مايباشي: كان إرجاء أولمبياد طوكيو الى صيف 2021 بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، بمثابة ضربة قاسية للعديد من الرياضيين الذين عملوا جاهدا للوصول الى الجاهزية اللازمة من أجل خوض الألعاب هذا الصيف، لكن مصائب قوم عند قوم فوائد بالنسبة لفريق من عدائي جنوب السودان حَوَّلَ الإرجاء لصالحه.

ويتواجد أربعة عدائين ومدربهم في مدينة مايباشي، شمال العاصمة طوكيو، منذ نوفمبر من أجل الاستفادة من مرافق التدريب غير المتوفرة في بلدهم الفقير.

وبعد اتخاذ القرار التاريخي بإرجاء الألعاب الأولمبية حتى صيف 2021 بسبب فيروس "كوفيد-19" الذي أحدث فوضى عارمة في روزنامة الأحداث الرياضية حول العالم، قرر العداؤون البقاء في اليابان حتى يوليو على الأقل من أجل تعزيز قدراتهم.

وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، كان المدرب جوزف رينسيو توبيا أوميروك (59 عاما) غير منزعج على الإطلاق من قرار إرجاء الألعاب، موضحا "تم تأجيل الألعاب الاولمبية في طوكيو. ليس هناك مشكلة"، بل "أنا سعيد لأننا ما زلنا نتدرب، وفي بلدان أخرى لا يتدربون"، في إشارة منه الى العزل المنزلي المفروض على الرياضيين للحد من تفشي الفيروس. تابع "إنهم (الرياضيون الآخرون) جالسون في منازلهم، لكن هنا نحن بخير... التدريب الآن على ما يرام".

واتخذ قرار تأجيل الألعاب تحت ضغط من الرياضيين والاتحادات الرياضية على اللجنة المنظمة المحلية واللجنة الأولمبية الدولية، في ظل تأثر التصفيات المؤهلة للأولمبياد والقيود المفروضة على التدريب.

ولم يسبق أن تم تعديل أي موعد لدورة أولمبية صيفية لسبب غير الحرب العالمية. وتم إلغاء دورات 1916 (بسبب الحرب الأولى)، و1940 و1944 (بسبب الحرب الثانية). وتعد الدورات الأولمبية الصيفية أكبر حدث رياضي عالمي على الإطلاق، وتستقطب لدى إقامتها مرة كل أربعة أعوام، نحو 11 ألف رياضي، ومئات الآلاف من المشجعين على الأقل.

ادى التأجيل إلى تقلبات في جميع الجوانب التنظيمية للألعاب بما في ذلك المواقع الرياضية، الأمن، حجز التذاكر والإقامة.

وتشكل إعادة جدولة الألعاب معضلة على الصعيد التنظيمي لاسيما في ظل ازدحام جدول الأحداث الكبرى المقررة في العام المقبل، وأبرزها بطولة العالم لألعاب القوى وبطولة العالم للسباحة. لكن العديد من الاتحادات الرياضية الدولية أبدت سابقا استعدادها لتعديل جدولها أيضا.

وبعد الاعلان الأولمبي، أكد اتحاد القوى تأجيل موعد بطولته التي كانت مقررة بين 6 و15 أغسطس 2021 في مدينة يوجين الأميركية، الى العام 2022، وحدد الاربعاء موعدها الجديد بين 15 و24 يوليو. كما أعلن الاتحاد الدولي للسباحة ("فينا") انه سيبحث مع منظمي بطولة العالم المقررة في مدينة فوكووكا اليابانية بين 16 يوليو والأول من أغسطس 2021، تعديل مواعيدها.

ووفقا لصحيفة "نيكاي" اليابانية اليومية، فإن التأجيل قد يكلف 2،7 ملياري دولار بما في ذلك رسوم تأجير المواقع، والتغييرات في حجوزات الفنادق والاجور الاضافية للموظفين وأفراد الأمن، الى أمور أخرى.

