سيصبح إنتاج العائلات أطفالًا بذكاء معزز وعمر طويل ومناعة ضد الأمراض أمرًا عاديًا، كشراء الهواتف الذكية تمامًا. فحظر العديل الوراثي يتطلب دولًا أشد قمعًا.

إيلاف: بفضل التقنيات الوراثية الجديدة، ربما يتغلب الإنسان على الأمراض، من خلال التعديل الوراثي. لكن، ربما يؤدي هذا الأمر أيضًا إلى إنتاج "بشر خارقين" تُحسّن خصائص معيّنة فيهم، ما يزيد من نسبة عدم المساواة في المجتمع.

المؤكد هو أن الناس سيكونون قادرين على اتخاذ قرارات بشأن حياتهم بطرائق كانت مستحيلة في الماضي. هذا ما أشار إليه جيمي ميتزل، في كتابه "اختراق داروين: الهندسة الوراثية ومستقبل الإنسانية" Hacking Darwin: Genetic Engineering and the Future of Humanity، (المؤلف من 352 صفحة، 13 دولارًا)، متحدثًا عن تجربة مدروسة من خلال التقنيات الوراثية الجديدة، وطارحًا نظرة ثاقبة إلى ما تعنيه هذه التقنيات للأفراد والمجتمع، ولسياسات القوى العظمى.

تغييرات وراثية
في حديثٍ مع "إكونوميست" البريطانية، أشار ميتزل (خدم سابقًا في مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وكان مديرًا تنفيذيًا في شركة للتكنولوجيا الحيوية) إلى أن فهمنا المتزايد كيفية عمل الجينات والبيولوجيا يفتح الباب أمامنا لاستخدام تطبيقات طبية مذهلة، مثل تسلسل الجينوم والعلاج الجيني لمكافحة أمراض السرطان، وأمراض أخرى.

يضيف ميتزل: "سيستخدم الإنسان في السنوات المقبلة تقنيات الخلايا الجذعية لزيادة عدد البويضات التي يمكن الأمهات المحتملات استخدامها في التلقيح الاصطناعي، وبالتالي تعزيز الخيارات الإنجابية. وسينشر أدوات تحرير جينات أكثر دقة من تقنية كريسبر لإجراء تغييرات وراثية على ذريتنا المستقبلية، لكن ربما يستغل الجانب المظلم للطبيعة البشرية هذه التقنيات بطريقة سلبية. لذلك، نحتاج إطارًا أخلاقيًا وثقافيًا قويًا لزيادة احتمالات أن نستخدمها بحكمة".

يرى ميتزل أن محركات الجينات لدينا يمكن أن تتلف النظم الإيكولوجية، "وهذا يعني إمكانية استخدام هذه الأدوات لتقويض هويتنا المشتركة وتماسكنا الاجتماعي. لكن، على الرغم من أن التقنيات تُعتبر جديدة، فإن القيم التي سنحتاجها غالبًا ما تكون قديمة".

نظام تنظيمي وطني
لتجنب السياحة الطبية الخطرة، يرى ميتزل أن على كل بلد أن يؤسس لنظام تنظيمي وطني متوافق مع أفضل الممارسات الدولية والقيم والتقاليد الخاصة به، "وعلينا أيضًا أن نبدأ في تطوير معايير عالمية، يمكنها في النهاية أن تدعم المعايير واللوائح الدولية المرنة، وأن تسترشد هذه الأنظمة بالقيم الأساسية بدلًا من القواعد غير المرنة، لأن ما قد يبدو الآن غير وارد، مثل الاختيار الفاعل وحتى تحرير ذريتنا المستقبلية، سيصبح طبيعيًا بمرور الوقت، لذلك نحن بحاجة ماسّة إلى التحضر لما هو آت".

بحسب ميتزل، إعطاء بعض العائلات أطفالها ذكاءً معززًا وعمرًا طويلًا ومناعًة ضد الأمراض سيصبح مع الوقت أمرًا عاديًا، كشراء الهواتف الذكية.

