كامل الشيرازي من الجزائر: تحولت رحلات البحث عن الفطر الصحراوي في الجزائر إلى عنوان كبير للمتعة والاسترزاق، سيما بين صفوف الشباب الجنوبي الهائم بـquot;الكمأquot; أو ما يُشتهر بتسميته محليا بـquot; الترفاسquot;، وعلى غرار افتتاح موسم الربيع من كل عام، اقترن نضوج الكمأ بولاية غرداية الأثرية

(650 كلم جنوب العاصمة) بنشاط شبابي حثيث أثار الشهية لدى من عزفوا عن خوض رحلات الظفر بالكمأ في مواسم ماضية.

وبكثير من الحماس الظاهر والرغبة quot; الجامحةquot;، استهلت مجموعات من الشباب هذا النشاط الموسمي الفريد، وتسببت موجة الأمطار الغير مسبوقة التي تهاطلت على المنطقة خلال الأشهر الأخيرة في ازدهار نتاج الكمأ خلال العام الجاري، وعلى طريقة quot;مصائب قوم عند قوم فوائدquot;، حيث تغرق أسواق الجنوب الجزائري هذه الأيام وبشكل غير مسبوق بمحايل هائلة من الكمأ، وذاك راجع بحسب شروحات إلى الأمطار الطوفانية التي ضربت quot;عاصمة وادي ميزابquot; مطلع الخريف الماضي، وأسهمت في تحويل المناطق الصحراوية إلى براري يكسوها رداء أخضر من النباتات البرية المنتعشة، والتي يتصدرها فطر quot;الكمأquot; الثمرة البرية المفضلة لدى سكان منطقتي الهضاب والجنوب على الخصوص، ويحلو للأوساط الشعبية مناداة الكمأ بـquot;الترفاسquot;، ويشكل الكمأ إحدى أشهر المأكولات التقليدية المحبوبة من طرف السكان المحليين.

ويلاحظ عمي النذير (55 سنة) إنّ هذا النشاط الموسمي انتشر بشكل لافت هذا السنة في عموم أنحاء مسقط رأسه، وجال بناظريه مبرزا تلك القوافل من الباحثين عن الفطر الصحراوي بما فيهم عوائل تريد جمع الترفاس بطريقتها الخاصة، وترى الشباب وهم يزحفون على مساحات شاسعة تمتد إلى أعماق الصحراء بحثا عن هذه الثمرة العجيبة، وتشكل هذه المهنة لدى الشاب منير (33 سنة) الذي ينشط بالبحث عن الكمأ منذ عشر سنوات، فرصة quot; لملئ الفراغquot; على حد تعبيره، وأضاف منبهرا quot;بقدر ما تسببت التقلبات المناخية الأخيرة في حدوث أضرار بمنطقتنا، إلا أنّ الفيضانات كانت مفيدة ووفرّت خراجا استثنائيا لسكان المنطقة.

ويعلق اسماعيل (29 سنة) المنغمس في عشق هذه الثمرة، بأنه لا يستسيغ الالتحاق بالبيت دون أن يتأبط كيسا من quot;الترفاسquot; الذي يوصف بلحم الأرض، ولاحظ اسماعيل بأنّ عائلته تكون في قمة السعادة عندما تتسلم كميات من هذه الثمرة الساحرة، ويصف شاب آخر مهتم بجمع الكمأ، بأنّ هذه المادة الغذائية الطبيعية صارت فخرا وفنا تشتهر بهما المنطقة، فضلا عن المكسب المادي المحترم الذي تمنحه للشباب العاطل عن العمل.

ومن إجابيات جني الكمأ، أنّه أحيا في نفسيات كثير من فتيان الجيل الجديد، ذاك الولع والاهتمام بزراعة الأرض، بحيث صار الأمر بمثابة وصفة لكل من حُرم من نيل وظيفة، ويطمح ممارسو هذه المهنة إلى أن يتم مستقبلا تقنين هذا النوع من النشاط وتنظيمه بما يضمن الاهتمام أكثر بهذا النوع من المحاصيل النباتية الطبيعية التي تزخر بها المناطق الصحراوية في الجزائر.

وفي رحلات موسمية ممتدة، يستهوي جمع هذه الثمرة الصحراوية اللذيذة، الكثير من الشباب والنساء أيضا، ولكل واحد منهم شأنه وغايته، فهناك من يطمح في الاتجار بالكمأ وحصد أرباح طائلة جراء تموين عدد من التجار بكميات ضخمة من الترفاس، بينما يحدو الأمل شبابا آخرين في أن يتمكنوا من جمع ما تيسر من النقود للاستفادة منها في تلبية بعض حاجياتهم الملحة.

