يحاول البعض ربط العنف بالإسلام، ولهذا من الضروري أن نتذكر أن الإسلام تاريخيًا وثقافيًا وفكريًا كان ولا يزال أقل اعتقادًا بالعدمية من الحضارة العالمية. ركز المؤرخ الأميركي تشايس روبنسون في كتابه الذي صدر في عام 2016 بعنوان "الحضارة الإسلامية في ثلاثين شخصية" Islamic Civilization in Thirty Lives (272 صفحة، منشوات زيمس وهادسون، 21.13 دولارًا) على الجوانب المضيئة للحضارة الإسلامية، وفيه تغطية رائعة للمظاهر الإبداعية والتكنولوجية المتنوعة التي ألهمها النبي محمد من قرنه السابع في شبه الجزيرة العربية.

عمل روبنسون على عدد من أهم الكتب المرجعية عن التاريخ والثقافة الإسلامية، ويحوي هذا الكتاب على ثلاثين صورة لشخصيات إسلامية تاريخية، وهو بمثابة موجز لمعالم الإبداع الإسلامي.

الملوك والمحاربين

ذكر روبنسون في كتابه عددًا من الملوك والمحاربين في الحضارة الإسلامية، بدءًا من عهد النبي محمد وانتهاءً بالشاه إسماعيل بعد 900 سنة لاحقة، حيث بدت فنونهم القتالية ثانوية أمام الفنون الجميلة.

فالنبي محمد احتفى بقرآنه وليس بانتصاراته في المعارك فحسب، أما الخليفة مروان بن عبد الملك الذي استولى على قبرص عُرف عند المؤرخين الإسلاميين ببناء مسجد قبة الصخرة في القدس.

بالمثل، حظي محمود الغزنوي، الجهادي الذي غزا الممالك الهندوسية شمال غرب الهند، بإعجاب سكان المناطق التي غزاها لتزيينه أسوارها بالحدائق، وقد بنى تيمورلنك المنغولي أبراجًا من الجماجم، لكنه شيد أيضًا المساجد الشاهقة في سمرقند. أما السلطان العثماني محمد الثاني، فاتح القسنطينية، فكان يُلقب برجل النهضة.

شخصيات مبدعة

تشمل الشخصيات التي اختارها روبنسون أطباء، وعلماء أحياء، وخطاطين، ورسامي خرائط، ومؤرخين وشعراء من ذوي التفكير الحر، من بينها محمد الإدريسي. وعلى الرغم من أن النبي محمد كان أميًا، فقد دونت أحاديثه وعلومه في الكتب، وإحدى السور القرآنية اسمها سورة "القلم".

وبحسب التراث الإسلامي، آدم هو من صنع أول قلم، والإمام علي صهر النبي، وخليفته، صاغ مبادئ نحو اللغة العربية. وكان للنساء حضور أيضًا بصفتهن متصوفات وعالمات. فقد رأست كريمة المروزية تحت أسقف الحرم المكي حلقات القرآن الكريم لكلا الجنسين، وهذا ما دفع روبنسون إلى الاستنتاج أن العالم الإسلامي جسد عولمة قبل أوانها وعالمية ثقافية.

على سبيل المثال، يذكر روبنسون أن بغداد ازدهرت في القرن التاسع مثلما ازدهرت مانهاتن في الألفية، وقد عبر خلال تلك المرحلة حوالي 30 ألف زورق نهر دجلة. كما كانت هناك عاصمة إسلامية أخرى مثل قرطبة في إسبانيا التي عُدت أعظم مدينة أوروبية، وقدمت أبرز العقول، بمن فيهم ابن رشد الذي كان له أثر في شخصيات عدة مثل توما الأكويني الذي من دونه لربما ما كان عصر التنوير ليوجد.

نقض أسطورتين

ينقض روبنسون أسطورتين عن الإسلام: الأولى حول السلفيبن المتشددين الذين يسيطرون على الخطاب الإسلامي في القرن الحادي والشرين، معتبرين أن قدوتهم النبي محمد كمؤسس أول للإيمان الموحد.

بحسب رؤيته، الإسلام الذي قدمه النبي لم يكن متبلورًا. وفي غياب النبي المؤسس، لم يحتدم الجدل في المجتمع المسلم حول أدق تفاصيل التشريع؛ بل حول من يجب أن يحكم، وكيف يحكم.

يشير روبنسون إلى أن الحكام المسلمين الأوائل لم يروا تعارضًا بين وجود الإسلام الصحيح وشرب الخمر. وكثيرًا ما كانت المصادر لا تعطي إجابات كافية على الأسئلة الأساسية. وبعد عدة قرون تبلور الإيمان وأصبح قريبًا مما هو عليه في أيامنا هذه.

أما الأسطورة الثانية التي دحضها روبنسون فمفادها أن تشديد القبضة العقائدية أدت إلى إسلام عقائدي متشدد. وهنا يشير إلى أن أبو بكر الرازي "الكيميائي الفارسي والطبيب في القرن العاشر" كتب رسالة بعنوان "حيل المتبنيين"، يؤكد فيها تقديم العقل على الوحي، ويسخر من مدعي النبوة كدجالين وحكواتية.&

إنجازات

بحلول القرن الرابع عشر، تحول مركز الجذب الإسلامي إلى إسطنبول، وواصل البلاط الحاكم جذب أكبر علماء وفناني العالم، وبقي على حفة التقدم التكنولوجي والطبي والعسكري.&

من جهته، شيد الحاكم المغولي المرصد الفلكي في مراغة، وقد دعمت نتائجه نماذج كوبرنيكوس للكون. كما قام رشيد الدين فضل الله الهمذاني وزير أولجايتو، بحشد مجموعة من الباحثين قرب تبريز في القرن الرابع عشر، للعمل على موسوعة بحجم صناعي لتاريخ العالم سماها "مجمل الوقائع التاريخية". وعلى بعد ألفي ميل من تونس، قام ابن خلدون بصياغة تاريخ اجتماعي لدراسة ما وراء الحوادث التاريخية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "الإكونوميست".