ليلة كل خميس، يمكن للمارة في أحد شوارع منطقة برادفورد الإنجليزية أن يسمعوا أصوات ارتطام أجساد المتصارعين بأرضية الحلبة، وسط تصفيق وتشجيع الجمهور المتوافد إلى أحد لقاءات "كنيسة المصارعة".

يجتمع جمهور وأتباع "كنيسة المصارعة" في مبنى كنيسة الينابيع وهي تابعة لأبرشية ليدز الأنجليكانية، ومنذ أبريل/ نيسان 2022 تستضيف لقاءات المصارعين التي تجمع بين الصلاة والتعليم المسيحي والرياضة.

في هذا المبنى، تتجاور، منذ أشهر، سهرات المصارعة مع مراسم التعميد، والهدف منح التوجيه لشباب المدينة، على اختلاف قناعاتهم الدينية، خصوصاً أولئك الذين يواجهون صعوبات حياتية.

فريق برنامج "وي آر انجلاند" الوثائقي، الذي تعرضه بي بي سي، توجه إلى المنطقة، لتصوير حلقة مع فريق الكنيسة.


يقول غارث "أنجل" تومسون (35 عاماً)، أنه أسس كنيسة المصارعة، لمساعدة من اضطروا لعيش طفولة صعبة، أو اختبروا ظروفاً عائلية غير مستقرة.

يتحدث لفريق بي بي سي مرتدياً قميصاً كتب عليها Pray Eat Wrestle Repeat، وتعني "صلِّ كُلْ صارع وأعد"، ويقول: "تعني كلمة مصارعة أيضاً أن المشاركين يصارعون شياطينهم الداخلية، مشاعرهم بعدم الثقة، ماضيهم، وظروفهم".

يصف غارث نفسه بأنه مسيحي، وأب، وزوج، ومصارع محترف، ويأمل بأن تساعد الرياضة الصغار، تماماً كما ساعدته حين كان طفلاً.

Gareth
BBC
أسس غارث كنيسة المصارعة عام 2021

تعرّض مؤسس الكنيسة للاعتداء الجنسي بين سن السابعة والثامنة، ونام في حاوية أحد المراكز التجارية لشهرين، بعدما طردته والدته المدمنة على الكحول من البيت.

لم يعد إلى البيت أبداً، وبقي يتنقل بين النزل إلى أن عثر على عمل.

يقول: "كان الأمران اللذان ساعداني على وضع حياتي على السكة من جديد هما المصارعة والكنيسة".

ويتابع: "الدافع خلف مدرسة التدريب هو مشاركة قصتي، واستخدام ماضيي لمساعدة الآخرين، فربما يسمع أحد المشاركين شيئاً يساعده على بدء رحلته".

Wrestling hold
BBC
من خلال حلقات التدريب يسعى غارث لمساعدة الشباب على تعزيز صحتهم النفسية

سهرات التدريب منخفضة الكلفة وتستقبل 15 مشاركاً في كل جلسة، كما نجح نشاط جمع تبرعات بحصد مبلغ 3 آلاف جنيه إسترليني لشراء حلبة مصارعة احترافية.

اعتنق غارث المسيحية منذ عشر سنوات، ويقول: "نخصص أيام الخميس للمصارعة، والسبت نقدم الطعام للمشردين، ونصلي الأحد. هناك القليل من كل شيء للجميع، وذلك رائع".

أحد الذين ساعدتهم الكنيسة، هو كريس، الذي يتابع جلسات التدريب مع أكاديمية المصارعة منذ سبعة أشهر، وقد قدم حديثاً عرض المصارعة الأول له أمام جمهور من 160 شخصاً في الكنيسة.

Emma and Cris
BBC
تقول إيما وكريس إن التجربة منحتهما الثقة بالنفس

يقول الشاب البالغ من العمر 35 عاماً: "حين كنت صغيراً في السن، تعرضت للتنمر بشكل مكثف لأنني كنت غريب الأطوار".

