تحول رحيم سترلينغ تدريجا من لاعب يتعرض لانتقادات الصحافة الإنكليزية، الى مهاجم يشكل ركنا محوريا في مسعى فريقه مانشستر سيتي لرباعية تاريخية هذا الموسم، في مسار نضوج للاعب توسع نشاطه الى خارج حدود ملاعب كرة القدم.

ويدين سيتي الذي يقارع هذا الموسم على أربع جبهات، للاعبه السريع في إحراز أول ألقابه في شباط/ فبراير الماضي، اذ سجل الركلة الترجيحية الحاسمة (4-3) أمام تشلسي في نهائي كأس رابطة الأندية الإنكليزية بعد نهاية الوقتين الاصلي والإضافي بالتعادل السلبي.

ومساء الثلاثاء، يأمل المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا في أن يكون لاعب الجناح البالغ 24 عاما، على الموعد مجددا، عندما يحل ضيفا على توتنهام في ذهاب الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا في كرة القدم.

وإضافة الى لقب كأس الرابطة، ساهم سترلينغ هذا الموسم في بلوغ فريقه المباراة النهائية لمسابقة كأس إنكلترا، وصراعه المتواصل مع ليفربول للاحتفاظ بلقبه بطلا للدوري الإنكليزي الممتاز.

ومع 19 هدفا (منها 15 في الدوري الممتاز) و16 تمريرة حاسمة، يفرض سترلينغ نفسه هذا الموسم مرشحا قويا لاختياره أفضل لاعب في فريقه.

وعكس اللاعب نجاحه مع ناديه بأداء مماثل مع منتخبه بلاده، اذ سجل ستة أهداف في المباريات الأربع الأخيرة لـ "الأسود الثلاثة"، بعد صوم عن التسجيل على الصعيد الدولي استمر ثلاثة أعوام.

ويقول عنه هاري كاين، قائد المنتخب الإنكليزي ومهاجم توتنهام الذي سيتواجه ثلاث مرات في الأسبوعين المقبلين (ذهابا وإيابا في دوري الأبطال، ومباراة ضمن الدوري الإنكليزي الممتاز)، إنه لاعب "مذهل".

يتابع "هو لاعب رائع ومتواضع جدا. يريد فقط أن يعمل بجهد وأن يتطور".

- صراع مع الإعلام والهتافات -

فرض سترلينغ نفسه رقما صعبا على المستطيل الأخضر، لكن تطوره لم يقتصر على أدائه في الميدان، اذ يقود اللاعب الشاب صراعا على جبهة أخرى هي العنصرية في الملاعب، والأقلام اللاذعة للصحافة.

فاللاعب المولود في جامايكا، ارتدى قميص المنتخب الإنكليزي للمرة الأولى في سن السابعة عشرة، لكنه غالبا ما تعرض للانتقادات على خلفية أمور لا علاقة لها بأدائه الكروي لاسيما دوليا. ووجد سترلينغ نفسه مرارا تحت مقصلة الصحافة الإنكليزية التي لا ترحم، وذلك على خلفية نشاطات خاصة مثل شراء منزل لوالدته، أو السفر على متن الدرجة السياحية.

وبعدما كان عرضة لهتافات عنصرية خلال مباراة أمام تشلسي في كانون الأول/ديسمبر، وجه سترلينغ انتقادات لاذعة الى طريقة تعامل وسائل الإعلام الإنكليزية مع اللاعبين الشبان ذوي البشرة السوداء.

وكتب على مواقع التواصل "اللاعب الأسود الشاب ينظر اليه بشكل سيئ. هذا ما يغذي العنصرية والتصرف العدواني"، مضيفا "لكل الصحف التي لا تفهم لماذا يكون الناس عنصريين في هذا العصر، كل ما يمكنني أن أقوله: أعيدوا التفكير (...) وامنحوا كل اللاعبين فرصا متساوية".

وبعدما كان لاعبو المنتخب الإنكليزي ضحايا هتافات عنصرية خلال الفوز على مونتينيغرو 5-1 ضمن تصفيات كأس أوروبا 2020 في آذار/مارس الماضي، تقدم سترلينغ على أرض الملعب بعد تسجيله الهدف الخامس لمنتخب بلاده، ووقف بمواجهة مدرجات المشجعين المحليين واضعا يديه على أذنيه (في إشارة لسماع الهتافات).

كما دعا بعد المباراة الى إنزال أشد العقوبات بحق مطلقي الهتافات.

ورأى مدرب منتخب إنكلترا غاريث ساوثغايت أن لاعبه الشاب "يمر بمرحلة من الثقة الكبيرة، ليس فقط على أرض الملعب، ولكن خارجه أيضاً حيث يتمتع بنضج كبير ومرتاح مع نفسه".

وتابع "لا يمكننا أن نخفي حقيقة انه عانى من لحظات صعبة مع إنكلترا، ولكنه نجح في قلب الأمور رأس على عقب".

ولا يخفى أن غوارديولا أدى دورا مهما في تبدل أحوال سترلينغ، بعدما دفعت انتقادات الصحافة اللاعب الى إطلاق صفة "المغضوب عليه" على نفسه خلال كأس أوروبا 2016 التي انتهت بخسارة إنكليزية مفاجئة أمام إيسلندا بنتيجة 1-2 في الدور ثمن النهائي.

تولى غوارديولا مهامه في سيتي في صيف العام نفسه، وكان من أولى الخطوات التي أقدم عليها، قوله لسترلينغ "سأقاتل من أجلك".

هذه الثقة منحت اللاعب جرعة دعم لإثبات نفسه. وعلى رغم أن غوارديولا أحبط أحيانا من أداء لاعبه في الموسمين الأوليين بسبب الإخفاقات المستمرة أمام مرمى الخصوم، لكنه بقي على ثقته بمن قال إنه "سيصبح أحد أبرز اللاعبين في العالم لأنه يمتلك كل شيء".

وحاليا، بات في إمكان غوارديولا أن يعول على لاعب يصنع الفارق في كل مباراة ويسجل الأهداف ويمرر الكرات الحاسمة، بصرف النظر عن عدد الألقاب التي سينهي بها فريقه الموسم.

وبحسب غوارديولا "عندما يعبّر أناس مثل رحيم عما يعبرون عنه، فان ذلك جيد لمستقبل مجتمعنا"، مضيفا "أعتقد إنه شخص مهم في هذا البلد (إنكلترا)، وهذا النوع من التصريحات يساعدنا في بناء مجتمع مختلف".