في الوقت الذي تقترب فيه عقارب الساعة من موعد الانتخابات السودانية والتي ستُجرى في إبريل 2010، والاستفتاء الذي سيحدد مصير انفصال جنوب السودان عن شماله في يناير 2011.

واشنطن: تتصاعد وتيرة الأحداث على الساحة السياسية الأميركية والتي شهدت في أكتوبر الماضي إعلان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجيته تجاه السودان والتي ترتكز على ثلاث أولويات وهي: السعي لوضع حد نهائي للصراع، وللانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والإبادة الجماعية في دارفور، وتنفيذ اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب والتي وفقًا لعام 2011 وهو الذي سيحدد، إما السودان الموحد، أو نحو دولتين منفصلتين، وضمان ألاَّ تكون السودان ملاذًا آمنًا للإرهابيين الدوليين.

ولدى الولايات المتحدة التزام ومصلحة واضحة لقيادة الجهود الدولية لإحلال السلام في السودان، وإن الفشل في تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يسفر عن تهديد أمن واستقرار المنطقة بل والعالم، لذا فالولايات المتحدة تواصل العمل مع المجتمع الدولي للحد من قدرة الإرهابيين والجهات الفاعلة غير الحكومية.

ووفقًا لهذا الإطار فقد ناقشت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي في جلسة استماع للجنة الفرعية لشؤون إفريقيا والصحة العالمية برئاسة، والتي تحدث فيها كلٌّ من سكوت جريشن مبعوث أوباما للسودان، انريكو كاريش المنسق السابق لفريق خبراء الأمم المتحدة بشأن السودان وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1841 لسنة 2008، راندي نيو كومب الرئيس التنفيذي للجنة الإنسانية المتحدة في اللجنة الفرعية للشئون الإفريقية والصحة العالمية، وجون برندرجاست المؤسس المشارك quot;لمشروع كفايةquot; في مركز التقدم الأميركي، والذين قدموا شهادتهم بشأن السياسية الأميركية تجاه السودان.

وضع حد للنزاع في دارفور

استعرض المشاركون الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في دارفور، والذي يصب في الأساس على حماية المدنيين وإنقاذ أرواحهم عبر ضمان وجود سلام شامل ودائم لسكان دارفور. فالولايات المتحدة تواصل دعمها لمفاوضات quot;الدوحةquot; والتي تعقد من أجل ضمان موقف موحد لأطراف النزاع السودانية ومحاولة إقامة حوار بين الحكومة السودانية والمجتمع المدني في دارفور، وتحت رعاية وسطاء عملية السلام وهم : الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. وتسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق كامل وواف يعالج مظالم سكان دارفور. وتسعى أيضًا لإعطاء مفاوضات الدوحة أفضل الفرص الممكنة للنجاح، والعمل على توحيد الحركات المسلحة في دارفور على طاولة المفاوضات.

وتواصل الولايات المتحدة دعمها وتعزيزها لبعثة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد). وذلك عبر توفير الدعم المالي واللوجستي، والتخطيط لحالات الطوارئ المحتملة والتي يمكن أن تفاقم الأزمة في دارفور، علاوة على حشد المجتمع الدولي من أجل تقديم كل من يحاول أن يعوق السلام في دارفور للمساءلة. ليس فقط على الصعيد الداخلي تعمل الولايات المتحدة لكن أيضًا عبر تأمين الحدود بين السودان وتشاد، حيث تعمل بجدٍ من أجل تشجيع تطبيع العلاقات بين تشاد والسودان، ووقف دعم تشاد للحركات المسلحة على طول الحدود بينهما.

ومن أجل دعم التنمية المستدامة في دارفور والعمل على استقرار الحالة الأمنية فيها تقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية والمنظمات غير الحكومية لتحسين الوضع الإنساني في دارفور وتحسين قدرتها من أجل الوصول إلى السكان المحتاجين، ولقد بذلت جهود لملء الفجوات وتفادي الأزمات الناتجة عن طرد 13 منظمة غير حكومية في مارس 2009، على الرغم من العقبات التي تواجهها هذه المنظمات مثل انعدام الأمن، الهجمات التي تستهدف عمال الإغاثة، والعوائق البيروقراطية.

إن التحديات التي تواجهها دارفور في مجال المساعدات الإنسانية، والأمن، وعملية السلام المعقدة، هي ما حدا بالولايات المتحدة أن تعمل مع السودان وجميع أطراف المجتمع الدولي لاستكمال الجهود الدولية ومعالجة هذه التحديات المعقدة ذلك لأن سياسة الولايات المتحدة تجاه دارفور تقوم على المساعدة في بناء مستقبل أفضل لشعب دارفور.

