سيكون الجمعة يوما مهما في كرة القدم الألمانية بمباراة بين المتصدر بوروسيا دورتموند ومطارده المباشر بوروسيا مونشنغلادباخ، بيد أن المشاعر لن تقتصر على النتيجة، بل أيضا على وداع ركن أساسي في تاريخ الثروة الصناعية الألمانية: آخر مناجم الفحم الأسود في منطقة حوض الرور.

لن يكون عمال المناجم فقط من سيتأثرون بهذا الفصل التاريخي الذي سيطوى. بالنسبة الى رئيس دورتموند هانس-يواكيم فاتسكه "الفحم، الفولاذ، كرة القدم والجعة، لا غنى عنها هنا. هي متغلغلة في ثقافتنا ومجتمعنا".

منطقة حوض الرور الغنية بالفحم الذي شكل أساس الصناعة الألمانية منذ القرن التاسع عشر، هي أيضا "منزل" العديد من أبرز أندية كرة القدم، لاسيما دورتموند متصدر ترتيب البوندسليغا حاليا، وشالكه (اسم إحدى ضواحي مدينة غيلسنكيرشن) وصيف الموسم الماضي، إضافة الى ناديي بوخوم ودويسبرغ اللذين ينافسان حاليا في دوري الدرجة الثانية.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، نشأت في المنطقة سبعة أندية محترفة. وعلى صعيد المقارنة، لا تتفوق سوى لندن على منطقة حوض الرور، لجهة كثافة أندية كرة القدم المحلية في مساحة صغيرة نسبيا.

ويقول مدير متحف كرة القدم في دورتموند مانويل نويكرشنر لوكالة فرانس برس "من دون تاريخ التعدين هذا، لم تكن لتتوافر لنا أندية كرة القدم هذه، والتي نشأت بشكل مباشر من عالم التعدين".

- "دانكه كومبل" -

وكإشارة على التاريخ المشترك، دعا نادي شالكه الأربعاء نحو ألفين من عمال المناجم لحضور مباراته ضد ضيفه باير ليفركوزن في المرحلة السادسة عشرة من الدوري، والتي طبع خلالها الفريق على قمصان لاعبيه، اسم أحد المناجم في المنطقة.

وفي مباراة الجمعة، من المقرر أن يضع لاعبو دورتموند على قمصانهم عبارة "دانكه كومبل" (الكلمة الأولى هي "شكرا" بالألمانية، والثانية تحمل معنيين: "عامل منجم" و"صديق").

ويقول الخبير في كرة القدم المحلية هارموت هيرينغ "هذه التحيات لعالم متلاشٍ ستدخل مباشرة الى قلوب المشجعين"، مضيفا "بالنسبة الى الأندية، هذه خطوات 80 بالمئة منها تسويق و20 بالمئة عن قناعة، لكن في نهاية المطاف، الجميع سيكون فائزا".

يضيف "الأندية تدرك أن احترام التقاليد هو شرط لنيل دعم المشجعين".

لطالما شكلت كرة القدم في حوض الرور أكثر من نشاط ترفيهي يقوم به الناس في عطلة نهاية الأسبوع، بل مثلت حجر الرحى للحياة المجتمعية المشتركة التي تحتفي بمبادئ التعاضد والتضامن والتعاون، وهي خصال لا غنى عنها لعمال المناجم في ظروفهم القاسية والصعبة تحت الأرض.

وفي هذا السياق، لا يعد مستغربا اعتماد مشجعي دورتموند على نشيد نادي ليفربول الإنكليزي، "لن تسير وحيدا أبدا" للترحيب بلاعبيهم قبل المباريات.

ويوضح نويكرشنر "سكان حوض الرور لا يؤمنون بالفردية. لا يلعبون كرة القدم معا فقط، بل يعيشون كرة القدم سويا".

- لا حديث سوى المباراة -

كان شالكه أبرز أندية كرة القدم في المنطقة، وتوج بلقب الدوري الألماني ست مرات بين العامين 1934 و1942.

وبعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة قاسية لألمانيا النازية، تحولت الصناعة المحلية الى ركام، ما جعل من فحم الرور مصدرا محوريا في عملية إعادة بناء البلاد وأعوام "المعجزة الاقتصادية" الألمانية.

استقطب حوض الرور مئات آلاف النازحين من مناطق خسرها الرايخ الثالث بنتيجة الحرب وباتت تابعة لبولندا. اختلط هؤلاء بالسكان المحليين وعملوا في استخراج "الذهب الأسود"، قبل أن تنضم اليهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي يد عاملة من تركيا.

بالنسبة الى كل عمال المناجم، كانت كرة القدم من وسائل الترفيه النادرة، وساهمت في صهر مجتمعهم الجديد.&

ويقول هيرينغ "في ذاك الوقت، دعم عمال المناجم +أنديتهم+، واستخدموا الفحم للمقايضة مع كرات القدم، القمصان، الأحذية، او حتى استضافة فرق (...) أفضل اللاعبين تمتعوا بأفضلية للسماح لهم بالتدرب. في تلك السنوات الصعبة، كانت الفرق تحصل على حصص غذائية إضافية".

وفي تصريحات قبل وفاته عام 2015، قال يولي ليدورف، أحد أبرز لاعبي تلك الحقبة، "أيام الآحاد كان الجميع حاضرا في الملعب، ويوم الإثنين مع العودة الى المنجم، لم نكن نتحدث سوى عن المباراة!".

وتابع "كان محظورا علينا تقديم أداء سيئ. العائلة كلها كانت تحضر في المدرجات، والرفاق في المنجم سيتحدثون إلينا عنها (المباراة) طوال الأسبوع، وسيسألونني +يا يولي، لماذا لم تضع تلك الكرة في الشباك؟!+".

شكلت منطقة حوض الرور قلبا نابضا لأوروبا الصناعية، وتحولت الى محور كرة القدم القارية عام 1997 عندما أحرز دورتموند لقب دوري أبطال أوروبا وشالكه لقب كأس الاتحاد، بفارق أسبوع عن بعضهما البعض.

ويقول نويكرشنر "لا زلت أتأثر كلما أتحدث عن ذاك العام"، مضيفا "يومها أصبح مشجعو الناديين الغريمين إخوة وتشاركوا الصيحات نفسها +روربوت! روربوت!"، وهو الاسم الذي يعرف به حوض الرور.