لوزان: تعترض روسيا اعتبارا من الإثنين أمام محكمة التحكيم الرياضية "كاس" على قرار استبعادها من المشاركة في المنافسات الرياضية الكبرى لمدة أربع سنوات من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا)، في خاتمة صدام مذهل مع رائحة الحرب الباردة.

وكانت وادا قررت مطلع كانون الثاني/يناير الماضي رفع قضية استبعاد روسيا على خلفية التلاعب ببيانات المنشطات، الى محكمة التحكيم الرياضية، مطالبة بعقد جلسة استماع عامة، في مستوى أسوأ فضيحة منشطات منذ عقود.

وكان مقررا أن تعقد الجلسة في تموز/يوليو الماضي، بيد أن المحكمة قررت مطلع حزيران/يونيو الماضي "تأجيلها إلى تشرين الثاني/نوفمبر (من 2 إلى 5) في سياق أزمة فيروس كورونا المستجد"، مضيفة أن هذه الجلسة لن تكون علنية، على الرغم من مطالب وادا، وستعقد في سويسرا، في مكان لم يتم تحديده بعد.

لكن وبسبب عدم وجود اتفاق بين الأطراف، فإن القضاة الثلاثة الذين عيَّنتهم "كاس" سيبحثون هذه القضية خلف أبواب مغلقة حتى الخامس من الشهر الجاري، في مكان سري في لوزان، قبل إصدار قرارهم في تاريخ غير معلوم.

هذا الخلاف الذي لا مثيل له في تاريخ العدالة الرياضية، يكتسي أهمية للرياضيين الروس المهددين بالغياب لمدة أربع سنوات عن المسابقات الدولية، ووادا التي بذلت جهودا استقصائية غير مسبوقة، والعالم الرياضي واللجنة الأولمبية الدولية في المقام الأول، قبل ثمانية أشهر من انطلاق أولمبياد طوكيو.

وكان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ أعلن في كانون الثاني/يناير الماضي أن اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الدولية بحاجة إلى قرار محكمة التحكيم الرياضية "الذي لا يترك مجالا للتأويل".

ودعا باخ "كاس" إلى اتخاذ قرار دون غموض "لأنه إذا كان هناك مجال للتفسير، يمكن أن يكون لدى الاتحادات الدولية قراءات مختلفة وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حيرة تامة".

- رسائل زائفة -

قانونيا، أصبح الإطار أكثر وضوحا مما كان عليه قبل أولمبياد ريو في عام 2016 - حيث أوصت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات باستبعاد الرياضيين الروس وهو ما رفضته اللجنة الأولمبية الدولية -، أو قبل دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ في عام 2018، حيث برَّأت محكمة التحكيم الرياضية 28 رياضيا روسيا تم إيقافهم مدى الحياة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، مما أثار استياء الهيئات الرياضية العالمية.

يتعلق الأمر هذه المرة بالمصادقة من عدمها على مجموعة العقوبات التي اقترحتها وادا في كانون الأول/ديسمبر 2019 ورفضتها الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات (روسادا)، بسبب التلاعب ببيانات فحوص المنشطات في مختبر موسكو للفترة بين 2011 و2015.

وكان الكشف الكامل عن البيانات من مختبر موسكو شرطا رئيسيا لإعادة روسيا الى كنف العائلة الدولية من قبل "وادا" في أيلول/سبتمبر 2018 بعد حظر دام قرابة ثلاثة أعوام على خلفية الكشف عن برنامج واسع النطاق لدعم التنشط بإشراف الدولة بين العامين 2011 و2015.

واعتبرت "وادا" أن البيانات التي تم تسليمها كانت مليئة بالمشاكل، واصفة إياها بأنها "ليست كاملة أو ليس موثوقا بها تماما"، مشيرة الى أن المئات من النتائج التحليلية قد أزيلت، بينما تم حذف البيانات الأولية والملفات.

