جهراً عن هويتها وأهدافها ونشاطاتها على مواقع خاصة بها في شبكة الأنترت بل تفتح أبوابها أيضا لزيارات الفضوليين، ''فالشرق الأعظم'' تفتح مقرها الكائن بشارع كادي بالدائرة التاسعة في باريس للزيارة العامة بمناسبة أيام التراث الوطني، كما يسمح لبعض المثقفين والطلبة حضور جلسات ''الأخوة'' وندواتهم الفكرية، باستثناء طقوس اعتماد العضوية التي لازالت تدور في سّرية تامة ليس بسبب غرابتها كما يشاع بل لأنها حسب معتقدات الماسونيين من الخصوصّيات التي لا يحّق لأحد الإطلاع عليها. علمأ أن تنظيم ''الشرق الأعظم'' هو أول من بادر بسياسة الانفتاح على العالم الخارجي لا سيما في عهد ''ألان باور'' الذي تزعم هذا التنظيم بين 2000 و 2003 وهو باحث وخبير في الأمن من أصول يهودية، دخل التنظيم الماسوني وهو في سن العشرين وتدّرج في المناصب بسرعة فائقة بفضل ذكاءه الفائق حتى أصبح في مرتبة ''المعلم الخبير'' وهو في سن الثامنة والثلاثين، وقد كان صاحب نظرية ''تنظيف العائلة الماسونية'' أي إقصاء الأعضاء المرتّشين سيئي السمعة والإعلان عن ذالك رسميًا، كما أدخل عدة لمسات لتحديث صورة الماسونية كاعتماد ملحق إعلامي مهمته تكثيف عمليات الاتصال نحو الخارج، والجهر بعناوين مقّرات المحافل وهي سابقة انفردت بها هذه الحركة، إضافة إلى الإعلان عن ممتلكاتها ونشاطاتها الخيرية و الثقافية، وكذا قبول حضور النساء (وليس عضويتهم) وتشجيع دخول أعضاء عرب ومسلمين و خاصة من الإطارات العليا، وكان الباحث اللبناني الفرنسي ''أنطوان سفير'' قد تحدث عن ظهور وافدين جدد في المحافل الماسونية الفرنسية من العرب ومعظمهم (%90) هم من الجزائريين.

كما كان ''آلان باور'' يشجع أعضاءها على الإفصاح عن انتمائهم للحركة و كان هو نفسه ولا يزال يتحدث باسم هذه الحركة ويعلن جهراً عن انتماءه لها في وسائل الإعلام والمحافل العامة. ''الشرق الأعظم'' التي تعتبر أكبر حركة ماسونية في فرنسا تتمتع بنفوذ كبير في مجال السياسة، ورغم أن أتباعها الذين ينشطون في السياسة لا يشكلون سوى نسبة %9 إلا أن معظمهم يشغلون مناصب مرموقة في عدة ميادين إستراتيجية كالقضاء، الإعلام، البحث العلمي والصناعة النووية والحربية، وهو ما جعل زعماء فرنسا ورؤساءها من ديغول إلى سركوزي يعملون لهم ألف حساب، وقد جرت العادة أن تُستقبل وفود من الحركات الماسونية في قصر الإليزيه بمناسبة الانتخابات لحشد تأييدهم الثمين.

ورغم أن هذا التنظيم معروف بتوجهه اليساري إلا أنه يضم شخصيات بارزة من اليمين أمثال وزير العمل الحالي ''بريس أورتوفو'' المقرب من سركوزي وكذالك أمين الحزب الحاكم ومسئوله الأول الوزير السابق ''كسافيي برتران'' وشخصيات بارزة أخرى أمثال وزير الثقافة السابق جاك لانغ، وزير الخارجية السابق رولان دوما، مستشار متران السابق جاك أتالي، أو''سارج داسو'' إمبراطور صناعة الطائرات الحربية وصاحب جريدة ''لوفيغارو'' العريقة.