لكن هذه المشاكل المالية واللوجستية لا تعني كثيرا رياضيي جنوب السودان الذين استفادوا من نجاح اليابان في تجنب التفشي الكبير للفيروس، من أجل مواصلة تمارينهم، وحتى أن حالة الطوارئ المعلنة الثلاثاء لا تنطبق إلا على بعض أجزاء البلاد ولا تشمل ولاية غونما، حيث تقع مايباشي.

وتعهدت المدينة التي يبلغ عدد سكانها 340 ألف نسمة، بمواصلة مساعدة الرياضيين الشبان من خلال تأمين السكن والوجبات والسماح لهم باستخدام المرافق، بمؤازرة جيش متطوعين إن كانوا من مدربين أو مترجمين.

أناس محبون جدا
وقررت المدينة استضافة الفريق الذي يضم المدرب، ثلاثة عدائين أولمبيين، بينهم عداءة، وآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، كجزء من جهود الترويج للسلام بين الشعوب عبر الرياضة.

وقام الرياضيون بزيارة المدارس المحلية والفعاليات المجتمعية للتحدث عن وطنهم الذي حصل على الاستقلال في عام 2011 ويكافح من أجل التعافي من حرب أهلية.

ويتفاعل الرياضيون يوميا مع الأطفال المحليين وتعلموا التحدث باللغة اليابانية البسيطة، وهم أتوا للاستمتاع بالحياة في المدينة على الرغم من كونهم على بعد أكثر من 10 آلاف كلم من موطنهم، حيث كانوا يتدربون في حقول فارغة وليس على المضمار.

وأقر أبراهام ماجوك ماتيت غويم، ابن الـ20 عاما المتخصص في سباق 1500 م، أنه "قبل وصولي الى اليابان، لم أكن أعرف نوعية الشعب الياباني. الحب الذي حصلت عليه هنا... هو أكثر مما توقعته. لذلك لم أفتقد موطني كثيرا لأني أقيم في بيئة مسالمة للغاية مع أناس محبين جدا".

وجمعت المدينة أكثر من 14 مليون ين (128 ألف دولار) من جميع أنحاء اليابان عبر خطة ضريبية خاصة، وتواصل جمع الأموال لتأمين ما مجموعه 20 مليون ين لابقاء الفريق حتى يوليو.

وسارع المسؤولون إلى طمأنة الفريق بأن بقاءه حتى يوليو على الأقل أمر مرحب به بعد أن اتخذ قرار إرجاء الأولمبياد. أكد شينيتشي هاغيوارا، المسؤول الرياضي في حكومة مدينة مايباشي، أنهم "متلهفون لمنحهم دعمنا المتواصل".

أمامي المتسع من الوقت
وسيقرر مصير هؤلاء الرياضيين بعد يوليو بالتشاور بين المدينة واللجنة الأولمبية لجنوب السودان، الحكومة اليابانية وآخرين بحسب ما أفاد هاغيوارا.

وبسبب الاستقبال الحار الذي اختبروه في هذه المدينة، أمل الرياضيون التمكن يوما من رد الجميل واستقبال مضيفيهم في وطنهم.

وقال غويم في هذا الصدد "الناس خائفون الآن من الذهاب الى جنوب السودان. لكننا نؤمن أنه في المستقبل القريب سنكون دولة يعمها السلام التام، وسيكون الجميع أحرارا في زيارتها. سنكون سعداء برؤية أناس من مايباشي هناك أيضا".

ترك غويم خلفه والدته وسبعة من أشقائه من أجل التمرن في هذه المدينة استعدادا للألعاب التي أرجئت في نهاية المطاف، لكنه أكد أن قرار التأجيل ليس أكثر من عثرة طفيفة في رحلته الأولمبية، موضحا "حلمي هو دائما، قبل اعتزال ألعاب القوى، أن أنال ميدالية أولمبية. سأستمر في التدريب وآمل أن أكون يوما ما بطلا. أمامي المتسع من الوقت".