عنان الناصر من نابلس: محمد يوسف محمد شولة 40 عاما من بلدة عصيرة الشمالية بمحافظة نابلس لم يكن يعلم أنه لن يعود إلى بيته مرة أخرى عندما توجه إلى إحدى المستشفيات الخاصة بالمدينة لإزالة لحمية من أنفه كان بإمكانه إزالتها في أي عيادة طبيب، إلا أنه وبسبب حصوله على تأمين صحي من قبل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين حول إلى هذا المشفى الذي كان قد أجرى به عملية قسطرة قبل عدة اشهر.
وكان محمد قد دخل إلى المشفى صباح يوم السبت بتاريخ 10/7/2010 وبعد نصف ساعة من العملية التي يفترض أن تنتهي خلال هذه المدة، حدث إرباك في قسم العمليات غير مسبوق وحركة غير اعتيادية ما تسبب في ذعر الأهل الذين انتابهم الشكك حين حضر طبيب مختص في القلب، وبعد خروجه تمالك أحد أبناء شقيقة المريض نفسه وسأل طبيب القلب عما جرى فأبلغه بأن خاله تعرض لمشكلة في القلب، وتم تركيب منظم لدقات قلبه وأنه بحالة حرجة وبحاجة للنقل إلى غرفة العناية المكثفة.

بعد لحظات قليلة طلب الجراح قدوم الأهل وأبلغهم بصعوبة وضع المريض وحاول تحميلهم مسؤولية عدم اخباره بملفه الطبي وأنه سبق وأن أجرى عملية قسطرة، دون أن يحمل نفسه مسؤولية الرجوع إلى ملفه الطبي وتاريخه المرضي ودون إجراء الفحوصات اللازمة له قبل العملية كما أكدت زوجة الشولي.

وبعد نصف ساعة من حالة الجدال التي دارت، أعلن الطبيب وفاة محمد الشولي الأمر الذي دفع بالأهل لتقديم شكوى ضد الجراح والطاقم، لدى الشرطة والمدعي العام ووزارة الصحة ونقابة الأطباء، وطلبوا تشريح الجثة ومعاينتها وهو ما تم في إحدى المستشفيات الحكومية بالمدينة.

كانت رواية المستشفى الخاص كما تؤكد زوجة الشولي وابن شقيقته بأن محمد الشولي توفي بجلطة نتجت عن العملية وقد يكون السبب التحسس من الأدرينالين ما أدى إلى تسارع في نبضات القلب وتوقف العضلة بشكل مفاجئ. ويروي ابن شقيقة المتوفي أن أحد الاطباء المشاركين بالعملية دون ملاحظات مكتوبة متوفرة لديه حاليا، مفادها أن الأدرينالين قدم للمريض أثناء العملية من خلال إبرة quot;2سم مركزquot; دون ان يتم تخفيف التركيز، وأنه خلال العملية تم تقديم الأدرينالين مرتين المرة الاولى عندما حدثت مشكلة في القلب وتم الطلب من الجراح بالتوقف عن المضي في إجراء العملية إلا أنه رفض ذلك.

وكان تقرير التشريح قد سلم إلى النيابة العامة ولم يتضح في تشريح الجثة كما قالت زوجة الشولي أية إشكاليات عانى منها زوجها أدت إلى وفاته، وبحسب ما علمت فإن الملاحظة التي وردت في التقرير النهائي كانت توقف عضلة القلب المفاجئ أثناء العملية وقد يكون السبب الأدرينالين.

وكانت زوجة الشولي تقدمت بطلب ومناشدة إلى مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس ودعت السلطة الوطنية ووزارة الصحة ونقابة الأطباء إلى تشكيل لجنة تحقيق تتابع كل ما جرى بحق زوجها لتقديم المقصرين والمهملين إلى القضاء ولكي لا يتكرر ما حدث مع زوجها مع أناس آخرين.

غياب للقوانين الصارمة

وحسب ما اكده خبراء ومختصون ورسميون فلسطينيون فإن هناك غياب واضح للأنظمة والقوانين الصريحة في قانون العقوبات أو قانون المخالفات ساري المفعول في فلسطين لحماية المتضررين من الأخطاء الطبية خاصة خلال العمليات الجراحية وبالتالي محاكمة الطبيب المخطئ أو المقصر.

