الازمة المالية تؤثر على حركة البيع والشراء لكن لم تمنع المصريين من الاحتفال

شم النسيم فى مصر بهجة بطعم الفسيخ والرنجة

محمد حميدة من القاهرة: كعادته فى مثل هذا التوقيت من كل عام قرر محمد وأسرته الصغيرة قضاء يوم شم النسيم فى بلدته الريفية.. ذهب مبكرا إلى موقف عبود quot;موقف سيارات المحافظات الرئيسي بالقاهرةquot;، محملا بعدة حقائب محشوة بالفسيخ والرنجة والسردين والبصل والخس وغيرها من المظاهر المرتبطة بهذا اليوم، ليستقل سيارة أجرة الى بلدته بمحافظة المنوفية شمال القاهرة.. لكن اضطر محمد للوقوف لعدة ساعات حتى وجد مكانا فى سيارة، وحشر نفسه وزوجته وأولاده الثلاثة على مقعد لا يتسع لأكثر من شخصين. ونظر ورائه وقال quot;لو لم اعمل كده لقضينا شم النسيم فى البيت quot;.

المشهد فى موقف عبود كان مثيرا للانتباه، ركاب بالآلاف أفراد وجماعات وجهود كبيرة من قبل رجال الأمن والمسئولين عن الموقف لتسهيل نقل الركاب للقضاء على التجمعات بأي شكل، وبالرغم من معاناة المواطنين الشديدة وعلامات التذمر من الانتظار إلا انه يبدو على وجوههم إصرار غريب ورغبة ملحة للاستمتاع بهذا اليوم، مشهد يعكس اهتمام وحرص قطاع كبير من المصريين على استمرار تقليد وعادة موروثة منذ عصور الفراعنة حتى اليوم بالرغم من توابع الأزمة المالية العالمية التي بدأت تلقى بظلالها على اقتصاديات المصريين.

يقول محمد quot;اتفق ان الميزانية هى المحرك الرئيسي لتحريك مشاعر البهجة فى هذا اليوم، ولا يطلق عليه شم النسيم بدون خروج وتنزه وتناول الفسيخ والرنجة والبيض والبصل وغيره، وبالرغم من انه ياتى فى ظروف أكثر صعوبة من الناحية المادية وارتفاع الأسعار،quot;إلا إننا قررنا الاقتصاد فى النفقات وخصوصا فى الجانب المتعلق بالمأكولات عن العام الماضي وبدلا من ان نشترى 2 كيلو فسيخ اشترينا كيلو واحد مثلا، لكنه بلا شك يوم جميل ننتظره كل عام quot;.

أصل التسمية

وشم النسيم هو عيد فرعوني قديم، بحسب بعض المؤرخين، يأتي في اليوم الثاني لاحتفال أقباط مصر بعيد القيامة، ويعتبر إجازة رسمية على مستوى الدولة المصرية وترجع تسمية quot;شم النسيمquot; بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية quot;شموquot;، وهو عيد يرمز عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون. وقد تعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة quot;النسيمquot; لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.

وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل. فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم ndash; قبل الغروب ndash;؛ ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم.

وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب، حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد انشطرت إلى قسمين.وما زالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع مقدم الربيع في الحادي والعشرين من مارس كل عام، في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساءً، نتيجة سقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم، فتكشف أشعتها الخافتة الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة اللذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران.

أطعمة خاصة
ويتحول الاحتفال بعيد quot;شم النسيمquot; مع إشراقة شمس اليوم الجديد إلى مهرجان شعبي، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم، مثل: البيض، والفسيخ (السمك المملح)، والخس، والبصل، والملانة اوالحمص الأخضر.وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم ndash; عند الفراعنة - بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة.


الاقتصاد فى النفقات
الأزمة المالية ألقت بظلالها على احتفالات المصريين بشم النسيم اليوم، لكنها لم تمنعهم من ممارسة الطقوس المعتادة، بل واجهوا ظروفهم بالاقتصاد فى النفقات وهو ما انعكس على حركة البيع والشراء.

تقول رانيا موظفة بشركة دعاية واعلان لquot;إيلافquot; انها لا تفوت الاحتفال بهذه المناسبة حيث تعتبرها فرصة للتغيير والتجديد والخروج عن نمط الحياة اليومي، مشيرة الى ان هذا اليوم صادف عيد ميلادها ووضعها زوجها فى اختيار صعب ما بين الخروج للتنزه او شراء هديه فقررت على مضض التنزه والتنازل عن الهدية هذا العام والاقتصاد فى شراء الأطعمة نظرا لارتفاع الاسعار.

وتبدأ أسعار الفسيخ من 40 جنيها للكيلو، ويتضاعف المبلغ فى الإحياء الراقية بالنسبة للفسيخ المميز، بينما الرنجة تبدأ من 15 جنيها للكيلو وتصل حتى 30 جنيها للكيلو. وquot; تزيد هذه الأسعار 25% عن العام الماضيquot;، وفقا لقول عبد الجليل 30 عاما فسخانى، مضيفا quot;الموسم فقير جدا والفلوس قليلة مع الناس والأسعار بقت نار، واللى كان يشترى كيلو أصبح يشترى نصف كيلوquot;.

جدل دينى
وهناك قطاعا لا يبدى اهتماما بهذه المناسبة لأسباب دينية حيث تعتبر بعض الجماعات الإسلامية الاحتفال هذا اليوم،quot;مرتبط بأعياد النصارى، ولهذا لا يجوز الاحتفال بعيد لم يأت به الشرع الحنيفquot; وهو ما يعتبره المسيحيين يضر العلاقة بين المسلمين والأقباط لأنه يصفهم بquot;الكفارquot;. بالرغم من ان quot;شم النسيمquot; ليس عيدا مسيحيا ولكنه عيد فرعوني والسبب في مجيء شم النسيم بعد عيد القيامة أن شم النسيم أو كما يسمي بـ quot;النيروزquot; عند الفرس، يأتي يوم 21 مارس/آذار. وهذا اليوم يكون وسط الصيام الكبير للمسيحيين الذي منعت فيه الاحتفالات ويكون الأكل نباتيا فقرر قدماء الأقباط عندما كانت كل مصر مسيحية تأجيله حتى انتهاء الصيام والاحتفال به بعد عيد القيامة، وعندما جاء المسلمون إلي مصر، بعد الفتح العربي احترم المسلمون هذا النظام.

ويرى بالمقابل عدد من علماء الأزهر جواز الخروج والتنزه في يوم quot;شم النسيمquot; والاحتفال بهذا اليوم الذي ليس له مظاهر دينية.حيث دعا هؤلاء العلماء المسلمون للخروج إلى المتنزهات اليوم الاثنين، وتهنئة الأقباط بعيد القيامة. و يرى الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر إن quot;الاحتفال بشم النسيم - كما هو واضح من التسمية - احتفال بالمناظر الطبيعية الجميلة، التي تجيء بعد فصل الشتاء، فتزهر الأشجار والورود، وليس لهذا اليوم أي معني ديني إطلاقا، حتي يقول البعض إنه بدعة أو محرم أو مكروه، وإنما هو فكرة اخترعها المصريون القدامى إظهارا للابتهاج والسرور بالطبيعة التي خلقها المولي عز وجلquot;.وأضاف عثمان quot;أن القواعد الشرعية تقول إن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، كما أن الأمور لا تكون من البدع إلا إذا اتخذت صبغة دينيةquot;.