وفي حين أن بعض النتائج قد حذفت في 2016 أو 2017، بعد انكشاف فضيحة التنشط، أزيلت معلومات أخرى في كانون الأول/ديسمبر 2018 أو كانون الثاني/يناير من هذا العام، أي قبيل تسليم البيانات إلى "وادا".

وحددت وادا نوعين من التلاعب: حذف آثار نتائج إيجابية لفحوصات منشطات، ودس رسائل ملفقة وزائفة في قاعدة بيانات أساسية بين تشرين الثاني/نوفمبر 2018 وكانون الثاني/يناير 2019، وذلك في محاولة لدعم نظرية أن المدير السابق لمختبر موسكو غريغوري رودتشنكوف الذي كان خلف الشرارة الاولى للكشف عن فضيحة التنشط الممنهج، قد أدخل، واثنين من نوابه، بيانات زائفة في النظام كجزء من مؤامرة ابتزاز.

لذلك، قررت وادا المصادقة على توصية لجنة مراجعة الامتثال التابعة لها والتي لا تقتصر فقط على استبعاد روسيا عن المشاركة في الأحداث الرياضية الكبرى لمدة أربع سنوات بينها الألعاب الأولمبية الصيفية في (2020) وباريس (2024) والالعاب الأولمبية الشتوية في بكين (2022)، بل حرمانها من التنظيم على أراضيها. فقط الرياضيون الذين يثبتون عدم لجوئهم إلى المنشطات سيكونون قادرين على المشاركة تحت راية محايدة.

- ثقوب في سوتشي -

وبعيدًا عن كونها مقتصرة على مناوشات خبراء الكمبيوتر، فإن القضية تعود إلى عام 2010، وتتعلق بالأجهزة السرية ووزارة الرياضة الروسية، وأثارت التوترات بين موسكو والهيئات الرياضية التي يُنظر إليها على أنها أدوات للهيمنة الغربية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي "نحن نمنع، بوسائل غير رياضية جدا، رياضيينا من تحقيق النجاح الذي يستحقونه"، مضيفا "أنتم تعرفون ما يقوله المدربون في هذه الحالات: عندما تلعب خارج القواعد، لا يجب أن تئن بل تضرب الرؤوس بقوة أكبر من الخصم".

قبل عشر سنوات، نبَّهت عداءة المسافات المتوسطة الروسية يوليا ستيبانوفا وزوجها فيتالي، المراقب السابق في وكالة روسادا، الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات إلى تعاطي المنشطات بشكل مؤسساتي في روسيا، وانتهى بهما الأمر بالكشف عن ذلك في حديث لقناة "أيه آر دي" الألمانية والتي كان قد بثت في كانون الأول/ديسمبر 2014 سلسلة من الأفلام الوثائقية المؤلمة.

تحولت الفضيحة إلى رواية تجسس عندما اعترف رودتشنكوف الذي أجبر على الاستقالة من مختبر موسكو ولجأ إلى الولايات المتحدة، في ربيع 2016 بالتدبير ولسنوات طويلة، التستر على تنشط الرياضيين الروس بالتنسيق مع وزارة الرياضة التي كان يقودها فيتالي موتكو المقرب من بوتين.

ولتضليل مراقبي وادا في أولمبياد 2014 في سوتشي، أوضح رودتشنكوف أن التلاعب كان يحصل ليلا داخل مبنى شغله خبراء مكافحة المنشطات من جميع أنحاء العالم. كانت العينات "أ" المقرر تحليلها فورا، تمرر من ثقب بين غرفة وأخرى حيث يتواجد رودتشنكوف صاحب اليد الخفيفة. أما العينات "ب" المقرر حفظها أو فتحها في حال وجود أي نتائج مشبوهة للعينة "أ"، فكانت تستبدل من قبل عملاء جهاز الامن الفدرالي ببول "نظيف" مخزن مسبقا بحسب شهادته التي وثقت في تقرير ماكلارين ثم تقرير شميدت الذي طلبته اللجنة الاولمبية الدولية.