باريس: هل بات بإمكاننا أن ننسى صورة السائق المشاغب أو كنية "ماد ماكس" التي التصقت بالسائق الهولندي ماكس فيرشتابن؟ ففي سن الـ 23 عاما يبدو أن سائق ريد بول تعلم كيف يسيطر على طباعه خارج وداخل الحلبات، إذ يظهر في عامه السادس في بطولة العالم للفورمولا واحد صورة عن شخصية أكثر عقلانية ولطافة.

لقد باتت تفصلنا سنوات ضوئية عن جائزة كندا الكبرى 2018 حين كان فيرشتابن يهدد الصحافيين بتوجيه "لكمة" إليهم في حال اصروا على توجيه إليه اسئلة تتعلق بالاخطاء التي يرتكبها على الحلبة.

بعيدا عن السائق الذي دخل بمشادة مع الفرنسي إستيبان أوكون بعدما حمله مسؤولية الاصطدام به وهو في صدارة جائزة البرازيل الكبرى قبل عامين، قبل أن يعمد إلى دفع سائق رايسينغ بوينت فورس إنديا حينها أمام الكاميرات بعد نهاية السباق.

يزخر سجل فيرشتابن بالانجازات بالرغم من مسيرته الفتيّة، فهو فاز بـ 9 سباقات وصعد إلى منصة التتويج في خلال 37 سباقا، كما إنطلق مرتين من المركز الاول في 109 جوائز كبرى خاضها حتى الآن.

مؤخرا يلاحظ الجميع التبدل الذي حصل مع "ماد ماكس"، فهو بات أكثر لطافة خلال مقابلاته مع الإعلاميين وخلال تبادل الرسائل بينه وبين فريقه أثناء السباقات، وبات يهتم باحتلال المركز الثاني بهدف حصد أكبر عدد من النقاط عندما يدرك أن المركز الأوّل بعيد المنال.

ويشرح فيرشتابن هذا التبدل بالقول "من الممكن أن تشعر بالمزيد من الاسترخاء نظرا للهيمنة المطلقة لمرسيدس. في بعض الاحيان يجب تقبّل الامور ومحاولة بذل قصارى جهدنا"، علما أن صفة الصبر لم تكن الميزة الاولى لدى سائق ريد بول.

إكتسب فيرشتابن جناته من والده يوش الذي اشتهر بدوره بكونه من السائقين صعبي المراس في "بادوك" الفورمولا واحد.

يحمل جينات والده
ويقول فيرشتابن عن طباع والده "لكان (يوش) ركلني لو فعلت ذلك" في إشارة إلى رفضه السماح لزميله في الفريق حينها الاسباني كارلوس ساينز بتجاوزه مع نهاية سباق جائزة سنغافورة الكبرى عام 2015، خلال عامه الاول في "الفئة الملكة".

ولكن بعد خمسة أعوام من هذه الحادثة، تخلى "الولد الشقي" عن سمعته السيئة ليتحول إلى القائد الاوحد لفريق ريد بول، فرد الاخير التحية له عن طريق دعمه حتى أقصى الحدود.

لم يمر هذا التحول مرور الكرام أمام أعين مدير فريق ريد بول البريطاني كريستيان هورنر إذ يقول "لقد تأثرت كثيرا عندما شاهدته يساند زميله في اللحظات الصعبة"، مضيفا "بعد التجارب التأهيلية في سيلفرستون (جائزة بريطانيا الكبرى)، بقي لمساعدة أليكس (ألبون) الذي كان لديه واجبات تجاه الرعاة. كان يدرك أن ذلك هو آخر اهتمامات أليكس، لذا اقترح أن يتشارك معه هذا العمل. هذا يبرهن عن روحية جيدة وعن وحدة، خصوصا عندما نعلم كم أن ماكس يكره هذه الامور".

وبحسب المدير البريطاني، فان اصغر سائق في تاريخ الفورمولا واحد والذي خطا خطواته الاولى في سباق استراليا 2015 مع تورو روسو في سن الـ 17 عاما و5 أشهر و15 يوما، قد نضج فعلا.

ويؤكد هورنر ما قاله سابقا "منذ انتصاره الاول في اسبانيا عام 2016 في سن الـ 18 عاما و7 أشهر و17 يوما، وفوزه الاول مع ريد بول، نضج فيرشتابن. سوف يبلغ سن الـ 23 عاما (في 30 سبتمبر الحالي)، ويبدو كهلا! لقد بات يملك خبرة أكبر، وفي الحياة أيضاً وبات يشعر أنه أفضل. وضعه جيد في الفريق، وبات واثقا من نفسه وهذا ما يظهر في شخصيته".

أعرف كيف أكون مسليا
وينهي هورنر حديثه بالتشديد على أنه يعتقد أن فيرشتابن "بات يملك إدراكا أفضل ورؤية اوسع وليس فقط مجرد أجزاء من الصورة".

يترجم فيرشتابن نضجه على الحلبات بتحقيق أفضل النتائج الممكنة في ظل هيمنة مرسيدس: اقل إندفاعا من العام الماضي حقق السائق الهولندي أفضل نتيجة في مسيرته باحتلاله للمركز الثالث في الترتيب العام النهائي للسائقين خلف سائقي مرسيدس.

بالرغم من التبدل الواضح للعيان، إلا أن فيرشتابن ما زال وفيا لبعض عاداته القديمة، غير أن اصغر فائز في احد السباقات في تاريخ "الفئة الملكة" يصر على عدم التحدث عن الامر، إذ يقول "أعتقد أننا نكبر في كل عام. نتطور ولكن نتعلم أيضاً كيفية فهم فريقنا بشكل أفضل. ولطالما كانت العلاقة بيننا جيدة".

ويتابع مع ابتسامة "بامكاني أن أتصرف بجدية، أو بطريقة مشابهة، ولكن نعم، بامكاني ان أكون مسليا".

وعلى الرغم من صعوبة مهمة أن يصبح فيرشتابن في نهاية العام الحالي اصغر سائق يتوج بطلا للعالم في تاريخ بطولة سيارات المقعد الأحادي، لينتزع هذا الشرف من سائق فيراري الحالي وريد بول السابق الالماني سيباستيان فيتل الذي توج بطلا في سن الـ 23 عاما و4 أشهر و11 يوما عام 2010، إلا انه حاليا ينجح في القيام بأصعب مهمة: "حشر" نفسه في ترتيب السائقين بين سائقي مرسيدس بطل العالم ست مرات البريطاني لويس هاميلتون والفنلندي فالتيري بوتاس!