بيروت: تجلس كريستينا وعلي جنبا إلى جنب في الفصل الدراسي لتلقي درس في التاريخ، حيث يتعلمان كل شيء عن تاريخ الفينيقيين والرومان والاغريق والعثمانيين.

إلا أن المدرسين يحجمون عن تناول التاريخ الأحدث لفترات شابتها أحداث عنيفة في لبنان.

التاريخ الحديث ليس جزءا من المنهج الدراسي في لبنان، ويلجأ آلاف التلاميذ في الرابعة عشرة من عمرهم مثل كريستينا وعلي إلى آبائهم للإجابة عن أسئلتهم المتعلقة بالأحداث التاريخية الأحدث التي لا يتعرض لها المدرسون.

يقول علي: quot;إذا أردت معرفة شيء فإنني أتوجه إلى والدي وأسالهquot;.

وتقول كريستينا التي جاءت من أسرة مختلفة في معتقداتها الدينية إنها تفعل الشيء نفسه.

ولا ترحب معلمتهما كثيرا بالإجابة على ذلك النوع من الأسئلة. وتقول: quot;أحيانا يسأل التلاميذ عن أحداث وقعت حديثا ومن الصعب الاجابة عليها دون الخوض في جوانب تتعلق بالانقسامات الطائفيةquot;.

الأطفال في لبنان لا يدرسون التاريخ الحديث لأن الكبار لا يتفقون بشأنه.

حتى التاريخ القديم للبنان هو موضوع شائك.

هناك عشرات الكتب المدرسية الرسمية في التاريخ، اعتمدتها الحكومة، تقدم وجهات نظر مختلفة بشأن أحداث الماضي.

ويمكن لكل مدرسة أن تختار ما يناسبها من تلك الكتب حسب توجهاتها الدينية، كأن تعتبر الفرنسيين مثلا مستعمرين أو محررين، أو تصور العثمانيين كغزاة أو كرجال إدارة منتدبين.

الحرب الأهلية

وبينما تركز المدارس المسيحية في لبنان على تاريخ الفينيقيين التي ترى أن مسيحيي لبنان امتدادا لهم، تركز المدارس الإسلامية على التاريخ العربي.

أما عندما يتعلق الأمر بالتاريخ الأحدث في لبنان تصمت كل المدارس ببساطة.

يقول أوهانيس جوتشيان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت: quot;إنها مشكلة حقيقية.. إننا نربي جيلا آخر من التلاميذ الذين يرتبطون بطائفتهم أكثر مما ينتمون إلى أمتهمquot;.

ويضيف قائلا: quot;التاريخ يوحد الناس وبدونه ليست هناك وحدةquot;.

وكان ضعف الوحدة الوطنية في السبعينيات قد أدى إلى انفجار الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما باسم السياسة والدين.

وأرغمت تلك الحرب ملايين اللبنانيين على الفرار من البلاد، وقتل خلالها نحو 200 ألف شخص، وأدت إلى دمار بيروت.

واليوم أعيد بناء معظم أحياء بيروت وأصبحت الحرب الأهلية أثرا من الماضي.

إلا أن ذكرى الحرب لاتزال قائمة، والانقسامات المذهبية والطائفية قائمة والآراء منقسمة كما كان الحال في السبعينيات.

ويعتقد المؤرخ اللبناني أنطوان مسرة أن الحرب الأهلية ستظل تحلق فوق لبنان إلى أن يتفق الجميع على رؤية موحدة للتاريخ.

يقول مسرة: quot;إننا شعب بدون ذاكرة جماعية. ولكن من أجل المستقبل يجب أن يكون لدينا منهاج مشترك في التاريخ يمكننا أن نؤمن بهquot;.

وكان مسرة وعدد من زملائه من الطوائف الدينية المختلفة في لبنان قد قاموا في أواخر التسعينيات بمحاولة التوصل إلى وضع منهاج مشترك للتاريخ.

وكانت اللجنة الحكومية التي أسسوها تعتمد على أحد الأسس الموجودة في اتفاق الطائف التي انتهت بموجبها الحرب الأهلية والتي تدعو إلى التوصل إلى توحيد مناهج دراسة التاريخ اللبناني.

وعلى العكس من السياسيين تمكن المؤرخون من الاتفاق بعد ثلاث سنوات من العمل وتقدموا لوزارة التعليم بالمنهج الذي توصلوا إليه في التاريخ، إلا أن الوزارة رفضت المنهج المقترح ولم تطبع الكتاب أبدا بعد أن اختلف وزير التعليم مع أحد التفسيرات التاريخية المطروحة في الكتاب.

وفي لبنان حاليا حكومة وحدة وطنية تشكلت عام 2007 بعد اشتباكات طائفية في بيروت كانت قد هددت بوضع لبنان مجددا على حافة الحرب الأهلية.

وتم توقيع اتفاق سلام أعاد الفرقاء السياسيين اللبنانيين مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات وأعاد طرح الكتاب الموضوع في تاريخ لبنان مرة أخرى إلى الاجندة السياسية.

وتقول وزيرة التعليم الجديدة في لبنان إنها مصرة على فرض المنهج الجديد على كل المدارس اللبنانية.إلا أن الانقسامات حول تاريخ لبنان لاتزال قائمة.

يقول البرفيسور جوتشيان: quot;في لبنان نحن لا نشترك في نفس القيم والتقاليد. ولدينا نظام تعليم يساهم في تعميق الانقسامات بينناquot;.

عودة إلى علي وكريستينا في المدرسة البيروتية. تقول كريستينا إنها ترغب في إدخال تدريس التاريخ اللبناني الحديث فيما يرى علي أن هذا قد يؤدي على بروز المشاكل من جديد.