من منا لا يحلم بالخلود؟ هل نحن متساوون أمام الشيخوخة؟ ما دور الجينات في تقدمنا بالسن؟ وما دور البيئة؟ بعض أسئلة يجد القارئ العربي إجابات عنها في الترجمة العربية لكتاب فلورانس سولاري بالفرنسية "هل ولد من سيعمّر 200 سنة؟".

إيلاف من دبي: أصدر مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي الترجمة العربية لكتاب "هل ولد من سيعمّر 200 سنة؟" (L'homme qui vivra 200 ans est-il déjà né?) لمؤلفته الباحثة الفرنسية فلورانس سولاري (128 صفحة، منشورات لو بومبييه، 8 يورو). نقله إلى اللغة العربية الدكتور سالم أخشوم، وراجع ترجمته الدكتور فادي جابر.

يأتي هذا الكتاب التثقيفي الموجّه إلى عامّة الجمهور، استجابة لسؤالين، أحدهما أزليّ يتعلّق برغبة الإنسان الفطرية في الإفلات من براثن الموت الذي يلاحقه والارتماء في أحضان الخلود، أو على الأقلّ ربح أكثر ما يمكن من الوقت أو العمر في هذه المعركة المحسومة؛ والآخر مستقبليّ، بل آنيّ، يتعلّق بتبعات ارتفاع متوسط العمر المتوقّع للبشر وشيخوخة السكّان خاصة في أوروبا.

الشيخوخة ليست قدرًا
تعالج سولاري موضوع كتابها معالجة علمية رصينة، ترنو إلى المستقبل وترسو في أفق البيونيّة وما بعد الإنسانية في ما يشبه قصص الخيال العلميّ، في حين أنّ مبحث الشيخوخة كان قد انطلق من جذور أسطورية إغريقية ضاربة في القدم جسّمها حلم الخلود؛ حيث تمثلت أولى مراحل إخضاع ظاهرة الشيخوخة لقوانين البحث العلمي في مساءلة مفهوم الشيخوخة نفسه ومراجعة ما كان في اعتبار المسلّم به في هذا الموضوع، وهو مسألة حتميّتها وكونيّتها؛ إذ يتبيّن للقارئ أن الشيخوخة ليست قدرًا محتومًا ولا ظاهرة شاملة لكل كائن حيّ، فكم من الكائنات ما لا يرتفع احتمال موته بتقدمه في العمر ولا تدركه الشيخوخة وإن لم ينج من الموت يومًا.

تطرقت سولاري إلى أنّه تراءى للإنسان الباحث عن الخلود اقتباس هذه الخصائص الجينيّة المقاومة للشيخوخة والمطيلة للعمر من تلك الكائنات العضوية، فأقبل على دراستها واختبارها حتى يدرك سرّ طول أعمارها بتحديد الجينات أو الجين المسؤول عن طول العمر وعن الشيخوخة في كنف الصّحة والعافية، بعدما تمّ التوصل ضمن هذه المقاربة الجينية إلى أن الشيخوخة ليست إلا نتيجة لتراكم طفرات جينية.

ليس مغريًا
أشارت الكاتبة إلى أنّ التقيّد بسلوك صارم ونظام غذائي متقشّف طيلة الحياة من أجل زيادة غير مضمونة في العمر قد لا تتجاوز بضع سنوات، قد لا يكون أمرًا مغريًا، ما دفع الإنسان إلى العودة إلى الحلّ الطبّي بإنتاج جزيئات يحاكي مفعولها السريع مفعول التقشف الغذائي البطيء، وإلى الحلول البيولوجية المتمثلة في زرع البكتيريا المعوية (النبيت الجرثومي).

لكنّ الحلّ الذي يلوح من المستقبل يبدو متمثلًا في الطبّ التجديديّ الواعد بإعادة الشباب إلى الجسم من خلال إعادة إنتاج خلاياه المختصة بوساطة إعادة برمجة الحمض النووي للخلايا الجذعيّة، مما قد يسمح بإنتاج قطع غيار بشرية حسب الطلب، ومن شأن هذا الطبّ أيضًا أن يغنينا عن التدخل الجراحي بوساطة عملية نقل الدّم من كائن فتيّ إلى كائن هرم ليقتبس منه شبابه، في عملية كأنها تضفي مصداقية علميّة مّا على رواية دراكولا والمعتقدات القديمة القائلة بفوائد امتصاص الدماء في إطالة العمر.

مقاربة جديدة
لفتت سولاري إلى أنّ هذ التطورات الطبية جعلت الإنسان يعانق الخيال العلمي من جديد ليتصوّر مقاربة جديدة للشيخوخة وطول العمر تتجاوز المفهوم التقليدي للإنسان إلى كائن هجين مطوّر سيكون خليطًا من الآلة والإنسان (الإنسان البيوني أو البيوتقني) تستبدل أعضاؤه التالفة بأعضاء مخلّقة مخبريًّا كلما احتاج ذلك.

ومن الإنسان البيوني ينتقل الخيال إلى أنموذج مستقبلي آخر للبشرية، وهو صورة رمزية افتراضية خالدة، وروح خالصة محمّلة على روبوت تخلّصت تمامًا من ربقة الجسد الفاني.

كما ورأت الكاتبة في هذه المشروعات مجرد انعكاسات لهواجس البقاء التي ما فتئت تؤرق الإنسان، فإنّ شركات تجارية رأت فيها فرصة لتحقيق أرباح من خلال الترويج لفكرة حفظ الأجساد في محلول بارد لعلّ البشرية تتوصل يومًا ما إلى إعادة الروح إليها.