كالساحر الذي أخرج الأرنب الأبيض من قبعته، عاد المدرب المخضرم يوب هاينكس الى صفوف النادي الذي "يدين" له بالكثير، بايرن ميونيخ، لينتشله من فترة نتائج متعثرة محليا وقاريا، الى لقب البوندسليغا السادس تواليا والعودة بزخم الى الساحة الأوروبية.

في أشهر قليلة، نقل هاينكس (72 عاما) الذي غزا اللون الأبيض شعره، بايرن من فترة تخبط امتدت بين بداية الموسم في آب/أغسطس وحتى إقالة سلفه الايطالي كارلو أنشيلوتي في أيلول/سبتمبر، الى ملك عائد لعرش كرة القدم الألمانية، ومقبل على تأهل جديد لنصف نهائي دوري الأبطال.

كانت المسابقة الأخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير لجهة صبر بايرن حيال أنشيلوتي. بعد الخسارة القاسية أمام باريس سان جرمان (3-صفر) في الدور الأول من المسابقة الأوروبية الأم، "طار" الايطالي الخبير من منصبه، ولم يجد بايرن سبيلا سوى "إعادة" هاينكس من تقاعده، وتوكيله في تشرين الأول/اكتوبر، مهمة إعادة ضخ الدماء في عروق البافاريين.

كيف لا وهو كان آخر من قاد بايرن الى لقب دوري الأبطال في 2013، العام الذي شهد أيضا تتويجه بثلاثية تاريخية مع الدوري والكأس المحليين.

لم تقتصر الخلطة الناجحة لهاينكس على أرض الملعب فقط. فهو لدى توليه زمام المسؤولية، وجد فريقا يحتل المركز الثاني في الدوري خلف بوروسيا دورتموند، والثاني في مجموعته بدوري الأبطال خلف سان جرمان، وأيضا لاعبين تمردوا على أنشيلوتي، وجوا غير مريح في غرف الملابس.

عشق هاينكس للنادي الأحب الى قلبه، كان السبب الوحيد الذي دفعه الى "كسر" تقاعده في غرب البلاد على بعد 650 كلم من ميونيخ، والعودة لتلبية النداء والاشراف على الجهاز الفني للنادي للمرة الرابعة في تاريخه.

ونقلت صحيفة "كيكر" الالمانية عن هاينكس قوله بعد تأكيد موافقته على العودة، ان خطوته "ليست عودة (عن الاعتزال). انها خدمة لصديق (في إشارة الى هونيس) وأقوم بها فقط لانني مدين كثيرا لبايرن".

- قبضة من حديد -

لم يكن هاينكس في حاجة الى وقت للتأقلم مع بايرن. 

هذا ناديه، ويعرف خفاياه وأسراره ومفاتيح الفوز فيه. لم تكن عودته غير مشروطة: تطلبت جهودا من إدارة النادي البافاري، لاسيما رئيسه أولي هونيس ورئيسه التنفيذي كارل هاينتس رومينيغيه، لإقناعه. شرطه أيضا كان ان يحمل معه الى النادي المعاونين الذين يثق بهم، لاسيما الطبيب التاريخي للنادي هانز-فيلهلم مولر-فولفارت الذي غادر القلعة البافارية في 2015 بعد خلاف مع المدرب السابق الاسباني جوسيب غوارديولا.

الشرط الاضافي كان أيضا ان هاينكس سيتولى المهمة حتى نهاية الموسم، وبعدها سيكون بايرن أمام مهمة البحث عن بديل. 

كان ذلك حديث الكواليس والمؤتمرات الصحافية. على الأرض، فالكلمة كانت لهاينكس وحده: تشدد في التمارين، قواعد انضباط صارمة على الجميع. قبضة هاينكس الحديدية المغلفة بقفاز من المخمل، فرضت هيمنتها على التشكيلة واللاعبين وكل من له علاقة بالنادي.

أعاد هاينكس الثقة الى النجوم الذين لم يكونوا في أفضل حال مع أنشيلوتي: توماس مولر، ماتس هوميلس، الفرنسي فرانك ريبيري...

على أرض الملعب، كانت النتائج أفضل من أجمل ما أمل به الحالمون في ميونيخ. عودة الى الصدارة، التفوق في كأس ألمانيا على لايبزيغ ودورتموند، فوز "ثأري" على سان جرمان إيابا في دوري الأبطال (3-1)، وبلوغ الدور ربع النهائي (فاز على مضيفه اشبيلية ذهابا 2-1)، والأهم حسم لقب الدوري في المرحلة 29، أي قبل ست مباريات من نهاية الموسم.

- "ثلاثية" جديدة؟ -

بعد هذا التطور، بات بايرن يتطلع الى تكرار التاريخ نفسه مع هاينكس بعد خمسة أعوام على التجربة الأخيرة: ثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال.

في وقت قصير، أعاد المدرب الذي نادرا ما يبتسم، الفرحة الى اللاعبين والنادي والمدينة. قال عنه رومينيغيه في كانون الثاني/يناير الماضي ان "كل اللاعبين يحبونه. الجو في النادي هادىء. سنكون مخطئين اذا تركناه يرحل من دون ان نقاتل" للحفاظ عليه لفترة أطول.

لكن هاينكس الذي سيبلغ الثالثة والسبعين من العمر في حزيران/يونيو المقبل، رفض التراجع عن قراره الأساسي، وأبلغ إدارة النادي ان عليها البحث عن خلف للموسم المقبل. وأكد رومينيغيه ان اسم المدرب الجديد سيعلن في نهاية نيسان/أبريل الحالي.

في مؤتمره الصحافي الأول بعد العودة، قال هاينكس انه لم يكن يريد ذلك "أبدا"، مضيفا كان ذلك واضحا، ولكن الأمر لا يتعلق بي، ولكن ببايرن ميونيخ الذي يملك الان الوقت لكي يختار بهدوء مدربا له للموسم المقبل".

وتابع "أدين أيضا بالكثير لبايرن الذي بدونه لم يكن ممكنا ان أحظى بمسيرة دولية" لاسيما مع ريال مدريد الاسباني الذي قاده للقب الأوروبي في 1998.