ولقد أوصت اللجنة بعدة توصيات لضمان تحقيق السلام الدائم في دارفور والتي تمثلت في الطلب من حكومة السودان أن تقدم تقريرًا وبانتظام عن تحركات قواتها ومعداتها العسكرية داخل وخارج دارفور، بموجب الفقرة 7 من القرار 1591 الذي اعتمد في عام 2005، فيجب الموافقة على مثل هذه الحركات من قبل الأمم المتحدة وتحديد هوية وحجم قوات الجنجويد التي يتعين نزع سلاحها، وإلى أي درجة قد تم بنجاح نزع سلاحهم ودمجهم في سكان دارفور، وذلك بموجب الفقرة 6 من قرار الأمم المتحدة رقم 1556 الصادر في عام 2004، والتقدم نحو وضع الأحكام والقوانين والتي من شأنها أن تعزز في حماية جميع سكان دارفور.

وبموجب اتفاق داكار الموقع بين تشاد والسودان في 13 من مارس 2008 يجب إنشاء آلية رصد على الحدود المشتركة بين البلدين. وأخيرًا تشجيع حكومة الصين وغيرها من الجهات والتي تمثل عاملاً حاسمًا لنجاح تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة في السودان أن تتعاون وبنشاط في جميع جوانب الحظر المفروضة (على الأفراد والأموال والشركات) ومن خلال التقيد بهذه المعايير فإن حكومة الولايات المتحدة يمكن أن تثبت للعالم بأنها لن تستسلم في قضية دارفور .

تنفيذ اتفاق السلام الشامل

كما أشرنا سابقًا فإن للولايات المتحدة الأميركية استراتيجية جديدة تجاه السودان تتركز على نهج تحقيق وتنفيذ اتفاق السلام الشامل في السودان، ومن أجل تحقيق هذه الغاية فالولايات المتحدة تعمل مع حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)،والحركة الشعبية (الشريك في الحكم وحركة التمرد السابقة)، لمعالجة القضايا التي تعوق تحقيق تنفيذ اتفاق السلام، خاصة وأن هذا الأمر حاسم مع اقتراب موعد الانتخابات والاستفتاء.

ومن هذه القضايا ما يتعلق بالخلاف حول نتيجة التعداد السكاني الأخير، والخلافات بشأن إجراء الاستفتاء حول تقرير المصير لجنوب السودان، وتشعر إدارة أوباما بقلق عميق جراء تزايد العنف بين الجماعات العرقية في الجنوب وآثارها على السكان. وتعمل الإدارة على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية وتعزيز الاستقرار الوطني في السودان، وتعمل على دعم المنظمات الدولية وغير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية إلى المشردين، ودعم المناطق الريفية، والعمل بكل جهد من أجل إشراك جميع السكان في انتخابات الاستفتاء، كذلك فإن إدارة أوباما تواصل رصد تنفيذ اتفاق ترسيم حدود آبيي والتي أعلنتها المحكمة الدائمة للتحكيم في يوليو 2009. وتم ملاحظة بأن السكان المحليين في المنطقة توجد لديهم لامبالاة خاصة وأنهم ليس لديهم فهم دقيق حول معنى قرار التحكيم وترسي الحدود، لذا فيجب نشر الوعي بينهم وتشجيعهم، أيضًا يجب ضمان تنمية الموارد المتوفرة للجانبيين كليهما وإلى كل من قبيلتي الدنكا والمسيرية والعمل على تحسين أوضاعهم .

وقد تم غلق باب تسجيل الناخبين في السودان يوم 7 من ديسمبر 2009، ويقدر ما يقرب من 14 مليون ناخب سوداني قد سجلوا أسماءهم للتصويت في جميع أنحاء الدوائر الانتخابية، وتعتقد إدارة أوباما أنها خطوة إلى الأمام في سبيل تحقيق وتنفيذ اتفاق السلام الشامل CPA، وسوف تستمر إدارة أوباما في العمل جنبًا إلى جنب مع المجتمع الدولي، واللجنة الوطنية للانتخابات وجميع الأطراف المعنية بعملية السلام في السودان لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية .

وتركز أيضًا إدارة أوباما على فترة ما بعد اتفاق السلام الشامل أي بعد نتيجة الاستفتاء، حيث يتم العمل بجهد مع الأحزاب السودانية والمجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني السودانية للتحضير لهذه الفترة لضمان الاستقرار بعيد المدى بقطع النظر عن نتيجة الاستفتاء ( الوحدة إما الانفصال)، حيث سيكون لازمًا على الطرفين الشمالي والجنوبي التعامل مع عديدٍ من القضايا بشكل عادل ومتوازن مثل قضايا الهجرة عبر الحدود، وتقسيم الموارد.

