يصبح كل شيء في النروج في المرتبة الثانية من حيث الأهمية خلال فترة الألعاب الأولمبية الشتوية المقامة في نسختها الـ23 في بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية، وحتى "إذا رن الهاتف خلال الأمتار الأخيرة من السباق، لا أجيب وأعاود الاتصال لاحقا" بحسب ما يؤكد أسبن الذي يشغل منصب مدير احدى المنصات على شبكة الانترنت.

النروجيون الذين يولدون متزلجين بالفطرة كما يقول المثل، يطلقون العنان لأنفسهم كل أربعة أعوام من أجل هذا الحدث الذي يبرعون فيه، وبالتالي هم يتابعون الأولمبياد الشتوي عن كثب، حتى في مكان عملهم وبمباركة أرباب العمل.

في "كاهوت"، وهي إحدى الشركات الناشئة لصناعة التطبيقات التعليمية في أوسلو، يظهر تلفزيون بشاشة مسطحة كبيرة على حائط المنطقة المشتركة وضع من أجل متابعة آخر مستجدات الـ"فايكينغ" في النسخة الثالثة والعشرين من الألعاب الشتوية التي تختتم الأحد.

في هذا اليوم، اثنان من الموظفين - كلاهما من النروج على الرغم من أن الموظفين في هذه الشركة متعددو الجنسيات بقدر الألعاب الأولمبية، يجلسان على كرسيين من أجل متابعة سباق الثنائي الشمالية للرجال.

وبسبب فارق التوقيت بين أوروبا وكوريا الجنوبية "الألعاب الأولمبية في الصباح هنا، وبالتالي بإمكانك أن تمنح نفسك بعض الاستراحات القصيرة" بحسب ما يقول أسبن ثوريسن الذي يتجاهل هاتف العمل عندما يصبح التنافس حاميا في سباقات بيونغ تشانغ.

وأضاف "تنتهي (المنافسات) بحلول الساعة الثانية بعد الظهر، وينتقل بعدها التركيز بالكامل على العمل لما تبقى من اليوم، ونقوم نتيجة ذلك بالكثير من العمل، بالإضافة الى مشاهدة الألعاب الأولمبية".

وأسبن ليس الشخص الوحيد المتسامح مع موظفيه في هذه المسألة، فقبل انطلاق الألعاب أكد قرابة ربع النروجيين أنهم يعتزمون مشاهدة الأولمبياد الشتوي في وقت العمل، وذلك وفقا لاستطلاع أجرته "نورستات" لصالح مشغل الاتصالات "غيت تي دي سي".

- الأولويات -

من بين الرجال، قال 12 بالمئة منهم أنهم سيتحدون حتى مديريهم إذا منعوا الموظفين من متابعة الألعاب خلال وقت العمل. لكن العاملين في "كاهوت" لم يضطروا الى تحدي القيمين عليهم لأنه "التقليد في النروج يقضي بجمع الأطفال في الصفوف خلال وقت الدراسة من مشاهدة بعض الأحداث الأكثر إثارة"، بحسب ما أشار المؤسس الشريك في "كاهوت" اسموند فوروسيث.

وتابع "لذا عندما تبدأ العمل، من الطبيعي أن يسمح لك بمشاهدة الألعاب الأولمبية حتى لو كنت في العمل. النروجيون جيدون في تحديد أولويات عملهم".

خلال دورة الالعاب الاولمبية الشتوية، تصبح النروج في "حالة طوارىء" وفقا لما ذكره فيغارد اينان، نائب رئيس نقابة "بارات" العمالية، مضيفا "أن تشاهد نهاية سباق التتابع، أو التزلج السريع، أو القفز على الثلج أو الانحدار، دون الرد على الهاتف هو أمر مقبول عموما".

ويشدد أن ذلك ليس له أي تأثير سلبي على عمل النروجيين لأنه "يجعل الناس سعداء، ونعلم بأن السعادة في مكان العمل تزيد من الإنتاجية".

وأرباب العمل متحمسون للألعاب بقدر موظفيهم، وهذا ما تؤكده نينا ميلسون من منظمة العمال "ان ايتش او"، بالقول "بحسب تجربتي فإن الشركات تجد حلولا جيدة وتنجح في الجمع بين الرغبة بمشاهدة الأحداث الرياضية الرئيسية والإنتاجية".

- حتى رئيسة الوزراء -

في عام 2014، تصدر رئيس بلدية أوسلو آنذاك، فابيان ستانغ، العناوين عندما اقترح بأن على العاملين الـ55000 في بلدية المدينة الامتناع عن مشاهدة ألعاب سوتشي الشتوية خلال وقت العمل، ما تسبب باحتجاجات وهو الأمر الذي دفعه الى العدول عن موقفه.

 قبل عشرين عاما، كان النروج منغمسة في الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها في ليلهامر عام 1994، لدرجة أن سارق استغل الفرصة لسرقة كنز وطني متمثل بلوحة "الصرخة" للرسام إدفارد مونش من متحف أوسلو قبل ساعات فقط من مراسم افتتاح الألعاب.

بالنسبة لرئيسة الوزراء الحالية ارنا سولبرغ التي تتابع الألعاب عن كثب عبر هاتفها والجهاز اللوحي، تعترف "بالطبع يمكن أن تعني الألعاب الأولمبية انخفاضا في الانتاجية على المدى القصير. لكن إذا حققت النروج النتائج الجيدة، الناس سيسعدون وتساعد هذه السعادة على زيادة الفعالية".

ويمكن القول أن النروج لا تحقق النتائج الجيدة وحسب، بل تقوم بعمل ممتاز لأن البلد الذي يقل عدد سكانه عن 5,3 مليون نسمة يسيطر حاليا على جدول الميداليات في بيونغ تشانغ.

وحتى إذا جمعت ميداليات الاتحاد السوفياتي وروسيا معا، وميداليات ألمانيا الشرقية والغربية وألمانيا الموحدة، تبقى النروج بين أفضل ثلاث دول في تاريخ الألعاب الأولمبية الشتوية. كما أنها موطن للرياضيين الثلاثة الأكثر تتويجا في تاريخ الألعاب وهم ماريت بيورغن (14)، أولي إينار بيورندالين (13) وبيورن دايلي (12).

فهل سيكون من الصعب العودة إلى العمل صباح يوم الاثنين بعد انتهاء الألعاب وانحسار النشوة؟. بالنسبة لألكسندر ريمين، وهو مشجع رياضي آخر في "كاهوت"، فـ"سوف نشعر بالفراغ بعض الشيء. لكن ما زلنا نشعر بالفرح لاننا حصلنا على هذا العدد الكبير من الميداليات".