مشاهد من معركة الكرة والكتاب المحسومة سلفاً
مصر تشحذ طاقاتها لنجاح بطولة الأمم الأفريقية
القوات المسلحة المصرية كشأنها تصدت للحدث الضخم فراحت تدرب آلافاً من رجالها على الاستعراضات التي شهدها حفل الافتتاح، وهو ما يكفل على الأقل خروج الحفل منضبطاً، لا تضربه الفوضى إذا تصدت له مؤسسات مدنية تعج بموظفين لا عمل لهم، وحين يحدث ويجدون أنفسهم أمام مهمة ما، يتحول الأمر إلى مباراة في تبادل الاتهامات والتبرير وإلقاء التهم على quot;أعداء الوطنquot;، ولهذا لم يتردد الرئيس المصري حسني مبارك لحظة في إسناد هذه المهمة للقوات المسلحة .
ولم يكن الرئيس مبارك وحده مهتماً بخروج الحدث على نحو لائق، بل تبارت كافة مؤسسات ووزارات الدولة المصرية في عرض خدماتها لنجاح البطولة، كما زار الشقيقان علاء وجمال مبارك معسكرات تدريب الفريق المصري لتشجيع اللاعبين وحثهم على بذل جهودهم لئلا يخرج الفريق الوطني من التصفيات الأولى، وتفقد البطولة رونقها، وجمهورها .
الكرة والوطنية
غير أن المثير في هذا السياق هو تزامن هذه البطولة الكروية مع حدث ثقافي سنوي هو معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي افتتح رسمياً الثلاثاء الماضي، لكن افتتاحه للجمهور بدأ الخميس، أي قبيل انطلاق البطولة بيوم واحد، إذ تبدأ الأخيرة اعتباراً من يوم الجمعة المقبل وحتى العاشر من شباط (فبراير) المقبل، وهو تقريباً نفس الموعد الذي يستغرقه معرض الكتاب، والأكثر إثارة في الأمر أن الحدثين ينطلقان من مكانين متجاورين تماماً، فأرض المعارض التي تستضيف معرض الكتاب لا تبعد إلا خطوات معدودة عن استاد القاهرة الذي يشهد افتتاح وأبرز فعاليات البطولة الأفريقية، وكلاهما يقع في أحد أهم شوارع القاهرة الذي يحمل ثلاثة أسماء وهي : شارع صلاح سالم (وهو أحد ضباط يوليو 1952)، وشارع العروبة ربما لأنه يضم عدة قصور وفيلات لأبرز الزعماء العرب الأحياء والراحلين، ثم طريق المطار لأنه يفضي إلى مطار القاهرة، وبه تقع الكلية الحربية بمبناها العتيد الذي يعود إلى زهاء قرن مضى، وفي القلب منه يقع (قصر العروبة)، وهو الأكثر استخداماً من بين القصور الرئاسية إذ يرتاده يومياً تقريباً الرئيس حسني مبارك، ويلتقي الملوك والرؤساء والوزراء في قاعاته، وحتى منزله الخاص يقع على مقربة منه بخطوات معدودة، بالإضافة لذلك فالشارع يعج بمقار حديثة وأخرى قديمة لعدة هيئات ووزارات ومؤسسات حكومية، فضلاً عن مئات الشركات الخاصة، وقليل من البنايات السكنية شاءت الأقدار أن يكون كاتب التقرير من بين سكان إحداها، وبالتالي فقد صار بوسعي أن أتابع فعاليات البطولة من شرفة المنزل، غير أن ذلك للأسف لا يعنيني، لعدم اهتمامي بالرياضة عموماً، ونفوري الذي يصل إلى حد الكراهية لكل ما له صلة بلعبة كرة القدم، وهذا بالطبع أمر يتعلق بنقص فادح في اهتماماتي، لكنه لا ينبغي أن يكون سبباً لتجاهل حدث بهذه الأهمية، فليس هناك صحافيون يحبون الحروب مثلاً، لكنهم يكونون دائماً في مواقعها لمتابعتها ونقلها .