لذا فهناك جهود دولية تبذل لتوعية الطرفين حول مرحلة ما بعد الاستفتاء، وتقوم الإدارة الأميركية حاليًا للعمل نحو جعل هذه الجهود ملموسة ورسم طريق ما بعد الاستفتاء، ولقد تم التخطيط لها مسبقًا حيث عقد منتدى في واشنطن في يونيو 2009 لتنظيم متابعة هذه الفترة والتخطيط لها. وستواصل الإدارة الأميركية العمل مع الطرفين السودانيين والأطراف الدولية الفاعلة لضمان أن يسود الأمن والاستقرار في السودان والمنطقة، وكجزء من الاستراتيجية الأميركية تجاه السودان فسوف يعقد في مطلع عام 2010 اجتماع يحضره للمرة الأولى عدد كبير من المسئولين السودانيين في سلسة من الحوارات والنقاشات تستمر لمدة ثلاثة أشهر تسبق الانتخابات الرئاسية السودانية والتي ستجرى في إبريل 2010. والهدف من هذه النقاشات هو استعراض وتقييم التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق السلام الشامل، والوضع في دارفور، وعليه ستحدد الولايات المتحدة والشركاء الدوليون حجم المساعدة التي ستقدم للسودان في سبيل إحلال السلام.

لضمان ألا تكون السودان ملاذًا أمنًا للإرهابيين

إن الآثار المترتبة على سياسة إدارة أوباما والدور الذي تلعبه هيلاري كلينتون quot;وزيرة الخارجية الأميركيةquot;، وسوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وسكوت جريشن quot;مبعوث أوباما للسودانquot;، والحوار الدبلوماسي الاستراتيجي هو الذي سيدعم ألا تكون السودان ملاذًا أمنًا للإرهابيين، عبر الضغوط والعقوبات التي ستفرض على السودان إن أخل بتنفيذ اتفاق السلام الشامل، لهذا فإدارة أوباما تتعامل مع السودان من خلال سياسية العصا والجزرة، فيجب على الولايات المتحدة تنظيم وقيادة دبلوماسية متعددة الأطراف لتوطيد السلام والتفاوض في السودان.

وهذه الطفرة الدبلوماسية ستشمل صياغة لإطار اتفاق السلام مع الأطراف السودانية استنادًا إلى مشاورات واسعة النطاق لتمثيل المجتمع المدني، ويجب أن تشمل العملية الدبلوماسية جميع البلدان الرئيسة التي لها نفوذ حاسم وذات مصداقية لدعم جهود السلام مثل الصين، ومصر، وغيرها من البلدان ذات المصالح الاقتصادية والأمنية والتي قد تمنع نشوب حرب أهلية جديدة في السودان، وتهدد البلاد بأن تكون مرتعًا خصبًا للجماعات الإرهابية.

وينبغي أن تكون المشاركة الدبلوماسية مدعومة بجهود من قبل مجلس الأمن، خاصة وأن المجلس غير قادر على اتخاذ قرارات بسب الفيتو الروسي والصيني، كذلك فإن استخدام سياسية العصا المتمثلة في فرض عقوبات مثل تجميد الأصول المتعددة للأطراف التي تعوق السلام، فرض حظر السفر ضد الأفراد ويتم تطبيقه من قبل خبراء من الأمم المتحدة ولجنة العقوبات، ودعم المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ قراراها في اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، والحرمان من تخفيف عبء الديون، هو ما سيحدو بالأطراف السودانية بأن تفعل تنفيذ اتفاق السلام الشامل حتى لا تكون السودان ملاذًا للإرهابيين.

وبمتابعة الشأن السوداني فقد تم طرح قوانينquot;الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، والاستفتاء في منطقة آبيي، وقانون المشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرقquot; على منضدة البرلمان السوداني بتاريخ 16 من ديسمبر2009، وشكل البرلمان لجنة طارئة لدراسة قانوني quot;الاستفتاء في الجنوب وفي منطقة آبييquot;، وقد صرح quot;سكوت جريشنquot; بأن شركاء الحكم في السودان قد تناولوا القضايا محل الخلاف بينهم خلال الفترة الماضية من أجل الوصول إلي السلام والاستقرار.

وقد دعا جريشن الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بضرورة تناول القضايا محل الخلاف عبر المفاوضات والمباحثات الحقيقية من أجل إحداث التغيير المطلوب للشعب السوداني. وعليه فإنه أي محاولات لتأجيل الاستفتاء التاريخي المقرر في 9 من يناير 2011 سيكون لها رد عنيف من قبل الجنوب مما قد ينسف اتفاق السلام الشامل كاملاً.