يختم ميتزل مقابلته قائلًا: "محاولة حظر التلاعب الجيني تتطلب بشكل متزايد وجود دول بوليسية أكثر قمعًا. ربما يختار بعض المجتمعات الليبرالية توفير مستوى أساسيًا من الوصول إلى خدمات المساعدة على الإنجاب والهندسة الوراثية للجميع، لأسباب عديدة منها: توفير نفقات الرعاية مدى الحياة للأشخاص الذين ربما يولدون بأمراض وراثية يمكن الوقاية منها".

تحسين النسل
أول من قام بصياغة نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي هو تشارلز داروين في كتابه "أصل الأنواع" الصادر في عام 1859. لم يزوّد هذا الكتاب العلماء بفكرة حول كيفية تطور الطحالب في جزر غالاباغوس فحسب، بل كيفية تطور المجتمعات الإنسانية بشكل عام.

بتطبيق مبادئ داروين للانتقاء الطبيعي على المجتمعات البشرية، قال العالم الإنكليزي فرانسيس غالتون إن التطور البشري سينحسر إذا منعت المجتمعات أضعف أعضائها من الانتقاء. صاغ غالتون كلمة "تحسين النسل" للدلالة على المساعي العلمية لزيادة نسبة الأشخاص ذوي الموهبة الوراثية أفضل من المتوسط من خلال التزاوج الانتقائي لشركاء الزواج.

في كتابه "العبقرية الوراثية" (1869)، استخدم غالتون كلمة "عبقرية" للدلالة على "القدرة التي كانت عالية بشكل استثنائي وفي وقت الولادة نفسه".

اكتسبت نظريات غالتون أهمية متزايدة على الصعيد الدولي، خصوصًا في العالم الجديد. على الرغم من أن علم تحسين النسل اكتسب في وقت لاحق دلالات شريرة، فإن أوائل من تبنوا نظريات تحسين النسل كانوا من التقدميين الأميركيين، الذين اعتقدوا أنه يمكن استخدام العلم لتوجيه السياسات الاجتماعية وإنشاء مجتمع أفضل. إعتنقوا تحسين النسل بصفته وسيلة لجعل المجتمع أفضل من طريق تعقيم من يُعتبرون "غير صالحين".

أصبحت إنديانا في عام 1907 أول ولاية أميركية تصدر قانون تحسين النسل، ما جعل التعقيم إلزاميًا لأنواع معيّنة من الأشخاص المحتجزين لدى الدولة. وسرعان ما تبعتها 30 ولاية أميركية.

قيم إيجابية
في النصف الأول من القرن العشرين، تم تعقيم ما يقرب من ستين ألف أميركي، معظمهم من المجرمين والمرضى في المؤسسات العقلية. تم الطعن في هذه القوانين مرارًا، لكن المحكمة العليا في الولايات المتحدة قضت في قرارها الشهير في قضية "باك ضد بيل" في عام 1927 بدستورية قوانين تحسين النسل.

كانت النازية وريثةً للداروينية المنحرفة. في عام 1905، تم تأسيس "جمعية التطهير العنصري" في برلين، بهدف واضح: تعزيز نقاء العرق الشمالي من خلال التعقيم والتربية الانتقائية.

خلال السنوات الأربع التالية، عقم النازيون ما يقدر بأربعمائة ألف ألماني. لكن، مجرد تعقيم الأشخاص من ذوي الإعاقة لم يكن كافيًا ليحقق النازيون أحلامهم. ففي عام 1939، شنوا عملية سرية لقتل المواليد الجدد والأطفال دون الثالثة من العمر. ثم وُسّع البرنامج بسرعة ليشمل الأطفال الأكبر سنًا، ثم البالغين الذين يعانون الإعاقات.

محتمل أن يكون هناك عنصر من عناصر تحسين النسل في القرارات التي تُتخذ اليوم بشأن مستقبل الهندسة الوراثية البشرية. يجب أن نكون حذرين ومدفوعين بقيم إيجابية، وأن نبتعد عن شبح الانتهاكات السابقة لعقوبة الإعدام، والتركيز على ما تقدمه التقنية من مساعدة للإنسان، والحفاظ على حياته.

كما يمكن الهندسة الوراثية أن تنتقل بسهولة من كونها خيارًا صحيًا أو أسلوب حياة إلى أن تصبح أمرًا ضروريًا للبقاء على قيد الحياة.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست".