في كتابه "أوبئة، أخطار حقيقية وإنذارات خاطئة"، يؤكد ديدييه راوول ضرورة الفصل بين اللقاح والمصالح السياسية، وأهمية التحقق من المعلومات العلمية، فالإنذارات الكاذبة كلفت دولًا موازنات كبيرة لاقتناء أدوية غير فاعلة، بل خطرة أحيانًا.

إيلاف من بيروت: أصدر العالم الفرنسي المثير للجدل ديدييه راوول كتابًا عنوانه "أوبئة، أخطار حقيقية وإنذارات خاطئة" Épidémies vrais dangers et fausses alertes (المؤلف من 98 صفحة، مطبوعات ميشيل لافون)، وهو وثيقة مكثفة بالمضامين والمعطيات العلمية حول تاريخ الأوبئة التي انتشرت خصوصًا في المجتمعات المعاصرة.

راوول الذي يعتبر من كبار العلماء الباحثين في علم الأوبئة والأمراض المعدية أثار جدلًا كبيرًا بدفاعه عن عقار كلوروكين كدواء لوباء كورونا، وهي المادة التي لم توافق عليها منظمة الصحة العالمية إلا للحالات الحرجة بسبب آثاره الجانبية. وعرف أيضًا بانتقاده الشديد للتدابير التي اتخذتها فرنسا، والعديد من الدول الأخرى في مكافحة هذا الفيروس، مثل طريقة الحجر الصحي التي اعتبرها منهجية بائدة تعود إلى القرون الوسطى، ويطلب القيام بفحص شامل للسكان.

فيروس عادي
بحسب تقرير نشرته "إندبندنت عربية"، الفكرة التي يدافع عنها راوول في كتابه هي أن كورونا المستجد "ليس سوى فيروس عادي من بين العديد من الفيروسات الموجودة في العالم، والتي تقدر بـ20 فيروسًا، والتي تعد نسبة الوفيات فيها مرتفعة جدًا إذا ما قورنت بنسبة وفيات كورونا، لذلك في نظره تم التهويل كثيرًا من خطورة كوفيد 19، وسلطت عليه وسائل الإعلام كثيرًا من الأضواء، من أجل توظيف الوباء لأغراض سياسية أو اقتصادية".

البحث العلمي في نظره غير مرتبط بالغايات الإنسانية النبيلة، أي بالعناية بالصحة البشرية، بل بالربح الاقتصادي أو بالأغراض السياسية، يقول: "سوق اللقاحات أسير بالكامل للقرار السياسي. لا يمكن لأي مختبر الالتزام بصنع اللقاحات ما لم يكن لديه ضمان بشرائها أو التوصية بها من قبل الدوائر الحكومية".

ففي خلال العقود الأخيرة، كانت هناك إنذارات كاذبة عدة في صدد الكثير من الفيروسات، مثل إنفلونزا الدواجن، وباء إنفلونزا H1N1، وفيروس كورونا التاجي، وسارس وإيبولا والجمرة الخبيثة والشيكونغونيا وزيكا... قيل إنها ستقتل الملايين من البشر، لكن ذلك لم يحدث، فعدد الوفيات لم يكن مؤثرًا. وتم إنفاق المليارات على العقاقير التي لم تر النور، واللقاحات التي لم تنجح.

تحكم المصالح
يستعرض راوول تاريخ الأخطاء الكبيرة في التعاطي مع الفيروسات، إلى أن يصل إلى فيروس كورونا. يقول إنه ينتمي إلى عائلة كبيرة من الفيروسات تتميز جميعها بكونها محاطة بشكل يشبه التاج.

يرى أن ظهور فيروس كورونا الصيني كما يسميه خلق هلعًا عالميًا، على الرغم من أن معدل وفياته ضعيف نسبيًا مقارنة بباقي الفيروسات. ويشيد بالتدابير الصينية التي تمكنت من محاصرته، خصوصًا مع استعمال كلوروكين؛ إذ كان من المنتظر أن يصبح هذا الفيروس أبسط التهاب تنفسي، لكن للأسف طريقة تعامل وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية معه جعلت منه موضوعًا جديدًا للأكاذيب. تحكمت مصالح المختبرات التي تنتج اللقاحات، في كل ما يقال حول هذا الفيروس، بينما تم تهميش وعزل تدخل الخبراء والباحثين.

يؤكد راوول ضرورة الفصل بين النشاط العلمي والمصالح الاقتصادية والسياسية، وأهمية التحقق من المعلومات العلمية وعدم تركها للتلاعبات الصحافية الباحثة عن الفرقعة الإعلامية. فالإنذارات الكاذبة كلفت العديد من الدول موازنات كبيرة لاقتناء أدوية تبين في ما بعد عدم فاعليتها أو حتى خطورتها على الصحة العامة.

دعوة إلى الوعي
يختم تقرير إندبندنت عربية" بأننا نقول إن في المجتمعات المعاصرة، لم يعد البحث العلمي يتحلى بالاستقامة والنزاهة الأخلاقية، فالعالم اليوم ما عاد هو ذلك الإنسان الحر الذي يبحث في موضوعاته منكبًا على العثور على حقيقة الظواهر المدروسة بكل موضوعية، كما كان الأمر في عصر النهضة.

إن الباحث ينتمي دائمًا إلى مؤسسة أكاديمية تابعة لشركة ما أو لجهاز سياسي، ما يجعل التصريح بالحقيقة خاضعًا لغايات محددة سلفًا.

لكل هذه الأسباب وغيرها علينا أن نكون حذرين، وأن نحتفظ بمسافة نقدية مما يقال وينشر، وكما قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليط: "علينا أن نحرك الكثير من التراب للعثور على القليل من الذهب"، لذلك لعل كتاب راوول، الذي يندرج ضمن العلماء غير التقليديين، واحد من الكتب التي تحثنا على ضرورة يقظة وعينا، في عصر كثرت فيه الأكاذيب والحقائق المفبركة.