صباح الخفاجي من بغداد: لا يمكن لأحد أن يعرف معنى الانكسار كما تعرفه الأرامل العراقيات التائهات بين صدمة فقدان الزوج المعيل إلى شقاء كسب القوت وثقل حمل إعالة أطفالهن بمفردهن. ولا يواجه من يبحث عن أرامل عراقيات أي صعوبة في إيجادهن لأنهن موجودات أينما التفت يميزهن انكسار واضح واتشاح بسواد امتد طوال عقود حكم الرئيس السابق والسنوات الست من بعده. وأشار تقرير أصدرته الأمم المتحدة إلى quot; تولي امرأة إعالة العائلة لوحدها من بين كل 10 أسر عراقية وان 80% منهن أرامل. وتمثل النساء 17% من القوة العاملة في البلاد، مقارنة بنحو 81% من الرجال ويعزى ذلك إلى ارتفاع الأمية بين النساء.ويؤكد التقرير أن حوالي ربع الإناث العراقيات أميات.

وهو أمر تدركه رئيسة منظمة quot;عراقيات لتدريب وتعليم الأراملquot; فيحاء خليل التي تعنى منظمتها بمساعدة 750 أرملة من خلال تدريبهن لاكتساب مهارات فنية تمكنهن من الحصول على عمل بدخل شهري يمكنهن من إعالة أطفالهن بشرف وكرامة.وتعمل منظمة عراقياتquot; بالدرجة الأساس على حث الأرامل لإكمال تعليمهن فالتعليم حسب رئيسة المنظمةquot; هو السلاح الوحيد القادر على هزم كل الشرور التي تواجه الأرملة وأطفالها لكنه أمر لا يلاقي حماسة من قبل الأرامل أنفسهن لانشغالهن بأعباء الحياة اليومية شديدة الصعوبة.

وتبدي رئيسة المنظمة أسفها وصدمتها من واقع مراجعتها المؤسسات الحكومية التي لا تبدي جدية ولا جهدا لتغيير واقع الأرامل المتردي وتعبر عن ذلك بأسى quot; قدمت مئات الطلبات والعرائض بحثا عن وظائف في المؤسسات الحكومية لكني فشلت وطوال سنتين لأنهم لم يوظفوا سوى خمسين أرملة فقط..

وتضيفquot;غرضنا حماية شرف وكرامة الأرملة.قدمنا فايلات و مستمسكات رسمية دون جدوى تحولنا إلى متسولين للمساعدات المالية ولاستجداء الوظائف


انعدام فرص العمل

ولا تدخر الأرامل العراقيات المنضويات في المنظمة جهداً في التحدث ووصف معاناتهن لعل احدهم يمنحهن حللا ناجعا.وتفرد بعض الأرامل أوراقا رسمية تتعلق بوفاة أزواجهن فيما بادرت أخريات للتعريف بقصصهن

قدمت أنوار صاحب عشرات الطلبات لتعمل كمنظفة في وزارات ودوائر لكنها لم تحظ بالوظيفة. وتشير هديل هشام إلى أن زوجها فقد قبل عامين في ديالى وأنها غادرت إلى بغداد مع طفلين سعيا للحصول على عمل شريف

ولفتت إيناس عبد الواحد إلى أنها تعيش مع أطفالها الستة مع اخيها وهو معوق ويعاني البطالة هو الآخر.أما إيناس فتعتمد على جدتها العجوز في رعاية طفلتيها أثناء مراجعاتها للمنطقة الخضراء أملا بالحصول على وظيفة.

ونادرا ما تزاول الأرامل أعمالا إنتاجية بسب طبيعة المجتمع الذكورية المهيمنة.وتكتفي الكثير منهن في العمل بالخياطة وهي مهنة لا تدر مبلغا مريحا او مستمرا من المال، وقد تدير الأرملة دكانا صغيرا في منزلها لبيع الحاجيات البسيطة وهو عمل لا يسد أيضا متطلبات اعالة الأطفال وهو ما تؤكده وفاء حميد الباحثة عن وظيفة ثابتة لإعالة ابنتيها لان اغلب الناس يفضلون شراء الملابس الجاهزة،وشكت سماهر ان بيع السجائر والعصائر لا يكفي متطلبات المعيشة ولا يدفع إيجار الغرفة التي تسكنها مع أطفالها الستة.


بلا مسكن

تسكن غالبية الأرامل في كنف أقاربهن لكن كثيرا منهن يذهبن للقول أن الأهل والمجتمع لا يرحمان وسرعان ما ينقلبوا فتصبح الأرملة وأطفالها شبه منبوذين!وبهذا الصدد تشير تغريد جليل إلى مقتل زوجها بتفجير انتحاري لنفسه وسط حشود من المتطوعين وبعد شهر من ذلك طردتها زوجة أخيها إلى الشارع مع ثلاثة أطفال،أما سوزان عبد الأمير فتسكن مع أطفالها الثلاثة في حسينية.فيما تسكن عبير طالب في غرفة تابعة لمستوصف صحي مع بناتها الثمانية وتتشارك زينب حميد بعد قتل زوجها غرفة واحدة مع أبيها وزوجته! وتقول انتصار (شرطية)حميد إنها تسكن مع أهلها لكنها تدفع الإيجار الشهري نيابة عن العائلة رغم ان اخو يها يعيشان في المنزل ذاته مع عوائلهم كما وتتولى العناية بوالديها إضافة لطفليها..


