قبل انطلاق نهائيات كأس أمم أفريقيا المقامة حالياً في جنوب إفريقيا أعلن مهاجم نادي كوينز بارك رينجرز عادل تاعرابت عن رفضه تمثيل منتخب المغرب بحجة أنه يريد التركيز في الوقت الحالي مع ناديه الذي يصارع من أجل البقاء في الممتاز الإنكليزي ، و قبلها بأشهر أعلن مهاجم نادي بارما إسحاق بلفوضيل عن موافقته اللعب للمنتخب الجزائري لكن ذلك لن يكون إلا بعد انتهاء كأس أفريقيا ، كما رفض مهاجم نادي توتنهام هوتسبورز ايمانويل اديبايور الامتثال لاستدعاء مدرب منتخب بلاده التوغو و كان أقرب إلى الغياب عن كأس أفريقيا منه إلى المشاركة لولا تدخل رئيس التوغو شخصيا لإقناعه بالانضمام إلى التوغو .
ديدا ميلود - إيلاف : هذه ليست سوى عينات قليلة من ظاهرة خطرة تعرفها القارة السمراء عشية انطلاق عرسها الكروي أبطالها اللاعبون الأفارقة المحترفون في أوروبا ، حيث يرفض الكثير منهم تلبية نداء منتخبات بلدانهم للدفاع عن ألوانها ، وآخرون يماطلون و لا يحضرون إلا لتأدية الواجب ويستعجلون عودتهم إلى أوروبا. وهو ما جعل الأوساط الرياضية خاصة الإعلام و الجماهير تشكك في ولاء هؤلاء: هل هو لمنتخباتهم الوطنية أم لأنديتهم الأوروبية؟ خاصة أنه لم يحدث أن رفض لاعب محلي الانضمام إلى المنتخب في هذه البطولة.
ورغم أن هذه المسألة ليست جديدة بحكم أن دورات سابقة عرفت نماذج منها لعل أبرزها رفض صاحب الكعب الذهبي رابح ماجر المشاركة في نهائيات المغرب عام 1988 رغم أن اسمه ورد في لائحة الـ 22 آنذاك عندما كان ينشط مع نادي فالنسيا ، فرغم قدمها إلا أن الحديث عنها يتجدد و يشتد مع انطلاق كل دورة ويخفت بمجرد أن تنتهي و حتى أولئك اللاعبين الذين رفضوا تمثيل المنتخب يتم العفو عنهم تحت غطاءات كثيرة و يعودون إلى التشكيل الأساسي معززين مكرمين دون حياء.
الكثير من المتابعين للموضوع يؤكدون أن ولاء اللاعب الأفريقي لمنتخبه الوطني قليل، فهو يفضل تركيز جهوده على النادي الذي يلعب له و يقرر مستقبله وفق ما يخدم مصالحه مع النادي ووفق زاوية مادية قبل أي اعتبار آخر ، فالنادي هو الذي يمنحه راتبه الشهري وهو الذي يعالجه من الإصابات التي تعترضه خلال مسيرته التي يعتبرها محدودة ومن حقه ان يؤمن مستقبله و مستقبل عائلته الاجتماعي ، و يؤكدون أن هذا الطرح حقيقي وواقعي خاصة بالنسبة إلى اللاعبين الذين لم يضمنوا تواجدهم في التشكيلات الأساسية لأنديتهم .
كما يرون أن اللاعبين الأفريقيين المحترفين في أوروبا ممن بلغوا مستوى عاليًا من الشهرة والنجومية وخاصة الذين ولدوا وترعرعوا في القارة العجوز أو من غادروا أفريقيا في أعمار مبكرة يفقدون الشعور بالروح الوطنية ويعتبرون اللعب للمنتخب في هذه البطولة القارية لن يضيف لهم أي شيء لا فنياً و لا مادياً و من الأفضل إعطاء كل جهودهم للنادي الذي فضلاً عمّا يمنحهم إيّاه من امتيازات مادية فإنه يمنحهم فرصة للتألق و إثراء سجلهم ببطولات تغنيهم عن كأس أمم أفريقيا .
و ما يزيد من تأكيد هذه المقاربة هو انه لم نسمع عن رفض لاعب أفريقي في أوروبا تمثيل منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم على مرّ السنين ، لأنها بطولة كبيرة و جميع النجوم يحلمون على الاقل بالمشاركة فيها ، و يضربون أمثلة عن هؤلاء الأفارقة الذين يصنفهم البعض في خانة الانتهازيين مثلما حدث مع المنتخب الجزائري في مشاركاته الثلاث في المونديال حيث كان الخضر يتأهلون بتشكيلة و يخوضون النهائيات بتشكيلة أخرى بعدما يتم إبعاد العناصر التي صنعت التأهل واستدعاء من يوصمون بالمحترفين رغم ان بعضهم لا يحمل من صفة الاحتراف سوى الاسم و مع ذلك يلبون النداء و تجدهم يقدمون دروساً في الوطنية و يصرّون على التقاط صور حاملي العلم الوطني .
