موسكو : وقع ألكسندر كوماروف ضحية الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجدّ، ويعجز بالتالي عن كتم دموعه عندما يتحدث عن "خوفه من الموت". لكن في ظل نظام صحي روسي يعاني من تفاوت كبير، يدرك أنه محظوظ لوجوده في موسكو.

وقال كوماروف البالغ 62 عاماً الذي بدا وجهه أحمر بسبب الالتهاب الرئوي الناجم عن الفيروس، "لا يمكن أن أكون في مكان أفضل من هنا، الطاقم رائع".

منذ أسبوع، يتلقى هذا الموظف في مترو العاصمة الروسية العلاج في "منطقة حمراء" تضمّ 550 سريراً موضوعاً في قاعة عروض في حديقة سوكولنيكي، تم تحويلها إلى مستشفى موقت مخصص للمصابين بكوفيد-19.

يصل إلى هذا المستشفى نحو ثمانين مصاباً في اليوم على متن سيارات الإسعاف. مطلع نوفمبر، كاد المستشفى أن يصير مكتظا.

يستخدم أفراد طاقمه ويبلغ عددهم أكثر من 350، معدات ممتازة: معدات وقائية وفيرة وجهاز تصوير شعاعي للرئتين ومختبر ورمز استجابة سريعة يوضع على معصم المصابين يتيح عند مسحه عبر جهاز، الوصول إلى العلاج الذي يتلقاه المريض.

ويتم نقل الأشخاص الذين تتدهور حالتهم الصحية، إلى أقسام العناية المركزة في المستشفيات التقليدية. فيما يعود الآخرون إلى منازلهم بعد تعافيهم.

وتتضمن مدينة موسكو حالياً خمسة من هذه المرافق الهائلة التي تعالج الحالات ذات الخطورة المتوسطة.

مساعي لتخفيف الاكتظاظ عن المستشفيات

يقول الطبيب الذي يدير المستشفى الميداني في سوكولنيكي، ماكسيم ناومينكو (40 عاماً)، "نكافح كي لا تكتظ المستشفيات التقليدية".

ويضيف الطبيب الذي تم تسليمه المستشفى لخبرته في إدارة الأزمات خصوصاً خلال الاعتداءات التي شهدتها موسكو في سنوات 2000، "يجب إدارة تدفق مستمرّ" للمرضى.

في الأسابيع الأخيرة، تتجاوز روسيا بشكل منتظم أعداد إصابات قياسية، على غرار دول كثيرة في أوروبا.

وسجّلت الأربعاء 19851 إصابة جديدة بالمرض، ما يجعلها رابع دولة أكثر تضرراً من الوباء في العالم من حيث عدد الإصابات. وأحصت أيضاً الأربعاء 432 وفاة جديدة، في أكبر عدد وفيات في يوم واحد تسجّله البلاد.

مع 31593 وفاة معلنة في البلاد، لا يزال معدّل الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 ضئيلاً مقارنة بالمعدلات في دول أخرى. إلا أن روسيا لا تحصي سوى الوفيات الناجمة بشكل مباشر عن الفيروس، بعد تشريح الجثث.

وتُظهر المعطيات الديموغرافية بين مارس و سبتمبر 2020 عدد وفيات أكبر في البلاد: 1,148,668 وفاة مقابل 1,031,555 وفاة في الفترة نفسها من العام 2019، أي 117,107 وفيات إضافية.

وبخلاف التدابير التي اتخذتها روسيا في الربيع وتلك التي فرضتها في الخريف سلسلة من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا، لم يتمّ فرض أي عزل جديد.

ويعتمد الكرملين على إعادة تنظيم النظام الاستشفائي والوقاية لاحتواء الوباء، مع الحفاظ على الاقتصاد إلى أقصى حدّ.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر أكتوبر، "رغم أن الوضع الوبائي صعب، من الواضح أننا مستعدون بشكل أفضل".

وتأمل الحكومة أيضاً في تعميم بسرعة لقاحين روسيين لا يزالان في المرحلة النهائية من التجارب السريرية.

في الانتظار، أوصت السلطات المسنين بالبقاء في المنازل. في موسكو، سيتمّ إغلاق الحانات والمطاعم بين الساعة 23,00 و06,00 اعتباراً من الجمعة ويتمّ تشجيع الشركات على العمل من المنزل.

الأقاليم الروسية: انهيار أجهزة الطوارئ أما تدفق المرضى

إذا كانت العاصمة لا تزال بؤرة للوباء في البلاد، فإن الأقاليم الروسية حيث يكون النظام الصحي غالباً متردياً، تعدّ نحو ثلاثة أرباع الإصابات الجديدة.

في مناطق عدة، أفادت وسائل إعلام في الأيام الأخيرة، عن انهيار أجهزة الطوارئ أمام تدفق المرضى، خصوصاً في سيبيريا. في ألتاي، أظهر مقطع فيديو تم التحقق من صحّته، مشرحة مكتظة بالجثث في أواخر أكتوبر.

ورغم خطر نقص الموارد، ينتقل كثرٌ من العاملين في القطاع الصحي إلى موسكو أو سان بطرسبورغ.

ويشير مدير مستشفى إينوزيمتسيف في موسكو الطبيب ألكسندر ميتيتشكين إلى أنه وظّف حوالى 300 شخص قادمين من كافة أنحاء روسيا. ويوضح أن "البعض منهم سيبقى هنا بعد الوباء، لأننا جميعنا بحاجة إلى متخصصين أفضل".

في مستوصف متهالك في قرية تقع في أقصى الشمال الروسي، تروي الممرضة ألكساندرا لوكالة فرانس برس أنه ينبغي عليها الاهتمام بمفردها بشكل منتظم بحوالى ثلاثين مصاباً بكوفيد-19. وتؤكد الشابة أنه لا يحقّ لها سوى بكمامة واحدة خلال دوامها، حتى أنها لا تضمن حصولها على علاوة مرتبطة بوجود مخاطر. وتقول "منذ اليوم الأول، استقالت إحدى زميلاتي. كانت تقول إنه ليس بامكانها العمل في مثل هذا الجحيم".