ثلاثة كتب لعلماء اقتصاد بارزين، تحاكي صناع السياسة، وتستكشف موضوعات ساخنة، وهي بمضمونها تحذر من مخاطر ارتكاز السياسة إلى الأفكار غير المختبرة.

"إيلاف" من بيروت: في نوفمبر 2017، توفيت الخبيرة الاقتصادية فارا شلاكمان عن عمر يناهز 108 أعوام. ركزت شلاكمان خلال حياتها على حياة النساء العاملات، وعملت على تحليل البيانات المتعلقة بالأجور والمعلومات في الرسائل والمذكرات. لم تنشر العديد من الكتب بسبب إبعادها عن تدريس الاقتصاد خلال حقبة مكارثي في خمسينيات القرن الماضي.

كتابان جديدان
عندما نتذكر شلاكمان، ندرك مدى ابتعادنا عن مثل هذه التحليلات المتكاملة للواقع الاقتصادي. أظهر الخبير الإقتصادي سيمون بومايكر في كتابه الصادر في عام 2019 بعنوان "عندما ينادي الرئيس: محادثات مع صناع السياسة الاقتصادية" When the President Calls: Conversations with Economic (المكون من 688 صفحة، منشورات أم أي تي برس، 25 دولارًا)، أن المستشارين الاقتصاديين لرؤساء الولايات المتحدة من ريتشارد نيكسون إلى دونالد ترمب، مكّنوا محافظي البنوك المركزية ومسؤولي الخزانة من تنفيذ أفكار غير مرتبطة.

أي محادثة يقيمها الرئيس مع صناع السياسة الاقتصادية؟

توازيًا، لا بد من أن نشير إلى وجود كتابين جديدين آخرين، ألّفهما خبراء حازوا جائزة نوبل في الاقتصاد، ويجسدان روح تفكير شلاكمان المتنوع: كتاب بول كروغمان بعنوان "الجدال مع الزومبي: الاقتصاد والسياسة والنضال من أجل مستقبل أفضل "Arguing with Zombies: Economics, Politics, and the Fight for a better Future (464 صفحة، منشورات دبليو دبليو نورتن، 19.39 دولارًا)؛ وكتاب "الاقتصاد الجيد في الأوقات الصعبة" Good Economics for Hard Times (المكون من 432 صفحة، منشورات فابليك أفيرز، 17.99 دولارًا) لأبهيجيت بانيرجي وإستير دوفلو.

للاقتصاد دور أساس في النضال من أجل مستقبل أفضل

منحنى لافر
في علم الاقتصاد، يوضح "منحنى لافر" وجود علاقة نظرية بين معدلات الضرائب والمستويات الناتجة من الإيرادات الحكومية، ويوضح مفهوم مرونة الدخل الخاضع للضريبة، أي تغييرات الدخل الخاضع للضريبة استجابة للتغيرات في معدل الضريبة. وهو أنموذج اقتصادي، تم اقتراحه من طرف مدرسة اقتصاد العرض، من خلال أعمال الاقتصادي الأميركي آرثر لافر.

تكشف الكتب الثلاثة التي ذكرناها آنفًا أن الأفكار التي قدمها لافر وآخرون أصبحت الآن تحت ضغط شديد، حتى من أحزاب يمين الوسط في الدول ذات الدخل المرتفع التي دعمتها في البداية. إن عقودًا من الهبوط أو الانفاق العام، والتجارة الحرة غير المقيدة، واللوائح التنظيمية الخفيفة نسبيًا على المؤسسات المالية، والضرائب المنخفضة على الشركات وكبار أصحاب العمل، لم تترجم إلى ازدهار شامل.

في الوقت عينه، إن انهيار ما كان ينظر إليه السياسيون من اليمين واليسار على أنه أفكار اقتصادية سائدة أتاح المجال أمام المزيد من النهج التقليدية اليسارية تجاه صنع السياسات. وهذا يفسر جزئيًا سبب تقديم الخبيرة الاقتصادية الإيطالية - الأميركية ماريانا مازوكاتو في كتب مثل "قيمة كل شيء" الصادر في عام 2018، حجة قوية للدولة بصفتها مُمَكِّنة في السياسة الاقتصادية التي تميّز الرفاه والاستدامة.

موضوعات ساخنة
إن الدراسات التي تستشهد بها الكتب الثلاثة تستكشف موضوعات ساخنة مثل تغير المناخ والهجرة وإمكانية استمرار النمو الاقتصادي. يقوم بانيرجي ودوفلو بتجميع الكتابات حول ما تم الاتفاق عليه وما هو مثير للجدل بطريقة يسهل الوصول إليها وغالبًا ما تكون ممتعة.

الاقتصاد الجيد باب الرفاه

من شأن الإشارة إلى عمل كيت راوورث وتيم جاكسون بشأن الآثار البيئية للنمو المستمر، وبارثا داسكوبتا عن قيمة التنوع البيولوجي، إثراء وتوحيد أفكار بانيرجي ودوفلو بشأن تأثير النمو الذي يحفز الاستهلاك على تغير المناخ، وعلى التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي.

ليست الروايات الكبرى التي تنطلق من التفكير الاقتصادي القديم هدف بانيرجي ودوفلو. يحتاج المؤلفان، مع ذلك، توضيح مقاربتهما بعبارات سردية. من جهته، يتحدث بوميكر عن رغبة الرؤساء الأميركيين في سماع نهايات سعيدة، ويشير إلى أن هاري ترومان كان يفضل الاقتصاديين من لون واحد، لأنه لم يحبذ الإصغاء إلى وجهات النظر الأخرى. يضيف أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان استثناءً؛ إذ اتخذ القرارات بعد سماع الحجج المؤيدة والمعارضة.

نظريات هامشية
للأسف، لا تتعامل الكتب الثلاثة في العمق مع التحدي الذي تواجهه الأجيال الجديدة من مستشاري السياسة الاقتصادية. وإذا استمر الباحثون ذوو الأفكار الهامشية في نشر النظريات التي لم يتم اختبارها، فإن المزيد من مخلوقات الزومبي ستغزو ممرات السلطة.

في تسعينيات القرن الماضي، انضمت الحكومات التي لها مصالح كبيرة في مجال النفط والغاز إلى جماعات الضغط القوية لصناعة الوقود الأحفوري، في البحث عن خبراء يكتشفون التأثير البشري على تغير المناخ. وكان إجماع اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المدعوم من قبل عدد كبير من الباحثين ذوي الثقل، ضروري لمنع الاختراقات السياسية.

يحتاج الاقتصاديون اليوم تنظيم مماثل في مختلف مدارس الفكر، وأن يشملوا اقتصاديات التنمية وكذلك الاقتصاد البيئي والاقتصاديات النسوية. وكما توضح هذه الكتب الثلاثة بطرقها الخاصة، فقد تم فتح مساحة لأفكار جديدة في الاقتصاد في وقت يشيع فيه عدم المساواة والانقسامات الاجتماعية والثقافية والأزمة البيئية. وهذه تعتبر فرصة لتجنب خمسين سنة أخرى من النظريات التي تستند إلى المعطيات السياسية متجاهلةً الأدلة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "نايتشر". الأصل منشور على الرابط:
https://www.nature.com/articles/d41586-020-00055-y