و مقابل وجود من يصف هؤلاء اللاعبين بالانتهازيين أو حتى الخونة فإن هناك من يدافع عنهم من منطلقات عديدة ويطالبون بعدم معالجة الموضوع من زاوية واحدة بل لا بد من تدويره من مختلف الزوايا والجوانب ، فالتشكيك في وطنيته وانتمائه في نظرهم مرفوض أو على الأقل لا يجب تعميم الحكم نفسه على جميع اللاعبين ، كما يجب مراعاة ظروفهم في أوروبا فحسب وجهة نظرهم فإن اللاعب الأفريقي هناك موقفه ضعيف مع إدارة ناديه حتى في ظل وجود لوائح للاتحاد الدولي تسمح له بترك ناديه والمشاركة في البطولات التي تدخل في أجندته ، فهناك أساليب أخرى تلجأ إليها الأندية للانتقام من هؤلاء اللاعبين الذين تعتبرهم متمردين ، إذ إنهم يتعرضون لتهديد من قبل مدربيهم بإبقائهم على دكّة الاحتياط و من مسؤوليهم بفسخ عقودهم أو تحويلهم إلى الفريق الرديف ، وطبيعي جدا أن لاعباً في مقتبل العمر يخشى على مستقبله القصير من تلك التهديدات فلا يجد حلاً آخر سوى الاعتذار عن اللعب مع منتخبه طالبين العفو وتفهم موقفهم.
ويحملون جزءا من المسؤولية لاتحاداتهم الوطنية التي ظلّت تتنصّل من المسؤولية و لم تدافع عن حالات كثيرة تعرض أصحابها لجور الأندية الأوروبية ، خاصة في حال تعرضهم إلى إصابات خطرة وأفضل مثال على ذلك ما تعرض له اللاعب الجزائري بلباي قبل حوالى عشر سنوات عندما وجد نفسه تائهاً إثر إصابته مع الخضر و اضطر الجنوب الأفريقي بنديت ماكارتي إلى فسخ عقده مع ويستهام الإنكليزي والتوقيع لمواطنه اورلاندو بيراتس بسبب إصراره على تلبية نداء البافانا في الوديات الإعدادية لمونديال 2010 ، فضلاً عن ذلك فإن اللعب في أفريقيا يطرح إشكالاً لا يمكن تجاهله بالنسبة إلى اللاعبين القادمين من أوروبا ، و يتعلق بالتأمين الصحي خاصة أن نسبة تعرضهم للاعطاب الخطيرة كبيرة بسبب الخشونة الزائدة والتحكيم السيئ و أمور أخرى يمكن ان تحدث لهم ، و في هذا الصدد ربطت مصادر تماطل اللاعب الجزائري علي بن عربية في الالتحاق بالخضر عام 1999 بقضية التأمين شأنه شأن جمال بلماضي .
و يحملون بعض المسؤولية للاتحاد الأفريقي ، ذلك أن إقامة البطولة في منتصف الموسم يجعل من الصعوبة بمكان على أي لاعب الاستجابة لنداء المنتخب في وقت تقام جل البطولات القارية و الدولية في نهاية الموسم ما يسمح لجميع لاعبي العالم بالمشاركة فيها دون الدخول في متاهات مع أنديتهم و حتى في حال أصيبوا فإن فرصة علاجهم و اللحاق بالموسم الجديد تكون وفيرة ، و يرون أنه مثلما نجد ولاء فهناك أيضا وفاء ، فلا يعقل لاي لاعب أن يأتي إلى أفريقيا ليصنع أفراح بلاده ويترك ناديه يتخبط في أسفل الترتيب خاصة بالنسبة إلى بعض اللاعبين الذين يمثلون كوادر النادي وغيابهم قد يتسبب بهبوطه أو إهداره بطولة أو بطاقة قارية .
و ما يزيد الطين بلة و يضع اللاعب في حرج كبير هو إمكانية بقائه في دكة احتياط المنتخب فما الداعي وقتها لاستدعائه إذا لم يتم الاعتماد عليه وهو أمر وارد جداً ما دام أن هناك تقريباً في كل منتخب أفريقي أكثر من 11 لاعبا ينشطون في أوروبا، و أكثر من ذلك فإن هناك عدة نقاد يؤكدون أن بعض اللاعبين يلجأون الى الحيلة فيشاركون في البطولة دون أن يقدموا العطاء نفسه الذي يقدمونه مع النادي فيتفادون الإصابات و يتحاشون اتهامهم بعدم الولاء للوطن.
ووفقا لهذه المعطيات، فإن المسألة تحتاج إلى معالجة خاصة من قبل الإتحادات الإفريقية معالجة تأخذ في الاعتبار مصلحة المنتخب دون إهمال مستقبل اللاعب من خلال مراعاة ظروفه مع ناديه ومدى قدرته على تحمل الضغوط التي قد تمارس عليه ، ولا يجب مقارنة لاعب مثل يحيى توري في مانشستر سيتي مثلا مع لاعب آخر ، فتوري عندما سيعود إلى إنكلترا سيجد مكانه محجوزاً حتى لو رحل المدرب و حتى في حال قرر إبعاده فهناك أندية كثيرة مستعدة لضمه.
التعليقات