تنبأ الفيلسوف السلوفيني سلافوي شيشيك في كتابه "الجائحة: كوفيد-19 يهزّ العالم" أن تسيطر شيوعية جديدة على العالم ما بعد كورونا، يصفها بأنها شيوعية جديدة غير شيوعية القرن العشرين.

"إيلاف" من بيروت: لم يكد تمضي أشهر على انتشار جائحة كورونا في العالم حتى أصدر الفيلسوف السلوفيني سلافوي شيشيك كتابًا بعنوان "الجائحة: كوفيد-19 يهزّ العالم" Pandemic!: Covid-19 Shakes the World (146 صفحة، منشورات أور، 15 يورو)، يجمع فيه بين الفلسفة الماركسية والتحليل النفسي والثقافة الشعبية من سينما وموسيقى. يقدم شيشيك في الكتاب تحليلًا للموجة الاستهلاكيّة التي تزامنت مع انتشار الوباء، ويتوقّف عند بعض مفارقاته ومعانيه وعواقبه الاجتماعيّة والدوليّة والنفسيّة التي يتوصّل فيها إلى خلاصة أن شكلًا جديدًا من الشيوعية ربما يكون الحل الوحيد لمنع البشرية من الانزلاق إلى الهمجية.

ما بعد كورونا

يعود شيشيك في كتابه إلى الموضوعات التي تناولها في مناسبات عدة، مثل: ما الطرائق التي تستجيب بها الحكومات للأزمة؟ ولماذا ظهر بيرني ساندرز على حق في مسألة الرعاية الصحية الشاملة؟ لماذا يمكن أن تكون هذه فرصة لنوع جديد من السياسات الشيوعية؟.

يتوقع شيشيك أن يمتد أثر كورونا على أكثر تفاعلاتنا الأولية مع الأشخاص والأشياء الأخرى من حولنا، بما في ذلك أجسامنا حتى إلى بعد نهاية الوباء، وأن يتغير شكل العلاقة مع الفضاء العام مثل الوجود في الحدائق والجلوس على المقاعد العامة، من تجنب لاحتضان الناس أو مصافحة أيديهم، وقد نصبح أكثر حذرًا بشأن الإيماءات العفوية مثل لمس الأنف أو فرك العينين.

فكر شيوعي جديد

بينما أوقف أغلب بلدان العالم مؤسسات التعليم والعمل، وحظرت الدول السفر مع تزايد الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، وبدت أزمة الجائحة كاختبار للفلسفات المعاصرة والسائدة، يرى الفيلسوف السلوفيني بأن حالة الطوارئ ستجلب معها حالة استبدادية جديدة، حتى وإن عزّزت الروابط المجتمعية.

ويعتقد شيشيك بأن هذه الأزمة ستعطي معنى جديدًا للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل البعد عن تلك الشيوعية التاريخية، بينما ستكون الحاجة للتعاون والتضامن العالمي للتغلب على الأزمة الصحية بمثابة "اكتشاف مُبتذل" لكنه ثوري في الوقت ذاته.

ينضم شيشيك إلى مفكرين آخرين يفكرون في أن اندلاع الوباء وضع العالم أمام حقيقة حاجته إلى إعادة اختراع الشيوعية، على عكس القائلين بأن الجائحة ستُسقط النظام الصيني، فمن الأسهل على الناس، بحسب شيشيك، تخيل سقوط النظام الشيوعي في الصين أو حتى نهاية العالم على أن يتخيلوا نهاية النظام الرأسمالي، غير أنه يؤكد أن العالم لن يستمر كما كنا نعرفه ولن يعود إلى النظام الذي كان عليه قبل كورونا.

شيوعية الحرب

بعض خيوط محاججته في الكتاب تسير على هذا الشكل: "لا يكفي العزل والنجاة، فكي يمكن هذا لا بدّ من استمرار خدمات عامة أساسية في العمل، مثل الكهرباء والماء، والغذاء والطب. سنكون سريعًا في حاجة إلى لائحة بالأشخاص الذين تعافوا وباتوا، حتى بعض الوقت على الأقل، يمتلكون مناعة يمكن تعبئتها للعمل العام العاجل".

ستخلق هذه الأزمة، وفق شيشيك، شيوعية الحرب التي تتكيء على شيوعية رأسمالية، وهذا يظهر في واقعة لجوء رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى تأميم خطوط السكك الحديدية، أو تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوضع اليد على القطاع الخاص.

منظمة عالمية جديدة

ومع ذلك، فإن إيمان شيشيك الداخلي بالليبرالية يمنعه من الإشادة بزعماء الصين على تعاملهم مع الأزمة. وهو يؤيد تعليق الصحافية فيرنا يو التي صرحت قائلةً: "إذا كانت الصين تقدر حرية التعبير، فلن تكون هناك أزمة فيروس كورونا". وهذا يخفي حقيقة مزعجة: بمرور الزمن، مرجح أن تظهر الصين قوة عظمى أكثر فاعلية في التعامل مع الوباء.

عندما يستخدم شيشيك مصطلح "الشيوعية"، فهو لا يتحدث عن حالات "الطراز القديم" للقرن العشرين، بل يخبرنا عن ضرورة وجود "منظمة عالمية يمكنها السيطرة على الاقتصاد وتنظيمه وكذلك الحد من السيادة الدول القومية عند الحاجة ". ويرى بوادر ذلك في التعبئة الهائلة لموارد الدولة لدفع أجور القطاع الخاص وتأميم الخدمات والإنتاج الصناعي المباشر.

في إسرائيل، عرض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الفور المساعدة والتنسيق مع السلطات الفلسطينية لمحاربة الفيروس التاجي، لأنه، كما يقول شيشيك، "إذا تأثرت إحدى المجموعات، فإن المجموعة الأخرى ستعاني حتمًا".

في المحصلة، يرى شيشيك أن الشيوعية ستتحول مع هذا الواقع الوبائي إلى سياسة دائمة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور هنا.