إذن هو امتحان عسير لكن لا بأس فالمسألة ليست بهذه الصعوبة، فالبطولة الأفريقية ليست حدثاً يجري داخل قاعة مغلقة، بل هي حاضرة في كل شئ داخل مصر، فالناس ـ خاصة في شرقنا الأوسط ـ على دين أنظمتهم، والحكومة المصرية استنفرت جميع قدراتها، وشحذت كافة طاقاتها من أجل استضافة هذه البطولة، وتنظيم فعالياتها، فضلاً عن الدعاية لها التي بلغت حد الهوس كما أشرنا، فمحطات التلفزة والإذاعة التي تملكها الحكومة لا تتوقف عن بث البرامج والأخبار والمقابلات وحتى الأغنيات التي تتغزل في البطولة، وتربطها بشكل quot;كاريكاتيريquot; بحب مصر، كما لو كانت معياراً حاسماً وربما وحيداً لمدى تجذر الوطنية في وجدان الناس .
الكرة والكتاب
![]() |
بوسترات دعائية لكأس أفريقيا |
فكرة تأجيل موعد المعرض حتى تنتهي البطولة أثيرت بقوة، وبدا لأول وهلة أنها الحل الوحيد لكن سرعان ما جرى التراجع عنها، كما طرح البعض فكرة مشاركة نجوم وفنانين يحظون بجماهيرية في أنشطة المعرض كأحد quot;أسلحة المعركةquot; بين الثقافة والرياضة، إلا انه من الواضح أن هذه الفكرة لم تجد من يتحمس لها .
رئيس هيئة الكتاب التي تتولى تنظيم المعرض لا يرى أن هناك مشكلة في هذا التزامن، فمصر بلد كبير يمكن أن يستوعب حدثين كبيرين في الوقت نفسه، لاسيما أن التجاور في المكان يمكن أن يكون عاملا إيجابيا، فاستاد القاهرة ومعرض الكتاب يقعان في المنطقة نفسها، وبالتالي يمكن للجمهور الذي يجمع في ميوله بين الثقافة والرياضة أن يزور المعرض في فترتي الصباح والظهيرة ثم يتجه الى الملعب مساء أو العكس، لذلك يمكن أن يتحول هذا التزامن من عامل سلبي يثير المخاوف إلى ميزة إيجابية تنفرد بها هذه الدورة من معرض القاهرةquot;، كما يرى رئيس هيئة الكتاب .
الكرة الأفريقية
![]() |
جماهير مصرية أثناء حفل الافتتاح |
وانعقدت الجمعية التأسيسية بعد ثمانية أشهر في فندق جراند أوتيل في الخرطوم قبل يومين من المباراة الافتتاحية للدورة الأولى بين السودان ومصر التي أسفرت عن فوز الأخيرة 2-1.
وضمت الدورة الأولى منتخبا ثالثا هو أثيوبيا بينما استبعدت جنوب أفريقيا لسياسة التمييز العنصري التي كانت تنتهجها وسجلت مصر اسمها كأول دولة تحرز اللقب بفوزها على إثيوبيا في المباراة الثانية 4-صفر سجلها حينئذ اللاعب الشهير الديبة جميعها.
وتطورت سلسلة بطولات كأس الأمم الأفريقية التي حصل على لقبها أربع مرات كل من منتخب غانا ومصر من بين المنتخبات الأخرى منذ أن بدأت في الخرطوم في العام 1957 وحتى الآن، وتطورت من مجرد بطولة بسيطة بالنظر لعدد الفرق المشاركة ومدى الاهتمام بها إلى واحدة من أكبر البطولات والتي تجذب حولها عدد كبيرا من الكشافين الذي يأتون لمراقبة مواهب كروية جديدة شابة ليتم أخذها إلى أوروبا تمهيدا إلى احترافها في الأندية الأوروبية الكبيرة .
التعليقات