شبكة الرعاية

حصلت الأرامل بسبب حروب صدام حسين الطائشة على قطع أراض ورواتب تقاعدية مجزية فيما لم تحصل الأرامل التي سببتها تصفياته الجسدية لأبناء العراق والعمليات الإرهابية على أي شيء بالرغم من شروع شبكة الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتقديم مساعدات نقدية تتراوح بين 50 إلى 150 دولارا ألا أن الكثير من الأرامل لم يتمكن من الوصول إلى تلك المساعدات بسبب موجة فساد كبيرة تسيطر على بعض المؤسسات الحكومية وأفادت فاطمة ناصر لها من الأطفال أربعة أنها قدمت طلبها إلى شبكة الرعاية الاجتماعية وهي تراجعها منذ 3 سنوات لشمولها بالرعاية لكن دون فائدة وتقولquot; نسمع برواتب الرعاية لكنهم لم يشملونا ولا ادري لماذا يرفض المسؤولين مقابلتنا وسماع ماساتنا.


وظيفة وتحرشات

ويبدو ان معاناة بعض الأرامل لا تنتهي عند الحصول على وظيفة وسكن حيث تمتد على شكل تحرشات ومضايقات تواجه بعض الموظفات منهن سواء في أماكن عملهن أو سكناهن.

تروي أ نجاح (مفتشة) تعرضها إلى مضايقات وتحرشات من قبل منتسبين في مكان عملها مما اضطرها إلى تقديم شكاوى لمروؤسسيها ولم تنصف فقررت الامتناع عن الكلام نهائيا مع أي من زملائها وحتى المراجعين!

وأكدت (أ ط) إن الموظفين يرون فيها صيدا سهلا مما اضطرها لإظهار الحزم والصرامة.

وتقر( ر م) بوجود التحرشات والمضايقات في مختلف مجالات العمل وفيما تضطر الكثير منهن إلى استخدام الرفض والصرامة وأحيانا يضطررن إلى ترك العمل حفاظا على أنفسهن وأطفالهن.أما البعض الأخر وللأسف الشديد يسقطن في الهاوية.أ

وتؤكد (ر) إن استمرار الضائقة المالية التي تواجه الأرملة في إعالة أطفالها قد تضطر أرامل أخريات للرضوخ لأي شيء مقابل الحصول على المال ذاك أن اقسي ما يؤرق الأم عندما يمرض طفلها ولا تستطيع معالجته أو يريد أن يأكل فلا تقدر على إطعامهquot; وتضيف : واقعنا لا يرحم ولا يوجد من يقدم مساعدة دون مقابل!!


إعلان العراق منطقة منكوبة

تبدي فيحاء خليل أسفها وحزنها لاضطرار بعض الأرامل لسلوك طريق اعوج لكنها حملت بشدة على أعضاء البرلمان ورئيس الحكومة والوزراء وحملتهم المسؤولية المباشرة عن تردي وضع الأرامل وسوء أحوالهن المعاشية والإنسانية داعية في الوقت ذاته الأمم المتحدة لإعلان العراق منطقة منكوبة لان ما يحصل للأرامل وأطفالهن لا يصح السكوت عنه! ونوهت عن نيتها بإغلاق منظمتها ليأسها من اصطلاح الحال.

فيما تعبر بعض الأرامل عن ندمهن لانتخابهن الحكومة والبرلمان ووصفنهم laquo; أنهم لا يفكرون الا بأنفسهم وزيادة أموالهم والعيش على حسابنا بترف وبذخraquo;. وتساءلت الأرامل quot;كيف يمكن للمسؤولين أن يناموا قريري العين فيما تضطر كثير من الأرامل لإذلال أنفسهن من اجل إعالة أطفالهن..

وكانت سميرة الموسوي مسؤولة لجنة المرأة والطفل قد قدرت في تصريحات صحفية لعدد من وسائل الإعلام أن عدد الأرامل في العراق وصل إلى 738.240 وتتراوح أعمارهن ما بين 15إلى 80سنة.والى أن اللجنة البرلمانية قدمت مشروع للإسكان مع المطالبة بتخصيص مليون دولار من الميزانية لمساعدة الأرامل لكن الحكومة لم تستجب..فيما قدرت نوال السامرائي وزيرة الدولة quot;المستقيلةquot; لشؤون المرأة أن عدد الأرامل يبلغ مليوني أرملة والعدد في تزايد مستمر لافتة إلى أن quot;الوضع أصبح مثل قنبلة موقوتة، خصوصا إن الكثير منهن ما زلن يافعات وشابات وهن حبيسات البيوت..

وفي السياق نفسه صرحت نوال السامرائي الوزيرة المستقيلة لشؤون المرأة laquo;إن الأزمات التي مرت بالبلد خلفت جيشا من الأرامل والمطلقات وغير المتزوجاتraquo;، مؤكدة عدم قدرة الوزارة على معالجة مشاكل النساء وواصفة وضع المرأة في البلاد بأنه laquo;كارثةraquo;.وأكدت السامرائي لوكالة الصحافة الفرنسية أن laquo;المرأة العراقية تواجه أزمة الاحتلال والإرهاب وانهيار الاقتصاد ما أدى إلى جيش من الأرامل وعدد كبير من المطلقات والنساء غير المتزوجات والمشرداتraquo;. ووصفت حال المرأة في العراق بأنه laquo;كارثةraquo;. وأن laquo;المجتمع ينهار وكنت وزيرة في وزارة لا تملك شيئا من مقومات النهوض بالمرأة. ليست هناك صلاحيات أو كوادر أو إمكانات ماديةraquo;.