عولمة بنكهة السامبا!
عـلي ريـاح

علي رياح
لم يكن للفتى البرازيلي النابغة الكسندر باتو أن يحلم بكل هذه النجوم التي تتراقص من حوله كي ترصف له الطريق نحو أول انطلاقة رائعة في الكالتشيو الايطالي مع الميلان وهو يلاعب نابولي ، لو لا أن كل النجوم التي أحاطت به شعرت منذ مقدم هذا اللاعب من انترناسيونال بأنه يدّخر لعالم الكرة الساحر ما كان يدّخره يوماً لاعب من طراز مارادونا أو رونالدو أو كاكا .. فمنذ اللحظة الأولى التي وثب فيها باتو إلى الميدان حتى تكشّفت للناس ملامح نجم آخر يضاف إلى تلك الكتيبة المتوهجة التي يضمها الميلان من نجوم الكرة العالمية ومنها البرازيلية تحديدا ، بالإضافة إلى ما يضمه من أسماء محلية كبيرة !

مثل هذا الحدث الكروي الذي يمكن أن تتبعه انعطافات مهمة في النجومية الكروية العالمية ، يثير في النفس سؤالاً عمّا إذا كانت العولمة التي تجتاح تركيبة العلاقات الدولية في هذه المعمورة هي التي تفضي إلى هذا الاتساع لمعنى الكرة في قلوب الناس ، أم أن الساحرة المستديرة هي التي سبقت أي ميدان حياتي آخر فأوجدت عولمتها الذاتية بلغتها الرياضية المبسطة حتى قبل أن تنال (العولمة) هذه التسمية التي نتناولها الآن .. والكثيرون يميلون إلى الشق الثاني من الإجابة وأنا منهم ، فلقد عرفت الكرة الاحتراف ، وعرفت انتشار النجوم في مشارق الأرض ومغاربها حتى قبل أن تتبلور المفاهيم الأخرى التي تتحدث عن النسيج العالمي الواحد الذي يكمل بعضه بعضا ..

لكن العولمة في الكرة ما زالت تقوم على أساس الاختلاف الجوهري في وظيفة كل طرف ، فلقد تخصصت أميركا اللاتينية في توريد النجوم ، فيما استرخت أوروبا لهذه الظاهرة وراحت تحقق الفائدة القصوى من النجوم الصغار والكبار على حد سواء من دون أن يكون لها الدور المماثل في تصدير نجومها إلى ساحة أو قارة أخرى إلا في حالات محدودة .. وهذا ـ بالطبع ـ يعود إلى غنى الموارد البشرية وشح الموارد المالية لدى أميركا اللاتينية ، وما يقابله من توافر السيولة لدى الأوروبيين وعلى النحو الذي يفرض عليهم الركون إلى مواهب الغير لاستجلابها والتخصص في هذا الأمر!

تخيلوا أن إيطاليا بطلة كأس العالم الأخيرة بجدارة متناهية ، فيما أنديتها العظيمة التي يفوق عمر بعضها القرن الكامل تسلم مقادير اللعب والنجاح للغرباء .. حتى بلغ الأمر أن بطل الدوري الايطالي وهو الإنتر خاض إحدى مبارياته في الدوري في وجود عشرة لاعبين من جنسيات غير إيطالية ، أما اللاعب الوحيد الأساسي في التوليفة فكان ماركو ماتيراتزي !

حتى المباراة الأخيرة للميلان بطل أندية العالم وهو غريم الإنتر اللدود ، شهدت حضورا جارفا لجنسيات مختلفة كانت لها الغلبة والتأثير والمردود ، وهو إتجاه حاد لدى الميلان يفسره وجود ثمانية لاعبين من البرازيل وحدها في صفوفه ، وهم ديدا وايميرسون وكافو وسيرجينيو ورونالدو وكاكا وشقيقه ديغاو والفتى الصاعد الموهوب باتو ذو الثمانية عشر ربيعا .. ويقال إن الفضل ـ كل الفضل ـ في وجود هذه الجالية البرازيلية المهيمنة يعود إلى نجم برازيلي سابق آخر هو ليوناردو الذي يعمل في الظل كما في الضوء ، على اجتذاب بني السامبا كي يكونوا أساسات متينة يبني الميلان عليها كل ألقه في عالم الكرة!

أما السؤال الذي في وسع كل من مرت عليه نسائم الأداء اللاتيني الإجابة عليه بكل اقتدار ، فهو : ماذا كان بوسع الميلان أو الإنتر أو أندية أوروبية كثيرة أن تفعل من دون (نعمة) هذه المواهب التي تفيض سحرا في الملاعب ، وتمسك بمشاعرنا وأحاسيسنا ، وتعيدنا على الدوام إلى أيام النجومية الحقيقية خلال أزمنة مضت؟