ويتابع: "عانيت من اكتئاب شديد بين عمر 14 و22، ومررت بانتكاسات مختلفة لاحقاً. أساساً لم أتحرك لمدة خمس سنوات، وبالكاد غادرت الشقة. كان الوضع سيئاً حقاً".

اختار لشخصيته التي يؤدي بها جولات المصارعة، اسم "فخر"، مستلهماً ذلك من المشجعين الذين رفعوا علم قوس قزح في مبارياته الأولى.

يعرف كريس نفسه بأنه لاجنسي، وتعني أنه لا يشعر بأي انجذاب جنسي تجاه الآخرين، أو بدرجة منخفضة جداً من الانجذاب.

"أعتقد أن شخصيتي الخاصة بالحلبة مهمة، لأن ظهوري بطلاء الأظافر، وأربطة قوس قزح، والرداء، يعدّ موقفاً قوياً يظهر أنني هنا من أجل الكويريين. لماذا يحط من قدر أشخاص خارجين عن المألوف فقط لأنك لا تحبهم؟ الجميع يستحقون أن يكونوا سعداء".

Cris
BBC
يرتدي كريس ألوان قوس قزح في زي شخصيته "فخر"

قسيسة كنيسة الينابيع ليندا مانسل، أجرت ست معموديات لراشدين خلال إحدى حلقات المصارعة. وتقول: التقيت بغارث قبل ثلاث سنوات، وقال لي، قد يبدو الأمر غريباً، ولكني مصارع محترف، وأعتقد أنه يمكننا استخدام ذلك".

بحسب الكنيسة الأنجليكانية فإنها تعمّد نحو 7 آلاف شخص راشد في السنة.

يقول غارث: "تأسيسي كنيسة للمصارعة ليس أمراً سريالياً، يمكن للكنيسة أن تكون أي شيء يلبي حاجات الجمهور. لم يضع المسيح نموذجاً يقول إن الكنيسة يجب أن تكون كذا وكذا".

Gareth in the ring
BBC
مؤسس الكنيسة غارث، يقول إن الصلاة والمصارعة أنقذتاه من طفولة صعبة

إيما (43 عاماً)، أو ذات النظارات الزرقاء، تعاني من آلام مزمنة تمنعها من المصارعة، ولكنها تشارك من خلال التقاط كل اللحظات المهمة خلف الكواليس، وإجراء مقابلات، كخبيرة في مواقع التواصل.

تقول: "أحصل على كل النميمة من خلف الكواليس".

تخبرنا أنها عانت من انتكاسة عام 2017، ولكن مشاركتها في أكاديمية المصارعة خلال الأشهر التسعة الماضية، أعطاها دفعة ثقة قوية.

تقول: "إن اختبرت طفولة فوضوية وصعبة مثلي، ستكون لديك صدمة في خلفيتك، وستربط بين الضجيج والصراخ والعنف ورؤية رجال يرمون بعضهم في الهواء، والخطر وعدم الأمان. المصارعة خطرة، ولكنها تحدث في بيئة موزونة وخاضعة للسيطرة".

Blue Glasses Girl
BBC
إيما أو ذات النظارات الزرقاء تتولى اجراء مقابلات في كواليس حلبات المصارعة

تتابع: "من الجيد بالنسبة لي أن أرى رجالاً يتصارعون من دون عدوانية أو عنف، أستطيع أن أرى صحتهم النفسية تتحسن. من الجميل مراقبة تجربة مماثلة. غارث يجعلني أشعر كأنني جزء من الفريق. أخرج من هنا وأشعر أنني أغنى روحياً، وأشعر بشعور جيد تجاه نفسي، وأستطيع أن أعبر عن الجانب الإبداعي لدي، ما يعطيني شعوراً بأني على قيد الحياة

من جهته، يضيف غارث: "ما يثيرني حقاً، أنه لدينا هذه الجماعة التي تتحلق لدعم بعضهم البعض في شؤونها الحياتية، مهما كانت الصعوبات، وذلك رائع".

Audience at the wrestling church
BBC
يستقبل مبنى كنيسة الينابيع جمهور المصارعة كل خميس