نجلاء عبد ربه من غزة: حوّل الوضع الاقتصادي المتردي في الأراضي الفلسطينية، بوصلة الشباب نحو التفكير بفتاة موظفة للزواج، كهدف أساسي، لتساعدهم على المعيشة، في ظل الغلاء الفاحش الذي صاحب الحياة في قطاع غزة تحديداً، بالتزامن مع تفشي ظاهرة البطالة لدى الخريجين وغيرهم من شرائح المجتمع.

كمال عمار، شاب وسيم يبلغ من عمرة السادسة والثلاثين عاماً.. عصفت به رياح الحياة في غزة يميناً وشمالاً، حتى ذهب شبابه دون أن يجد عملاً هنا أو هناك.. لكنه، وتحت ضغط أهله، قرر الزواج التقليدي بحسب عادات الفلسطينيين، لكن الغريب، بحسب قوله، إن والدته أعجبت بفتاة موظفة، على اعتبار أنها ستسنده بعد الزواج.

وأصبح كمال عمار، كما قال لإيلاف quot;واقع بين فك البطالة التي أعاني منها، وكماشة فتاة موظفة، لكنها ليست بالقدر المطلوب من الجمال.. إلا أن الجميع هنا يحسدونني على وظيفة تلك الفتاة التي تعمل في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين- الأونروا- وتتقاضى راتبا يصل لـ 1000 دولار شهرياًquot;. وأضاف عمار quot;جلست أفكر مليّاً بيني وبين نفسي، لكنني قررت أن أرضى بما قسمه لي ربي، وها أنا أنتظر يوم زفافي مطلع الشهر القادمquot;.

وكانت آخر الإحصائيات التي عرضها المركز الفلسطيني للإحصاء، بينت أن أعلى نسبة للبطالة كانت تتركز بين فئات الشباب المختلفة، حيث سجلت الفئة العمرية 15-24 سنة أعلى نسبة للبطالة بواقع 40.2% (30.9% في الضفة الفلسطينية و58.6% في قطاع غزة)، تليها الفئة العمرية 25-34 سنة بواقع 25.5% (18.5% في الضفة الفلسطينية و39.3% في قطاع غزة).

رواء (27عاما) من مدينة غزة، تخرجت بتقدير جيد جداً من إحدى جامعات غزة، لكنها لم تحظ بوظيفة حتى الآن. يطرق الخطاب باب بيتها, وتستقبلهم والدتها بالترحاب وكرم الضيافة(..) إلا أن أول سؤال يسألونه لها: quot;بنتكم موظفةquot;، فتبادرهم الأم إن شاء الله بتتوظف.. يتهامسون ويتمتمون ثم يستأذنون. مشهد تكرر عدة مرات داخل بيت رواء وغيرها من الفتيات، فأصابها إحباط شديد، حتى صارت لا تخرج من غرفتها أثناء قدوم الخاطبات.

وبات الزواج في الأراضي الفلسطينية، مرتبطا بعمل الفتاة أكثر من أي إعتبارات أخرى، إذا ما اعتبرن أنهن متساويات في الأخلاق، ولا شوائب نحوهن.. لكن تبقى الفتاة الموظفة في غزة أوفر حظاً في الزواج من جنسها اللاتي دون عمل.. لكن الأمر، وإن كان إيجابيا،بحسب الأخصائي الإجتماعي شاهر عبد الستار، quot;فهو أيضاً سلبي لدرجة كبيرة، خاصة وأن غالبية الفتيات في غزة لا يعملن وإن كنّ خريجات، بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة، الأمر الذي حدا بعشرات، بل مئات المؤسسات والشركات والمصانع لإغلاق أبوابهن من قلة العملquot;.

وقال عبد الستار لإيلاف quot;من الطبيعي أن يفكر أهل العريس بعروسٍ موظفة تساعد ابنهم في الحياة القاسية التي يعيشانها، خاصة في ظل إشتداد أزمة الحصار الجائر على غزة(..) لكن ما نخشاه هو أن ينقلب الأمر سلبياً في حال بداية المشاكل بين أي زوجين تزوجا بسبب وظيفة احدهما، دون أن يقتنعا ببعضهما البعضquot;.

وأضاف الأخصائي الإجتماعي quot;الأمر أصبح إشكالية ظهر خلال الظروف الصعبة التي طرأت على المجتمع الفلسطيني بعد الحصار الخانق، وتأثر بها عدد محدود من شباب المجتمع الفلسطيني من محدودي أو معدومي الدخل، وهو ما نعتبره هروبا من الواقع الاجتماعي المحيط بالسكان الفلسطينيينquot;.

وتؤكد حليمة أسعد، موظفة تزوجت قبل عام ونصف، تزوجت من شاب لا يتجاوز دخله 1000 شيكل (الدولار= 4.2 شيكلات). وقالت quot;إنه عريس والسلام(..) وممكن أتحمله أو يتحملني ونمضي بقية العمر مع بعضنا البعضquot;.

وأضافت quot;لا أنكر أن جمالي محدود، وأعترف انه وافق عليّ بسبب وظيفتي، لكن الأمر عادي جداً، ورب العالمين له حكمته في توظيفي، كي يأتيني عريس وأتزوج كما غيريquot;.

لكن في المقابل، فإن آخرين يرون أن وظيفة الفتاة ليست بالضرورة مقياساً لزواجها. وقال هؤلاء إنهم تزوجوا من فتيات لا يعملن أبداً، وبعضهم ذهب بالقول quot;إذا ما عُرضت عليها وظيفة، فلن أقبل بأن تعمل زوجتي لساعات طويلة خارج البيتquot;.

ويشير خالد (29 عاماً) أن إخوته ووالده ساعدوه في إستكمال مهر لعروس له. وقال quot;هنا في غزة نساعد بعضنا البعض، بحسب تربيتنا، فإخوتي يساعدونني في إستكمال متطلبات البيت وتجهيزه، وهذا الأمر يريح العريس بدرجة كبيرة في بداية مشوارهquot;.

وأضاف لإيلاف quot; تزوجت قبل أشهر من فتاة لا تعمل، لكنها جميله جداً في نظري وأنا مقتنع بها تماماً، إضافة إلى أنها مازالت تدرس في الجامعة، وإذا ما حصلت وظيفة في المستقبل، فلن أعارض ذلك، لكنه لن يكون من أولويات حياتي معهاquot;.