باريس : كان قرار السلطات الفرنسية شمول المكتبات وأجنحة بيع الكتب في متاجر السوبرماركت بالإقفال، بمثابة صدمة للفرنسيين، خصوصاً أن بلجيكا وسويسرا استثنتا هذا القطاع من تدابير الحجر لاحتواء جائحة كوفيد-19.

وقالت سيلفي لاغرانج التي درجت على ارتياد جناح الوسائط في متجر السوبرماركت كرملين-بيسيتر في جنوب باريس "من الغباء إصدار قرار بإغلاق أجنحة الكتب في متاجر السوبرماركت. من شأن ذلك أن يحرم المحجورين في منازلهم من الثقافة".

وأضافت فيما كانت تتبضع قبل دخول الحجر حيز التنفيذ لمدة شهر "هذا الأمر لن يساعد المحال الصغيرة التي تستطيع فعلاً تطبيق إجراءات التباعد".

وبعدما أعلنت السلطات الفرنسية أن المكتبات التجارية وتلك العامة، مشمولة بقرار الإقفال، قررت كذلك إقفال أجنحة بيع الكتب في متاجر السوبرماركت، حرصاً على "المساواة" في الإجراءات.

فخلافاً للخيار الذي اعتمدنه كلّ من بلجيكا وسويسرا على سبيل المثال، ارتأت السلطات الفرنسية اعتبار الكتاب سلعة "غير أساسية".

وشكّل القرار صدمة في بلد يفتخر بالثقافة وحبّ الكتب، وتكثر فيه الجوائز الأدبية والبرامج التلفزيونية المختصة وتنتشر فيه شبكة تضمّ 16 ألف نقطة مطالعة عامة.

ولاحظ الكاتب سيلفان تيسّون أن "رجال السياسة كانوا يتغنّون كثيراً بفرنسا كبلد متميز أدبياً، وبكونها الابنة الكبرى للمطالعة والمكتبات، وفجأة تبين أن كلّ هذا كان مجرّد كلام فارغ".

ومنذ الجمعة الماضي، يتصاعد الغضب. فإضافة إلى عريضة رفعت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حاول بعض أصحاب المكتبات عصيان التدابير، وصدرت دعوات إلى مقاطعة "أمازون" أو "فناك"، أكبر شركتين في فرنسا لتوزيع المنتجات الثقافية (وقد انتهى الأمر إلى إقفال الأقسام الثقافية فيهما).

ووصل الأمر إلى تأجيل عدد من الجوائز الثقافية، بينها جائزة "غونكور" الشهيرة، لكي لا تستفيد منها "منصات المبيعات الأخرى"، على قول المفوضة العامة لأكاديمية "غونكور" فرنسواز روسينو.

أما رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو فشددت على أن "الثقافة أساسية، ومن الخطأ التضحية بها"، معلنةً عن "مبادرة مشتركة" مع دول أخرى لإعادة فتح المكتبات.

ويشكّل هذا الأمر ضربة قاسية لهذا القطاع الذي يعاني أصلاً من التأثير السلبي لمواقع مثل "أمازون" أو "فناك". فخلال الحجر الربيعي الذي استمر شهرين، شهدت أرقام أعمال المكتبات انهياراً بنسبة معدّلها 95 في المئة، لكنها سرعان ما عوضت هذا التراجع منذ إعادة فتح أبوابها في مايو، ما يثبت شهية الفرنسيين للكتاب.

وخلال الاسبوع الفائت، شهدت المكتبات تهافتاً كبيراً عشية الإقفال. وقالت مديرة مكتبة الوسائط في فيلنوف داسك (شمال فرنسا) هيلين بروشار "في خمس ساعات فتحنا فيها أبوابنا، بلغ عدد الإعارات ثمانية آلاف، في حين أننا خلال فترة توقف الحجر، كنا نجد صعوبة في استعادة القرّاء، وكنا نحتاج إلى أسبوع لتحقيق ثمانية آلاف إعارة".

أما الصحافي فرنسوا بونيل الذي يقدم برنامج "لا غراند ليبريري" التلفزيوني فقال "ثمة ملايين الأشخاص في هذا البلد يرغبون في المطالعة، وهذا ما رأيناه بعد مرحلة الحجر الأولى. إقفال المكتبات يعني إصدار حكم يؤدي إلى اهتزاز أو اختفاء قسم كبير من الاقتصاد الثقافي".

وقد وقّع كثر العريضة التي أعدّها بونيل لإعادة فتح المكتبات بينها كتّاب وممثلون وناشرون. وقالت هيلين بروشار "أتفهم أصحاب المكتبات. لديهم تحديات اقتصادية لا نعانيه في المكتبات العامة".

وأضافت "ما يفاجئني أكثر هو موقف الحكومة" التي قررت "إلغاء كل شيء"، وحرمان الناس من شراء الكتب حتى في السوبرماركت. وترى ان هذا الأمر "يجعل من الكتاب سلعة ممنوعة.

وختمت بروشار "إذا أردنا التوسع في هذا النقاش، فالأمر يتعلق بمكانة الثقافة. لا شك في أن ثمة وضعاً صحياً خطيراً، وحاجة إلى حماية العاملين في المكتبات العامة والخاصة، لكنّ الرسالة التي ينطوي عليها (القرار) كارثية".