ويتنقل صيادو الكمأ إلى مشاتل معينة يُفترض أن تكون مواطن خصبة لانتشار ثمرة quot;الترفاسquot;، حيث تجد هؤلاء يتجهون صوب ضاحية الحمادة المتاخمة لولايتي غرداية وورقلة الجنوبيتين، كما يتخذ فريق معتبر منطقة زلفانة المشهورة بحماماتها المعدنية، قبلة له، كما يجري تنظيم رحلات البحث عن الكمأ وفق خطط معدة سلفا بين الأشخاص، فمنهم من يفضل التنقل لوحده بإمكانياته الخاصة، وفئة أخرى تفضل الرحلة ضمن مجموعة من الأفراد محددة الأعداد يجنحون إلى التناوب في مهمة الجني.

ولا يتطلب نشاط جني أو استخراج الكمأ من تحت سطح الأرض، عتادا ضخما، بل مجموعة من أدوات حفر البسيطة والتي عادة ما يستخدمها المزارعون كالفأس أو أي آلة معدنية أخرى حادة، علما بأنّ هذه العملية تتطلب إلى حد ما شيئا من الخبرة والتمرّس، ويتم الاعتماد على ذوي التجربة والباع الطويل في سائر الاستكشافات للمواقع التي يُعتقد أنها تحتوي على أكبر كمية من محصول الكمأ، ويقول سعيد (28 سنة) أحد العارفين بخبايا ثمرة الترفاس، أنّ الأخيرة تُعرف بكونها تنبت في شكل مجموعات يتراوح عددها في كل مجموعة ما بين عشرة إلى عشرين حبة في الموقع الواحد.

كما يفسر زبير (37 سنة) أحد المختصين الممارسين لهذا النشاط، بأنّ جني ثمرة الكمأ لا يشكل في حد ذاته مبتغى دائما، بقدر ما يتعلق الأمر بمزاولة مهنة مؤقتة قد تدرّ قليلا من المال لصاحبها، ويتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد من فطر الكمأ ما بين 80 إلى 100 دينار (في حدود 1 دولار)، علما أنّ quot;بورصةquot; الكمأ سجلت انخفاضا في أسعارها مقارنة بما كان مسجّلا قبل نحو شهر، حيث كان سعر الكيلوغرام الواحد من الكمأ بقيمة ألف دينار (ما يعادل 10 دولارات).

وتتفاوت أسعار الكمأ -بحسب الباعة- تبعا لنوعية الثمرة وحجمها، مع الإشارة أنّ جمع عشرة كيلوغرامات من هذه المادة الغذائية المحبوبة، تحتاج إلى فترة لا تقل عن اليومين لاستكمال مهمة الجمع، وعادة يتم نقل الكميات التي تجمع من هذه البضاعة على متن شاحنات تشاهد وهي تجوب كثير من المناطق، فيما يجري التجار مع صيادي الترفاس مفاوضات مضنية على الأسعار قبل إبرام الصفقات التجارية بين الطرفين ويتم بموجبها تحويل المحاصيل إلى الأسواق.

ويتعدد استعمال فطر الكمأ في مجال الطبخ من منطقة جزائرية إلى أخرى، وذلك بحسب العادات والتقاليد المتوارثة، فهناك من يطبخه ويقطعه على شكل أوراق رقيقة تُرصع بها أطباق الكسكسي أو أطباق غذائية أخرى، وهناك طريقة غليها في الماء قبل أن تضاف إليها قليلا من المقبّلات، كما يستخدم هذا النوع من النباتات الفطرية لأغراض علاجية، بعدما كشفت دراسات طبية عن أثر تعاطي الكمأ على المصابين بأمراض مستعصية.

ومن المعروف أن الكمأ نوع من النباتات الفطرية التي تنبت تحت الأرض بأعماق متفاوتة وتشبه في شروط نموها البطاطس ولا يظهر شيء من أجزاءها وعادة ما تكتشف من خلال ملاحظة تشققات الأرض وهي تنبت في المناطق الصحراوية والبيئات الرملية، وتنمو في شكل مجموعات في مواقع واحدة وهي ذات أشكال وأحجام كروية أو شبه كروية وتمتاز بمكوناتها الرخوة ورائحتها المتميزة، ويتدرّج لونها من الأبيض إلى الرمادي والبني والأسود وتختلف بذلك نوعية المذاق من صنف إلى آخر.