القدس : اعتبر كثيرون أن زمن فيروس كورونا المستجد جعلهم في عزلة مدمرة، لكن بالنسبة لبعض اليهود الإسرائيليين المتشددين دينيا، فقد دفعهم وأتاح لهم على العكس الاندماج في محيطهم الأوسع خارج مجتمعاتهم المغلقة الضيقة.

أدت اجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على التجمعات في إسرائيل إلى زعزعة إيقاع حياة اليهود المتدينين المتشددين أو" الحريديين" وخصوصاً الحلقات الدينية المستمرة في المدارس الدينية لدراسة التوراة والمعروفة باسم "يشيفوت". وكان لهذا بالنسبة للبعض منهم تأثير عميق.

وقال الشاب يوآف الذي طلب عدم الكشف عن اسم عائلته لوكالة فرانس برس " إن الوباء تسبب في أزمة روحية دفعتني إلى يتوجه للحياة خارج محيطي الديني المحافظ".

وأضاف "فيروس كورونا منحني الفرصة لمغادرة العالم الديني". بعدما ابتعد يوآف عن روتينه اليومي للدراسة في المدرسة الدينية، وجد نفسه عالقًا في المنزل مع أب لا يهتم بالشعائر الدينية.

وأضاف "كانت التوترات مستمرة كنت أعرف لسنوات أن هذه الحياة لم تصنع من أجلي ، ثم أدركت أنه يجب علي المغادرة".

كان قد سمع عن منظمة هيليل غير الربحية التي تساعد منذ عام 1991 الشباب والشابات الذين يخرجون من عالمهم الحريدي المتدين المتشدد على العثور على حياة مختلفة.

اتصل بهم وانتقل من منزل عائلته وعاش مع 13 شابًا آخرين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 عامًا في ملجأ المنظمة الكبير في القدس.

يوفر الدعم للمقيمين موجهون من المنظمة غير الربحية وأخصائيون اجتماعيون يقدمون المساعدة النفسية والمالية ودورات لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع غير المتشدد.

وقالت مديرة الملجأ إيتي إلياهو "إن الشباب المتشددين دينيا لا يعرفون شيئًا عن العالم الحديث ولا يعرفون شيئًا عن الجنس الآخر، وعلينا أن نعلمهم كل شيء".

واضافت "نحن هنا لمساعدتهم على إيجاد مكانهم في العالم".

"طنجرة ضغط"

يلتزم المتشددون دينيا بتفسير صارم لليهودية وقانون اجتماعي صارم يدعلهم معزولين عن المجتمع الإسرائيلي الأكثر علمانية.

يدرس معظم الذكور التوراة طوال اليوم، بينما تفصل النساء اللائي يتلقين تعليمًا يشمل مواضيع عامة، عن الرجال خارج أسرهن حتى الزواج الذي يحدث عادة في سن مبكرة نسبيًا.

تشارك النساء الحريديات بشكل أكبر في القوى العاملة من أزواجهن الذين يكرسون جل وقتهم عادة للدراسات الدينية.

وقال يائير هيس مدير منظمة هليل "إن حوالي 350 شابًا يتصلون مع هيليل كل عام، تتراوح أعمارهم بين 19 و25 عامًا، لكن الطلبات تضاعفت عام 2020 مع انتشار الوباء".

وأوضح أنه مع إغلاق المدارس الدينية "أمضى الشباب المتشدد وقتًا أطول من المعتاد مع عائلاتهم ما نتج عنه وضع شبيه بطنجرة ضغط انفجرت في العديد من المنازل".

ويشارك هذا الراي الحاخام شمعون بيتون الذي يدير مدرسة ثانوية دينية في وسط إسرائيل. وقال هذا المعلم البالغ من العمر 38 عامًا إن المدرسة "كانت بمثابة حاضنة توفر الحماية لهؤلاء الشباب".

لكن الوباء هز حياتهم اليومية وأجبر البعض منهم على البحث عن عمل لمساعدة أسرهم التي تعاني من ضائقة مالية.

واضاف "لقد وجدوا أنفسهم في عالم لا يعرفوه وأرادوا اكتشافه".

"عالم جديد"

قال يوآف "لقد خسرت سنوات من عمري، لكنني استعدت الحياة أخيراً". وهو يعمل الآن في وزارة النقل ويتلقى دروسًا في الرياضيات واللغة الإنكليزية وهي مواد لم يتم تدريسها في الصفوف الدراسية الدينية المتشددة المنفصلة عن نظام التعليم الحكومي.

يمكن للشباب الذين استقبلتهم منظمة "هيليل" الإقامة لمدة أربعة أشهر في النزل التابع لها ومن ثم الانتقال إلى أماكن إقامة أخرى تديرها ولكن يتعين عليهم دفع إيجارها.

وتقول الشابة أفرات (21 عاما) التي تعيش في ملجأ في القدس الغربية لوكالة فرانس برس إنها تريد أن تصبح خبيرة تجميل محترفة "لتضفي بهجة على الحياة".

قبل أن تعيش في النزل، كانت قد تركت عائلتها الكبيرة ثم عادت عندما باتت عاطلة عن العمل وغير قادرة على دفع الإيجار بسبب وباء كوفيد-19.

وقالت وهي تغالب دموعها إن "العودة الى البيت كانت بمثابة كابوس" دون أن تعطي مزيداً من التفاصيل.

فقد طردتها أمها من المنزل وانتهى بها الأمر في الشارع قبل أن تدخل المستشفى بسبب مرض السكري الذي تعاني منه منذ الطفولة.

اتصلت ادارة المستشفى بمنظمة "هيليل" التي رحبت بها في نزلها وهناك بدأت باكتشاف "عالم جديد" حيث لم تكن من قبل برفقة الجنس الآخر الذي يعتبر بالنسبة للمتشددين من المحرمات.

وقالت لفرانس برس "تعلمت هنا ألا أكون ساذجة بعد الآن، تعلمت التحدث إلى الرجال، وعرفت من أكون وماذا أستطيع أن أفعل في الحياة".

وقالت بابتسامة خجولة "من سخرية القدر أن الكورونا أنقذني".