هـنا .. quot;إذاعةquot; الحبسي!

عـلي ريـاح
[email protected]


علي رياح
ما زالت ترن في أذني أصداء تلك النداءات المتكررة التي كان علي الحبسي يطلقها من خلال إحدى الإذاعات المحلية إلى جمهور الكرة العماني قبل خليجي 19 وأثناءها .. كان يدعو إلى كثافة جماهيرية لابد منها كي يتحقق الانجاز .. وكانت كل كلمة يطلقها تنم عن صدق شديد لا يمكن نكرانه أو استكثاره على الحارس الخليجي الأول ..

وبعد أن تكررت النداءات ، وبعد أن صار سماعها أشبه بالفقرة الثابتة التي تربط بين مادة إذاعية وأخرى ، كان لزما علي أن أسأل الحبسي ، وقد فوجئ بالفعل لسؤالي : هل عينوك رئيسا لرابطة المشجعين ، ولماذا هذا النداء الذي يوحي لنا بأنك تقرع الطبول وتحفز الناس للدخول في (موقعة) شعبية أكبر من إطارها الكروي؟!

كنت جادا تماما في سؤالي ، وكان الرجل دمثا ـ كما اعتدناه ـ وإلى الحد الذي سطر فيه إجابة لن أنساها أبدا ، قال لي : إذا كان الجمهور العماني يريد أن نأتي له باللقب ، فعليه أن يأتي أولا إلى الملعب .. لن يكون أمامنا مفر من الفوز إذا أحاطنا الجمهور من كل صوب!

يا لها من إجابة رائعة تتجلى فيها كل المعاني الإنسانية الراقية التي تتعدّى كل أسوار الملاعب .. الرجل يرى أي فرد من الشعب العماني شريكا في صناعة الانجاز ، وكان يرى فيه عضوا في الفريق ، وإذا لم يؤد الجمهور دوره ، فلن يطول عتابه للاعبين ولن يكون في وسعه حسابهم إذا أخفقوا في مهمتهم !

ما يسمو على هذا الدور ويزيد عنه ، أن الحبسي لم يكن فقط حارسا للشباك العمانية في البطولة ، إنما كان (رئيسا لرابطة المشجعين) .. وهذا الوصف ليس لي ، إنما هو لأحد الكتاب العمانيين وقد دعا الحبسي قبل البطولة إلى أداء وظيفة أخرى غير اللعب ، وهي حث الجمهور على ألا يهدأ ، وهي طريقته المعتادة التي جعلته موضع ثقة مطلقة لكل من يتخذ مكانه على المدرجات ، وذلك بصدقه ووفائه لمنتخب بلاده ، واقترابه من هذا الجمهور وهواجسه وتمنياته وأحلامه برغم أنه يلعب في بلاد الضباب!

لم أجد ما امتدح به علي الحبسي بعد البطولة ، فقد حمل حقائبه وسافر بسرعة كما علمنا ، لكني أنوه بالفعل بالدور الرائع الذي أداه في البطولة ، كلاعب محترف في أوربا لم تتغير أخلاقياته ، ولم ير في منتخب بلاده فقرة مهملة يؤديها كيفما أراد .. الرجل صاحي الضمير ، وقد كان في مسقط نجما متوهجا أثبت بالملموس أنه لم يلتفت إلى أولئك الذين قالوا عنه ذات يوم إنه في طريقه إلى الاندثار لأنه لم يلعب مع فريقه الانكليزي بولتون سوى مباراتين منذ احترافه وحتى الآن .. لكن الحبسي كان يرى في منتخب بلاده هدفا أولا وأخيرا ، مهما يكن ظهوره أو غيابه في الدوري الانكليزي ..

أتذكر هنا أن إحدى الوكالات العالمية أرسلت قبل ثمانية أشهر مادة عن الحبسي وكيف يعيش في انكلترا ، وكنت محظوظا بأن أقوم بترجمتها في قناة الجزيرة الرياضية لإعداد تقرير منها .. في تلك المادة سئل الحبسي عن أحلام يفترض أنها ميتة أو مستحيلة في بولتون ، فردّ الرجل بفصاحة يُحسد عليها : انأ هنا لأن النادي يريدني ولست أفرض نفسي عليه ، إنما يبقى منتخب بلادي هو المقياس .. هو المحك .. هو المنطلق ، ولولاه ما احترفت في النرويج ثم في انكلترا ..

سأكتفي بالإجابة الأخيرة التي صاغها الحبسي ، وسأضع أمامها تصرفات بعض محترفينا الذين باتوا يضعون اللعب للوطن في ذيل الاهتمامات .. وقد أثبتت الوقائع مدى استسهالهم اللعب للمنتخب وحرصهم على اللعب بأعصاب الناس ، تماما كما أثبتت الوقائع أية روح أخلاقية فريدة يحملها الحارس الحبسي!