وزير العدل الدكتور علي الخشان أكد خلال لقاء مع quot;إيلافquot; بأن العمل جار على قدم وساق للخروج بقانون عصري يلبي طموحات وتطلعات المواطنين ويعالج كافة الجوانب التي عانت من مشكلات في القوانين سارية المفعول. وأكد أن مشروع قانون العقوبات الجديد سيطرح للمناقشة على الصعيد المحلي من خلال ورش عمل كذلك لقاءات مع مختصين وخبراء محليين وعرب وسيعرض لاحقا لإقراره من قبل مجلس الوزراء وعرضه بعد ذلك على الرئيس الفلسطيني للمصادقة، منوها إلى أنه يضم جزئية تتعلق بقضية الأخطاء الطبية التي تتابع حاليا عبر قانون العقوبات والقانون المدني.

وكيل وزارة العدل وعضو مجلس القضاء الأعلى خليل كراجه، أكد غياب قوانين صريحة تعالج قضايا الاهمال الطبي منوها إلى أنها تندرج حاليا في قانون العقوبات الذي تعرض له قانون العقوبات الأردني بشكل بسيط. وأشار إلى أنه في حال إثبات وجود خطأ طبي بالامكان التوجه للقضاء والاستناد للقرائن والدلائل، لافتا في الوقت ذاته إلى أن مثل هذه القضايا نادرة لصعوبة إثبات الخطأ الطبي ولغياب الوعي عند بعض المواطنين، وارتفاع تكاليف المحاماة وغياب القوانين الصريحة. وكشف وكيل وزارة العدل عن تواصل المشاورات والاجتماعات لإخراج قانون عقوبات فلسطيني عصري يواكب التطورات والمستجدات في قضايا الجرائم والمخالفات كالجرائم الالكترونية والمعلومات وغيرها.

قاض ينطق حكما بقضية خطأ طبي

القاضي السابق داوود درعاويالقاضي السابق داوود درعاوي، نوه إلى أن صعوبة إثبات الخطأ الطبي يبرر ندرة القضايا في هذا المجال وكذلك غياب الوعي لدى المواطنين وفقدانهم الثقة بنجاح مثل هذه القضايا إضافة لتستر الأطباء ما يعقد اثبات الخطأ الطبي رغم وجود بعض النصوص غير الصريحة في قانون المخالفات والعقوبات.

ويعد درعاوي القاضي الأول في فلسطين الذي نطق بحكم مسؤولية مستشفى خاص في محافظة الخليل عن خطأ طبي استنادا الى قانون المخالفات البريطاني ساري المفعول تبعا لحيثيات القضية وكان حكما بالتعويض عن عجز دائم أصاب المدعي، وهي قضية بدأت عام 2001 ونطق بحكمها عام 2009.

وبالنسبة للحالة التي نطق بها القاضي درعاوي هي حالة المواطن عبد الفتاح عبد الله محمد الجبريني من الخليل والذي كان يعاني من انزلاق غضروفي بين الفقرتين الثالثة والرابعة القطنية ادى الى ضغط على الاعصاب في هذه المنطقة وانها من الناحية العلمية والفن الطبي حالة طارئة تستوجب اجراء جراحة مستعجلة لازالة الغضروف وان كل تأخير في تقديم العلاج المناسب يؤدي الى وقف التروية عن الاعصاب الطرفية مما يؤدي الى موت الخلايا العصبية وحدوث الشلل.

وبحسب القاضي درعاوي وحسب المعطيات والأدلة المتوفرة لديه فقد كان هناك تقصير في تقديم العلاج الفوري وعدم اتخاذ الحيطة والحذر في ممارسة العمل وعدم استدعاء الطبيب المختص على وجه السرعة لتقديم العلاج الفوري وارتكاب مخالفة مدينة بالمعنى المنصوص عليه في المادة 50 من قانون المخالفات المدنية رقم 36 لسنة 44.

