بدأت ظاهرة "الأزياء السريعة" باجتياح المحلات التجارية، فيما انخفضت مدة تصنيع هذه الأزياء إلى النصف. تعتمد هذه الظاهرة بشكل أساس على تعزيز النزعة الاستهلاكية وخلق رغبات متجددة وموقتة لدى المستهلك، بطريقة تلائم ذوقه.

"إيلاف" من بيروت: يقبل الجميع في عالم الأزياء أن الصناعة تشهد تغيرًا سريعًا وهائلًا مع استدامة واحدة من أكبر مشكلاتها. في هذا السياق، يحدد كتاب الصحافية الأميركية دانا توماس "مدينة الأزياء: ثمن الأزياء السريعة ومستقبل الملابس" Fashionopolis: The Price of Fast Fashion and the Future of Clothes (318 صفحة، منشورات بنغوين برس، 17.78 دولارًا) التكلفة البشرية والبيئية للأزياء السريعة، ويقدم تقريرًا عن جهود أولئك الذين يحاولون جعلها أقل ضررًا.

في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت ظاهرة "الأزياء السريعة" باجتياح المحلات التجارية، وهي الظاهرة التي انخفضت فيها مدة التصنيع إلى النصف، وزاد فيها عرض نماذج جديدة من الملابس في فترة قصيرة، إذ يتم إنتاج من 50 إلى 100 تصميم أسبوعيًا، وسلسلة "زارا" الإسبانية التي تملك أكثر من 2200 متجر في 93 دولة أنموذجً لذلك.

حقائق

تعمل صناعة الملابس على إنتاج 80 مليار قطعة ملابس سنويًا. يقوم المتسوقون بشراء ما يصل إلى خمسة أضعاف من الملابس الآن مقارنة بما كان عليه الحال في عام 1980، بمتوسط 68 قطعة سنويًا. على سبيل المثال، أنتجت "زارا" أكثر من 450 مليون قطعة ملابس في عام 2018.

يرمي سكان الأرض 2.1 مليار طن من الملابس سنويًا، يُرمى الكثير منها في النفايات أو يُرسل إلى أفريقيا. وفي أكبر الأحياء الفقيرة في العالم في نيروبي، نستطيع رؤية جبال ملابس من علامات تجارية مشهورة تمتد إلى أقصى حد يمكن أن تراه العين.

تستشهد توماس في كتابها بالعديد من هذه الحقائق غير المريحة التي تحدد كيف تؤدي تجارة التجزئة عبر الإنترنت وثورة التكنولوجيا إلى استغلال البيئة والعمل والملكية الفكرية، بعيدًا عن النظرة العامة المعروفة.

ظروف قذرة

لفتت كارثة رانا بلازا في أبريل 2013، حين تسبب انهيار مجمع صناعي من ثمانية طوابق في بنغلاديش بمقتل 1138 عامل وعاملة من عمال النسيج، انتباهًا دوليًا إلى الظروف التي يعانيها عمال الملابس في جميع أنحاء آسيا لإنتاج ملابس رخيصة للمستهلكين الغربيين.

تروي توماس في كتابها تفاصيل زيارتها لبنغلاديش في العام الماضي، وتذكر أنه على الرغم من التحسينات الهائلة منذ هذه المأساة، لا تزال المصانع تستغل العمال في المباني غير الآمنة والمتهالكة وتخضعهم لظروف عمل قذرة.

يتم إنتاج خمسة مليارات زوج من الجينز الأزرق في كل عام، ويكشف بحث توماس أن قميصًا واحدًا وسروالًا من الجينز يستهلكان نحو 5 ألاف غالون من الماء. تقول: "إذا حافظ إنتاج الأزياء على وتيرته الحالية، فسوف يتجاوز الطلب على المياه إمدادات العالم بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030".

مصدر تلوث

يقدر البنك الدولي أن الموضة مسؤولة عمّا يقرب من 20 في المئة من إجمالي التلوث الصناعي سنويًا وتصدر 10 في المئة من انبعاثات الكربون في الهواء. يُضاف إلى ذلك حقائق أخرى لا تقل خطورة عما ذكرناه سابقًا، إذ يحتاج إنتاج قطعة واحدة من الملابس القطنية إلى 2700 لتر من المياه، وهي كمية يشربها الإنسان في عامين ونصف. كما يتم استهلاك 5 تريليونات لتر من المياه سنويًا في صباغ الأقمشة.

للعديد من الأسباب الأخرى، تم تصنيف صناعة الأزياء بأنها العامل الثاني الأكثر تلويثًا للبيئة بعد النفط. فزراعة القطن تستهلك وحدها ربع كمية المبيدات الحشرية الضارة المستخدمة في العالم، فضلًا عن الأصباغ السامة المستخدمة في عمليات التلوين، وتستنفذ مياه الري والتربة.

لذلك، تقول توماس: "لا يمكننا الاستمرار في التفكير بشكل خطي: ولادة منتج، واستخدام منتج، وموت منتج"، وهي حقيقة تم تسليط الضوء عليها عند إطلاق مبادرة "إجعل الموضة دائرية" في قمة كوبنهاغن في عام 2017؛ إذ أصبحت خيوط مثل إفرنو المصنوعة من القطن العضوي بنسبة 100 في المئة وملابس إيكونيل تستخدم الآن في كل شيء من ملابس الرقص إلى ملابس السباحة والبطانات.

أزياء بطيئة

في مقابل ظاهرة الأزياء السريعة، نشأت حركة الأزياء البطيئة والألبسة الخضراء، في محاولة للحد من الأضرار الناتجة عن هذا القطاع، ولا سيما في ما يتعلق باستخدام المبيدات الكيميائية على محاصيل القطن والبوليستر، والتوجه بدلًا منها إلى استخدام القطن العضوي والصوف الخالي من الكلور والبوليستر المعالج.

وفقًا لتوماس، فإن الخطوات الصغيرة، مثل إطالة عمر قطعة من كل خمسة قطع ملابس في أوروبا بنسبة 10 في المئة، يمكن أن تخفض ثلاثة ملايين طن من إنتاج ثاني أكسيد الكربون، وتوفر 150 مليون لتر من المياه، وتخلص 6.4 مليون طن من الملابس من أن تنتهي في مكب النفايات.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " أيريش تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://www.irishtimes.com/culture/books/fashionopolis-why-cheap-fast-fashion-costs-so-much-1.4075787