تكثر في الوقت الحالي الأغاني الَّتي تعكس عنفًا وساديَّة في التَّعاطي مع الآخر عمومًا والمرأة خصوصًا، فما هي أبعاد هذه الظاهرة، وكيف تفسَّر؟


بيروت: quot;الكف ملبَّع على خدهاquot;.. quot;خلي يندم ع السَّاعة لخلقتو إمو وإشرب من دمهquot;.. quot;طيِّر راسو عن جسموquot;.. عيِّنة من بعض كلمات الأغاني الرائجة على السَّاحة الفنِّيَّة، والَّتي تُلعب بكثرة في النوادي الليليَّة، ويتناغم على كلماتها وإيقاعها الصبايا والشَّباب بغض النظر عمَّا إذا كانوا يوافقون بوعيهم على ما تطرحه من أفكارٍ.

وجميعها كما هو ملاحظ تقدِّم جرعة من العنف، والتَّعامل مع ما قد يواجهه المرء في حياته بطريقةٍ عنيفةٍ، من خلال الضرب وإفتعال المشاكل، في وقت تجهد فيه الجمعيات الإنسانيَّة والنِّسائيَّة على مكافحة العنف بجميع أشكاله ضد الإنسان عمومًا والمرأة خصوصًا.

ففي هذه الأغاني تتجسِّد طباع الرجل العربي الَّتي كانت سائدة منذ عقود، وحرصه على شرفه والدِّفاع عنه من خلال العنف، حيث كان يرتكب الجرائم دفاعًا عن ذلك، على الرغم من أنَّ هذه الحالات مازالت موجودة في بعض المناطق النائية ولكن البعيدة عن quot;التَّقدمquot; الذي نراه في المنتديات والنوادي الليليَّة حيث تلقى هذه الأغاني الرواج بين الشَّباب (ذكورًا وإناث) المفترض أنّْ يكون مثقَّفًا، أو تجسيدًا لكبريائه حيث يرفض رفض المرأة له ويتوعَّد بتعذيبها وصولاً إلى التهديد بضربها، أو نقلاً للغيرة الَّتي ترافق علاقته بأي فتاة ومنع أي أحد من الإقتراب منها، علمًا أنَّ الفتاة المحترمة ليست بحاجة لمن يدافع عن شرفها في حال أرادت وعرفت كيفيَّة فرض إحترامها.

ويشير الدكتور روجيه بخعازي، الإختصاصي في علم النفس لـquot;إيلافquot; إلى أنَّ الإقبال على مثل هذه الأغاني ما هو إلَّا للتنفيس، نتيجة ما يعيشه الشَّباب في أيَّامنا هذه، ويرون في كلام العنف والضرب تعبيرًا ومخرجًا لما في داخلهم، فالنَّاس باتوا عنيفين نتيجة الوضع الذي يعيشونه، ويعبِّرون وينفِّسون عن ذلك من خلال الغناء.

ويضيف إلى أنَّه لا يمكن نكران وجود رغبات دفينه بعقل الإنسان، فهو في هذه الأيَّام لربما لا يستطيع ممارسة الضرب كما من قبل، لذلك يغني وينسجم مع هذه الأغنيات ليتمكَّن من ذلك ولو من خلال الغناء، ومما لا شك فيه هي تعبير عن نقص في رجولته في مكانٍ ما.

ويشير إلى أنَّ العنف ملازم لكل النَّاس، وليس فقط الرَّجل ولكن النساء تعبِّر عنه بغير طريقة، ولكن في المنطق الشَّرقي نراه ملازمًا له أكثر ومتواجدًا عنده بنسبة أكبر، نتيجة التَّربيَّة والعادات الَّتي تحكم مجتمعاتنا، لذلك نرى أنَّ هذه النوعية من الأغنيات تلاقي رواجًا عند الشَّباب وقليلاً ما نرى إمراة تغني هذه النوعيَّة، وفي حال وجودها لا بد من البحث عن من يقف وراء الأغنية، أي من كتبها، وعبَّر من خلالها عن مكنوناته الدَّاخليَّة المتَّصفة بالسَّاديَّة، خصوصًا إذا كانت ضمن غطاء جنسي للعلاقة بينه وبين المرأة

ونهايةً يقول بخعازي إلى أنَّ الأوضاع الإقتصاديَّة والفساد وquot;العصفورية المتنقلةquot; الَّتي يعيشها اللبناني يعبِّر وينفِّس عنها إمَّا بطريقةٍ عنيفةٍ أو من خلال كلمات عنيفةٍ أو جنسيَّةٍ، لأنَّه وعلى الرغم من الإنفتاح الذي نشهده والخدمات الممنوعة المتوفِّرة والمحلَّلة في الأماكن العامَّة وفي أي وقت، إلَّا أنَّ هناك كبت جنسي هائل يزرح تحته الشَّباب، والفحش الموجود هو نتيجة لهذا الكبت.

لكن لا يمكن إهمال حقيقة أنَّه ما من فساد إخلاقي أو إجتماعي في المطلق لأنَّه لطالما وجد هذا الفساد، لكن لكل جيل معطياته الخاصَّة وفي كل الميادين ومن ضمنها العلاقات بين الرَّجل والمرأة، وهذه المعطيات تتغيَّر مع الزَّمن.