ظاهرة التسمين الإجباري محنة لا تزال تطارد بعض النساء الموريتانيات
الأمهات الموريتانيات يسمن بناتهن للزواج

محمد ولد الشيخ من نواكشوط: على خلاف الكثير من بلدان العالم تعتبر السمنة مظهرا جماليا هاما لدى أغلب الموريتانيات اللواتي يبذلن كل الجهود لتحصيلها متجاهلات الأخطار الصحية التي يسببها الارتفاع الزائد في الوزن. و تبعا لهذه الثقافة الخاصة عرف المجتمع الموريتاني عادة غريبة تسمى محلي quot;لبلوحquot; و تعين التسمين من خلال أساليب خاصة يغلب عليها العنف و الإكراه، حيث يتم إرغام البنت على تناول كميات هائلة من الطعام و الشراب ليرتفع وزنها في فترة وجيزة، لأن ذلك يدل على ثراء أهلها كما يحسن من فرص حصولها على فرصة زواج مبكر كما يرغب أكثر الموريتانيا.
و رغم كل البرامج الإعلامية والمخططات التربوية التي أعلنت عنها مؤسسات الدولة الموريتانية للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد من تأثيراتها الصحية، لا تزال عادة quot;لبلوحquot; منتشرة في بوادي موريتانيا بنفس الأساليب العنيفة أما في المدن فيوجد نوع آخر من التسمين غالبا ما يكون برغبة شخصية من الفتاة و قد تستخدم فيه منتجات طبية لفتح الشهية و تنشيط الهرمونات المسئولة عن النمو.


رغبة رجالية
يتفق أغلب النساء الممارسات للتسمين و الراغبات في زيادة الوزن أن الهدف من وراء ذلك هو استعجال الزواج حيث يقبل الرجال الموريتانيون في الغالب على الزواج من السيدات البدينات فيما تظل quot;صاحبات الرشاقةquot; أقل حظا بالنسبة للكثير.
فالسبب إذن مرتبط برغبة الرجل الموريتاني الذي يفضل المرأة المنتفخة الجسم على تلك البارزة العظام، و قد ترسخ هذا المنطق في أذهان الموريتانيين منذ القديم فهناك مثل ذائع الصيت في هذه البلاد يقول أن المرأة تأخذ من قلوب الرجال بقدر ما تأخذ من الفراش عند جلوسها أي أنها بقدر حجم جسمها تكون أقرب الى نفوس الرجال الموريتانيين.
لكن الأجيال الجديد من الشباب الموريتاني لا تتفق تماما مع النظرة القديمة، فهناك الكثير من الشباب يعبرون عن تقززهم من النساء المفرطات في البدانة.
الشاب السيد ولد أعمر 28 سنة يعمل مدرس لغة انجليزية يعارض بشدة فكرة التسمين و يقول أن النساء البدينات يسببن الكثير من الحرج عند المشي معهن كما أنهن لا يستطعن العمل أو القيام بالمساعدة في أعمال المنزل، فهن إذن عالة على الرجل حسب ما عبر عنه الشاب السيد لـ إيلاف.

ثقافة مترسخة
أما الطالب الجامعي سالم فلا يزال يتمسك بالفكرة القديمة حول جمالية البدانة، فيقول انه لا يتصور نفسه مع امرأة رشيقة تحاكي الرجال في الخفة و العضلات المشدودة.
و بشكل عام يمكن القول إن اغلب الشباب الموريتاني اليوم يسير بين الطرفين فهم لا يزالون يتأثرون بثقافة الآباء و الأجداد حول السمنة و مع ذلك يتعرضون لضغوط الواقع و مخاطر السمنة الواضحة، لذلك فان الرأي السائد بين الفتيات الموريتانيات خصوصا المتعلمات منهن، هو السعي لوزن مرتفع قليلا لا يصل لحد البدانة المفرطة، و هذا ما عبرت عنه أمامة بنت محمد وهي فتاة في السادسة و العشرين من العمر تقول أنها تستغرب لبعض الفتيات اللواتي يمارسن الرياضة من اجل الحصول على الرشاقة و تعقد أن أغلبهم يفعل ذلك بأوامر من الأطباء بعد الإفراط في السمنة و مع ذلك فهي تقر بأنها لا ترغب في بدانة مفرطة و إنما تسعى لحج متوسط يحقق لها الانسجام مع مقاييس الجمال في المجتمع الموريتاني.
و مع ذلك فمعظم النساء الموريتانيات ممن تتجاوز أعمارهن 40 سنة يحملن قناعة تامة بأن لبلوح ظاهرة صحية وضرورية كما يعتقدن أن ارتفاع نسبة العنوسة ناتج عن التخلي عن تلك الممارسة.

أساليب عنيفة
ارتبطت ظاهرة التسمين في موريتانيا ببعض الممارسات العنيفة التي تتعرض لها الفتاة المستهدفة بإشراف من والدتها أو نساء متخصصات في التسمين.
و تبدأ ممارسة عادة التسمين في سن مبكرة جدا حيث تبدأ في كثير من المناطق مع بلوغ البنت للسنة الخامسة، حيث تبدأ الأسرة بتخصيص نظام غذائي خاص لها،يعتمد أساسا على اللبن،بالنسبة لسكان البدو والريف الموريتاني،حيث يجب على البنت أن تشرب يوميا ما يقارب خمس لترات من اللبن كما أن عليها أن تضاعف كميات الطعام التي تتناولها في جميع الوجبات اليومية،إضافة إلى زيادة وجبتين جديدتين واحدة عند الضحى وأخرى في ليكزن المجموع خمس وجبات يوميا مع مضاعفة في الكم.
أما في بعض المناطق الموريتانية فيتم إعداد معدة الفتاة لتحمل كميات كبيرة من الطعام بطريقة خطيرة، حيث يقوم النساء المشرفات على التسمين بطبخ كمية كبيرة من اللحم غالبا ما تكون جدي كامل و يتم إضافة كمية كبيرة من الدهون لها و ترغم الفتاة على التهام كل تلك الكمية ولو تطلب الأمر بقاءها يوما كاملا محتجزة قرب آنية الطعام و قد يتطلب الأمر الاستعانة برجل قوي يضربها لإرغامها على المواصلة.
و تتعرض اغلب الفتيات أثناء هذه المرحلة لتقيئ شديد و غثيان لكن النساء التقليديات يعتبرن الأمر طبيعيا و متجاوزا.

انتقاد و رفض
و تتعرض هذه الممارسة في موريتانيا إلى نقد كبير حيث يعتبرها الكثيرون انتهاكا لحقوق الأطفال و الإنسان بشكل عام و يطالبون بإيقافها.
كما يرفضها أغلب الشابات الموريتانيات من سكان المدن و قد صرحت إحداهن لإيلاف بأنها شاهدت تعرض طفلة للوفاة أثناء هذه الممارسة في إحدى قرى الريف الموريتاني.
و في ظل تزايد الانتقادات الموجهة لظاهرة التسمين الإجباري إضافة إلى تراجع الثروة الحيوانية التي كانت تزود الأسر الموريتانية بكميات كبيرة من الألبان، فان الظاهرة تشهد انحسارا حيث أصبحت موسمية تمارس أساسا في فترة الخريف حيث تكثر الألبان في الريف الموريتاني.
أما في المدن فتكاد تلك الممارسات العنيفة تنعدم و إن كان اغلب الفتيات الموريتاني يسعين بأنفسهن لزيادة أوزانهن مما قد يضطرهن لاستخدام مستحضرات طبية يحتوي أغلبها على أضرار جانبية خطيرة.