وكان الحكم الصادر الذي نطق به القاضي درعاوي بعد ثمانية أعوام على عمر القضية في المحاكم على النحو التالي: quot;نقرر الحكم بالزام المدعى عليهم بالتضامن والتكافل فيما بينهم بدفع مبلغ وقدره (55264) خمسة وخمسون ألف ومائتين وأربع وستون دينارا أردنيا للمدعي وربط المبلغ المحكوم به بجدول غلاء المعيشة وتضمين المدعى عليهم بالتضامن والتكافل الرسوم والمصاريف ومبلغ 1500 دينار أتعاب محاماة والفائدة القانونية بنسبة 9% من المبلغ المحكوم به من تاريخ الحكم وحتى السداد التام على ان لا تتجاوز الفوائد قيمة المبلغ المحكوم فيه في كل الاحوال.quot;

وزارة الصحة تحاسب على الجهل والتقصير

بدوره، قال الدكتور شوقي صبحة مدير عام قسم الشكاوى في وزارة الصحة الفلسطينية، إن الخطأ الطبي يقع في كل مكان بالعالم وفي مجال ممارسة الطب يحدث وهو من مضاعفات العمل الطبي، وهو مكتوب بالكتب ويحدث في دول العالم النائية والمتقدمة والمتطورة طبيا وليس هناك من هو معصوم عن الوقوع في مثل هذا الخطأ.

وأشار إلى وجود تأمين خاص في أغلب الدول يسمى تأمين quot;ضد الاخطاء الطبيةquot; لتعويض المريض الذي يقع بحقه خطأ طبي. وفي الأراضي الفلسطينية أوضح الدكتور صبحة أن الوزارة ونقابة الأطباء تحاسبان على الجهل والتقصير والإهمال حسب طبيعته إن ثبت ذلك من خلال اللجان الفنية المتخصصة التي تتشكل للتحقق من القضايا التي ترد من المواطنين أو من خلال المحطات المحلية أو التي تتم معرفتها.
ولفت إلى أن اللجان تتشكل من الوزارة ونقابة الأطباء واذا ما وصلت إلى أن هناك إهمال أو جهل أو تقصير يتم إصدار العقوبة حسب نوع الجهل أو التقصير أو الاهمال حتى لو وصل ذلك إلى الفصل من الوظيفة او سحب الشهادة لفترة مؤقتة أو بشكل دائم من الطبيب المقصر.
وأكد أن عدد الحالات التي وقع بحقها تقصير أو إهمال أو جهل في وزارة الصحة او المستشفيات والعيادات التابعة لها نادرة جدا وبدرجات مختلفة بحيث قد يقع تقصير ويكون غير مؤذي كثيرا وحدث لظرف معين ولا يتسبب بضرر، منوها إلى أنه وفي بعض الحالات النادرة جدا فإن التقصير تسبب بوفاة بعض المرضى وكانت العقوبات قاسية جدا.

وبالنسبة لشكاوى المواطنين المقدمة إلى دائرة الشكاوى في وزارة الصحة وطبيعتها أكد أنه لم ترد أية شكوى للدائرة تتعلق بإصابة مريض ببكتيريا ناجمة عن عدم استخدام الأساليب السليمة للتعقيم دون أن ينفي إمكانية حدوثها كما هو الحال في كل أنحاء العالم لأسباب كثيرة.
وفيما يتعلق اذا ما كان هناك نسيان لأدوات أو مواد طبية داخل أجسام المرضى قال إنه لم تسجل في دائرة الشكاوى التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية حتى تاريخ هذا اليوم أية شكوى بهذا الخصوص.

وفيما يتعلق بوجود حالات وفاة نتيجة التقصير والجهل والاهمال في المستشفيات الحكومية أكد أنه سجلت في الدائرة عدة شكاوى تتعلق بحالات وفاة وهذا أمر وارد في فلسطين وغيرها من دول العالم، لافتا إلى أن الوزارة تعمل ليل نهار من أجل ضمان ديمومة الناحية الطبية لجميع المواطنين بالتساوي وتحسين الجودة قدر الامكان.

وحول عدد هذه الحالات في الضفة الغربية قال: quot;توجد حالة واحدة فقط مثبتة تماما بأنها كانت نتيجة الاهمال أو التقصير وتم اتخاذ اجراءات رادعة بحق المتسبيين، وهناك حالة ثانية لم تثبت بعد وننتظر تقرير الطب الجنائيquot;.

