إيلاف من بيروت: الإرهاب وجذوره ومنابته في تونس ظاهرة خطيرة أوهنت أركان الدولة وأربكت عملها، وفرضت منطق عنف ودموية وتخويفا عاما يعاني التونسيون تردداته وتبعاته بمستويات عدة فكرية واجتماعية وأمنية.

يقول الكاتب التونسي المقيم بباريس هادي يحمد، صاحب "كنت في الرّقّة"، إن الجماعات الإرهابية التي تتخذ الدين الإسلامي ذريعة وشماعة تعيش حالة انحدار وتراجعا بعد تجربة داعش، وأن تراجعها وقتي وظرفي ميدانيا وعسكريا بالعديد من المناطق مثل العراق وسوريا وليبيا، مع استثناء منطقة الساحل الأفريقي.

"كنت في الرقة" هو كتاب يروي فيه الكاتب التونسي الهادي يحمد قصة عضو سابق في تنظيم داعش يدعى محمد فاهم يقول إنه أحد التونسيين الجهاديين الذين انضموا إلى داعش بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وفي الكتاب، يصفُ فاهم تجربته هو وأصدقاؤه خلال مذكراته، حيث قضى معظم وقته في الرقة بسوريا ثم عادَ في وقت لاحق إلى بلده.

التنظيمات الإسلامية عائدة

يحمد يؤكد ، في حديث لـ "العين الإخبارية"، أن هذه التراجعات ليست من قبيل المراجعات الفكرية والعقائدية، وأن فكرة "الجهادية" ما زالت تتّقد جذوتها في ذهنية الشباب العربي والإسلامي لأن المنظومة الاجتماعية والثقافية والتربوية كلها تشجع عليها وترعاها. ويعتقد أننا في فترة انتقالية ما بعد داعش ستعود بعدها هذه الجماعات إلى النشاط مجددا وبأشكال أخرى كلما توفرت الظروف السياسية والجغرافيا الملائمة.

يضيف يحمد أن هزيمة التنظيمات الإرهابية مؤقتة وستعود قوية، "فالبنية الذهنية الراعية لهذه التيارات ما زالت قوية، إما في شكل جماعات إسلامية تدّعي رفع شعار السلمية والديمقراطية، وإما حتى دول تموِّل مشروع الأسلمة.

حول مدى استثمار تونس حكومات وشعبا تجارب مثل تجربة محمد الفاهم في كتابه "كنت في الرقة" للتيقظ والتوقي من تورط مزيد أبنائها في المد الظلامي، يقول الكاتب التونسي لـ"العين الإخبارية" إن ما وقع في تونس في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية لا يختلف عن تعاطي بقية الدول العربية مع الظاهرة، وإن محاصرتها أمنيا وعسكريا وإحباط المخططات والعمليات الإرهابية على أهمّيته لا يمكن أن ينهي المشكلة على المدى الطويل.

يرى أن التعاطي مع ظاهرة الإرهاب في تونس اقتصر على الجانب الأمني والعسكري، خاصة بعد عمليات باردو ومدينة بن قردان والهجوم على إحدى المنشآت السياحية في سوسة، موضحا أن تونس لم تتخلص بعد ولن تتخلص في تقديره من الخطر الإرهابي لأن الخطاب الإرهابي والعنيف ما زال قويا، يحظى بحاضنة ثقافية ودينية وحتى سياسية تسنده.

ويؤكد أن مشكلة الإرهاب تضاعف في تونس، باعتبار أن البلاد تعيش على وقع تهديد حقيقي هو عودة المئات من أبنائها الذين التحقوا ببؤر التوتر طوال السنوات الماضية.

خطاب كراهية وعنف

أما بخصوص تقييمه للسنوات العشر الأخيرة التي أدارت وتدير تونس فيها حركة النهضة الإخوانية فيشير الهادي يحمد إلى أنه لا يمكن أن يختلف اثنان حول المسؤولية السياسية لحركة النهضة الإخوانية عن تفشي خطاب الكراهية والعنف السائد في الساحة السياسية، ومسؤوليتها عن الاغتيالات السياسية التي استهدفت الشهداء شكري بالعيد ومحمد البراهمي، والعمليات التي استهدفت رجال الأمن والجيش من قبل الجماعات المسلحة التي تتركز في الجبال الغربية للبلاد.

يلاحظ يحمد أن المسؤولية السياسية للحركة الإخوانية مبنية على تحملها مسؤولية خطاب الكراهية والعنف والإقصاء السائد في تونس بتركها أنصارها يروجون له على المواقع الاجتماعية ويشجعون عليه، مؤكدا انتهاء إدارة الحركة الإخوانية للبلاد طوال السنوات العشر الماضية إلى فشل كامل في جميع الميادين تقريبا، وإلى فشل محاولاتها الخروج من ورطتها السياسية اعتمادا على سياسة "التوافق" مع حزب نداء تونس وزعيمه الراحل الباجي قايد السبسي.

الكاتب التونسي يرى أن هذا الأمر لم يُعفها من حالة الوصم العامة التي تعتبرها المسؤولة الرئيسية عن الفوضى السياسية وشبه الإفلاس الاقتصادي والإحباط النفسي العام السائد في البلاد، مضيفا أنها لم تكتف سياسيا بإنتاج فشلها بل فرّخت تنظيما آخر أكثر تشدّدا وكراهية وعنفا سياسيا هو "ائتلاف الكرامة"، الذي يُجمع الكل على أنه ليس إلا عصا أكثر تطرّفا وعنفا بيد الحركة الإخوانية.