قبل سنوات، كان الخيال العلمي في السينما يروّج لاجتياح الروبوتات كافة مناحي الحياة، وسيطرتها على كوكب الأرض. تحقق الخيال جزئيًا الآن، فماذا لو سلبتنا الروبوتات وظائفنا؟.

"إيلاف" من بيروت: لطالما أثارت التقنيات الحديثة الذعر من استبدال العمال بالآلات. في عام 1589، شق ويليام لي طريقه إلى المحكمة الإنكليزية، على أمل الحصول على براءة اختراع لآلة حياكة اخترعها، وقد رفضت الملكة إليزابيث الأولى هذا الأمر لأنه كان سيتسبب بحرمان عمّالها من وظائفهم.

تكررت هذه المخاوف على مر القرون، من تحطيم آلات النسيج في أوائل القرن التاسع عشر، إلى تحذير الرئيس الأميركي جون كينيدي من مخاطر الأتمتة خلال حملته الرئاسية في عام 1960. في القرن الحادي والعشرين، تحوّلت المخاوف إلى الروبوتات والذكاء الاصطناعي، حيث يُعتقد أن يُستبدل 30 في المئة من العمال الأميركيين بروبوتات وأجهزة كمبيوتر.

تهديد الوظائف
بعدما كتب الدكتور دانيال ساسكيند، المحاضر في الاقتصاد في جامعة أكسفورد، حول هذا الموضوع من قبل في كتاب "مستقبل المهن"، يعود لينشر كتابه الجديد "عالم بلا عمل" A World Without Work (المكون من 307 صفحات، منشورات ميتروبوليتان، 28 دولارًا؛ ومنشورات آلن لاين، 20 يورو) ليركز على التهديد الذي يمثله التعلم الآلي للأطباء والمحامين وما شابه مع نظرة أوسع كثيرًا إلى العواقب الاقتصادية والاجتماعية للأتمتة.

في الماضي، كانت العلاقة بين الماكينة والعمالة البشرية مدفوعة بعاملين اثنين: التأثير البديل الذي تسبب في فقدان الأشخاص لوظائفهم؛ والأثر المكمِّل الذي سمح للموظفين بالقيام بعملهم بشكل أكثر إنتاجية.

يخشى ساسكيند في هذا الكتاب من أن التأثير البديل سوف يهيمن في المستقبل. لقد كان التقدم في الذكاء الاصطناعى سريعًا إلى حد أن الآلات ستكون في نهاية المطاف أفضل من الأشخاص في معظم الأنشطة، وهذا ينطبق على "الخيار الافتراضي" لأدائها. وبينما سيظل هناك عدد قليل من البشر ذوي الأجور المرتفعة في وظائفهم، سيكافح الباقي من أجل العثور على عمل غير مستقر ومرهق.

بين التفاؤل والتشاؤم
يعتقد ساسكيند أن هذا السيناريو الكارثي سيتطلب تغييرًا في التفكير السياسي. وجزء من الحل برأيه سيكون "دخلًا أساسيًا مشروطًا"، تدفعه الحكومة وتموّله ضرائب على الأثرياء. وسيتعيّن على المستفيدين في النظام تقديم بعض المساهمة في المجتمع، مثل تقديم الرعاية الاجتماعية أو تعليم الأطفال. كما ستحتاج المجتمعات أيضًا سياسة ترفيهية أكثر تماسكًا، تبعد الناس عن هواتفهم الذكية وأجهزة التلفاز الخاصة بهم.

تبدو هذه النظرة القاتمة إلى تأثير التكنولوجيا معقولة، وهي تحمل في مضمونها بعض التفاؤل. وأوضح الخبير الاقتصادي روجر بوتل في كتاب "اقتصاد الذكاء الاصطناعي: العمل، الثروة والرفاهية في عصر الروبوت"، الذي نُشر في العام الماضي، أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات سوف يحسنان الإنتاجية والنمو الاقتصادي، ويحرمان الناس من أداء المهام المملة.

أما بالنسبة إلى العمالة، فسيكون هناك دائمًا طلب على الخدمات بلمسة إنسانية، تمامًا كالرغبة في طلب وتناول الخبز الأبيض المقطّع.

المدى الطويل
أي من هذه الرؤى هو الصحيح؟.. إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، فالتاريخ الحديث لم ينصف المتفائلين ولا المتشائمين.
ارتفعت العمالة في أميركا وبريطانيا، ما يشير إلى أن التكنولوجيا لم تؤد إلى استبدال العمالة على نطاق واسع. من ناحية أخرى، كان نمو الإنتاجية مخيّبًا للآمال بشكل ثابت، ما يشير إلى أن التكنولوجيا لا تحقق الزيادات المأمولة في الازدهار.

لا شك في أن هذا السجل هو أساس هش لإجراء التنبؤات. لذلك، يقول ساسكيند بحكمة إنه على الأرجح، سيكون هناك ما يكفي من العمل للبشر ليقوموا به لفترة من الوقت. أما المشكلة فتكمن، كما يقول، في توافر الوظائف على المدى الطويل.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/books-and-arts/2020/01/23/robots-may-well-take-your-job-eventually