وفيما يتعلق بالقوانين التي تحكم عمل وزارة الصحة قال الدكتور صبحة،quot; إننا في وزارة الصحة يحكمنا قانون الخدمة المدنية وبناء على ذلك نطبق هذا القانون الذي شرع في المجلس التشريعي وهو قانون قد لا يلبي كل ما نطمح له من تحقيق ما نريد ان نصل إليه، وفي المحاكم هناك قوانين أخرى سواء مصرية او أردنية او ما عدل عليها من قوانين في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية ونخضع لهذه القوانينquot;.
وأضاف أن المحاكم تلجأ في كثير من الأحيان في القضايا التي تتعلق بالناحية المهنية الطبية إلى اللجان الفنية المتخصصة سواء عن طريق نقابة الأطباء أو وزارة الصحة وهما الجسمان المسؤولان عن العمل الطبي في الوطن.

واكد أنه quot;لا يمكن أن يكون هناك حالة وفاة ولا يتم تشكيل لجنة فنية طبية متخصصة وتضم في عضويتها قانوني ويكون إما المستشار القانوني للوزارة أو النقابة لمتابعة أسباب الوفاة فليست كل الحالات وراءها اهمال طبي ولكن الحالات التي يشك فيها نصل لدرجة التقرير التشريح الجنائي الذي يثبت أسباب الوفاة. وأحيانا نصطدم بمعارضة الأهالي بتشريح الجثة الأمر الذي يعيق سير عملية التحقيقquot;.

واكد ارتفاع عدد الشكاوى المقدمة لدائرة الشكاوى في وزارة الصحة في الآونة الأخيرة والسبب يعود إلى زيادة الوعي عند المواطنين بأهمية تقديم الشكاوى بعد أن تمت محاسبة المقصرين إضافة لتطور الأوضاع واستقرارها في الأراضي الفلسطينية.
نقابة الأطباء توثق التقصير في القطاع الخاص

من جانبه الدكتور سليمان البرقاوي، رئيس لجنة الشكاوى والمخالفات في نقابة الاطباء الفلسطينية، أكد أن القسم يتلقى شكاوى المواطنين المتعلقة بأية أخطاء أو مخالفات من الأطباء او المراكز او المستشفيات في القطاع الخاص. وقال إن لجنة الشكاوى في نقابة الاطباء بحثت 86 ملفا منذ نيسان 2009 وحتى آب 2010 وقسم منها لم يغلق بعد، مؤكدا أن الشكاوى كانت من مختلف التخصصات الطبية وتتعلق أساسا في جراحة العيون والعظام والتجميل وجراحة الأعصاب والنساء والتوليد وعدد من الشكاوى كانت في تخصصات أخرى.

وبالنسبة لطبيعة وأنواع الاهمال قال البرقاوي: هناك تقصير أو إهمال منها إحدى الحالات تمثلت بنسيان شاش في بطن مريض، وفي الجراحات العامة هناك مضاعفات نتجت عن اسستئصال المرارة بالمنظار من قبل طبيب غير مدرب وغير مؤهل للقيام بهذا العمل. وأشار إلى أن المسؤولية الطبية هي مسؤولية متعددة الأوجه فهناك مسؤولية طبية أو أدبية وهناك مسؤولية مدنية أو جنائية، وبالنسبة للمسؤولية المدنية هي من اختصاص القضاء وليس النقابة وعند وقوع أخطاء جسيمة تقع تحت القانون المدني والجنائي. وأكد أن السلطة التأديبية في النقابة تمكن من اتخاذ عقوبات بحق المقصرين تبدأ باللوم والتنبيه وتمتد لتصل الوقف عن العمل وحرمان الطبيب من مزاولة عمله.

وفي هذا السياق كانت مجدولين حسونة طالبة في قسم الصحافة في جامعة النجاح فازت بجائزة مؤسسة تومسون فاونديشن البريطانية قبل عدة أشهر حول أفضل تحقيق صحافي متقصي لفئة الشباب العرب، حين ناقشت هذا الموضوع وتطرقت إلى الكثير من الحالات المرضية التي وقع بحقها إهمال أو تقصير طبي في فلسطين.