لم تشهد إسرائيل في تاريخها فسادا ومحاكمة للزعماء كالواقع الذي شهدته في خلال السنوات العشر الماضية، وإضطر الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتسيه إلى الاستقالة بسبب تهم الفساد والتحرش الجنسي، كما تم ملاحقة إيهود أولمرت قضائيا وإضطر أيضا للاستقالة، فيما شهدت العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية السنوات الأسوء في تاريخها.


بدأ العقد الإسرائيلي الأول، في العام 200 عندما كان على رأس الحكومة في إسرائيل إيهود براك، الذي يعتبر اليوم، أخر رئيس حكومة من اليسار الإسرائيلي على مدار السنوات الشعر الأولى من القرن الحادي والعشرين، وامتاز العام الأول من العقد بفشل مؤتمر كامب ديفيد، واتهام إسرائيل، مدعومة من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنه كان السبب في فشل المحادثات والتوصل إلى سلام، تماما مثلما اتهم براك وإسرائيل، بعد فشل محا دثات شيبرستون، في العام نفسه أيضا، الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد بالتشدد ورفض إبداء أية مرونة في تفهم احتياجات إسرائيل الأمنية، بسبب إصرار الرئيس الأسد على الانسحاب الكامل من الجولان واستعادة سويا للشواطئ الشرقية لبحيرة طبريا.
وقد استفادت إسرائيل خلال هذا العقد من التطورات العالمية والإقليمية في سياستها الخارجية وفي تبرير رفض تحقيق السلام، فقد تسلقت بسهولة على موجة الحرب على الإرهاب التي رفعها جورج بوش الابن ، وتمكنت عبر تبني الخط الأميركي المتشدد في هذا السياق إلى انتزاع ما يسمى رسالة بوش، والتلويح بالالتزام الأميركي تجاه إسرائيل من جهة، والتحريض والدعوة للتشدد ضد الأنظمة الشمولية والإسلامية( بما فيها المملكة العربية السعودية، وإيران) بحجة مواجهة التشدد الأصولي والسلفي، واتهمت علماء السعودية والنظام في المملكة بأنه يساير المنظمات الأصولية مثل تنظيم القاعدة.

العودة إلى حصن الهوية اليهودية

وعلى مدار العقد شهدت إسرائيل تبدل الحكومات ورؤساء الحكومة من اليسار (آخرهم براك )ولغاية أقصى اليمين ممثلا اليوم بنتنياهو. ولكن دون تبدل في السياسة العامة أو الموقف من المسالة الفلسطينية، لدرجة أن الباحث في الشؤون الإسرائيلية، الكاتب والمستشار السياسي مرزوق الحلبي يقول لإيلاف إن إسرائيل بعد براك انتقلت من البحث عن حل للصراع إلى إدارة الصراع وهو يصف العقد الأسير المنصرم بقوله:
quot; إن العقد الأخير شهد تطورات لافتة، أعادت الإسرائيليين إلى حصن الهوية. وقد بدأت بالانتفاضة الثانية التي انتهت بحرب صغيرة على الضفة والقطاع سميت quot;الجدار الواقيquot; (عام 2002) واستمرت بحرب على لبنان (2006) وحرب ثالثة على غزة (الرصاص المصبوب). وهي ثلاثة حروب كشفت ثلاثة حقائق تتعلق بإسرائيل، 1 ـ استحالة الاحتفاظ بكامل الأراضي التي فرضت عليها السيادة منذ العام 1948. 2. فقدان السيطرة على الديموغرافيا العربية بين البحر والنهر. 3. الشعور بأن الزمن لم يعد يعمل لصالح إسرائيل بفعل متغيرات إقليمية وكونية. ثلاثة تحولات أشعرت الإسرائيليين بأنهم بدأوا يفقدون السيطرة في بعض الخانات. هذا بالذات ما دفعهم إلى محاولة تعويض أنفسهم من خلال العودة إلى الحصن، حصن الهوية اليهودية. ومن هنا سعي النُخب اليهودية المتجدد إلى الحصول على اعتراف دولي وعربي وفلسطيني بيهودية الدولة الذي ينطوي على شطب ملف عودة اللاجئين وعلى التفرّد الكامل بموارد الدولة وسيادتها على حساب مواطنيها الفلسطينيين. دهمتهم التطورات فعادوا إلى إنشاء حصن الهوية من جديد!

تراجع الصحافة العبرية مقارنة بنفوذ الرقابة!

وفي سياق رسمه للخطوط الأساسية لملاح العقد الإسرائيلي الخير كما انعكس في مرآة إسرائيل كما تعكسها الصحافة العبرية يعتبر الكاتب والصحافي وديع عواودة في حديث خاص مع إيلاف:quot; أن الصحافة الإسرائيلية في العقد الأخير شهدت بعض التغيرات كما في سائر العالم تراجعت مكانة الصحف المطبوعة وسعة انتشارها لصالح الشبكة العنكبوتية وهذا ما انعكس في تأزم الأوضاع المالية في الصحافة المكتوبة خاصة في صحيفة معاريف كما انعكس ذلك بازدياد صفراويتها وبحثها عن الإثارة الرخيصة لهثا وراء نسب القراءة والبيع
ما زالت الرقابة العسكرية صاحبة نفوذ كبير فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع الأمني ورغم المنافسة الشديدة فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تنصاع لتعليمات الرقيب طواعية وهي تغرد بسرب واحد وتكرس ثقافة القطيع، لكن في القضايا المدنية تطورت الصحافة الإسرائيلية وبات كلب الحراسة أكثر عضا ونهشا لا عواء فحسب وهذا لعب دورا في فضح سياسيين مرموقين ومقاضاتهم منهم رئيس الدولة السابق ورئيس الحكومة السابق ووزراء. زادت من قوتها مقابل ظواهر الفساد.

ملاحقة الفاسدين سياسيا وماليا

ولعل أبرز سمات العقد الإسرائيلي، هو اجتهاد الشرطة ومؤسسات فرض القانون في ملاحقة رجال السياسة وكبار المسئولين قضائيا ومحاكمتهم على الفساد المالي والسياسي، بموازاة الامتناع عن محاكمة من ارتكبوا جرائم قتل بحق فلسطينيين وإن كانوا مواطنين في إسرائيل كما تجلى ذلك في إغلاق المؤسسة الإسرائيلية ملفات التحقيق ضد رجال الشرطة والسياسيين حول دورهم في قتل 13 فلسطينيا من إسرائيل خلال مظاهرات أمتوبر عام 2000.
وفي سياق محاربة الفساد المالي والسياسي عند كبار الدولة يمكن تسجيل نقاط لصالح الشرطة والقضاء الإسرائيلي في ملاحقة كبار المسئولين بدءا من الوزراء وانتهاء بتقديم لوائح اتهام ضد رئيس الدولة موشيه كتساف، بتهمة الاعتداء الجنسي، وأخرى ضد رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت بتهمة تلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة:

* انتخب موشيه كتساف رئيسا لدولة إسرائيل في تموز 2000 بعد أن تغلب على الرئيس الحالي شمعون بيرس، بعد أن أمضى عشرات السنوات في الكنيست وبعد أن تقلد عدة حقائب وزارية. ولكن في تموز 2007 أعلن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، أنه يعتزم تقديم لائحة اتهام ضد كتساف بتهمة الاعتداء جنسيا على quot;أquot; التي عملت معه عندما كان وزيرا للسياحة في حكومة نتنياهو الأولى، لتوالى اعترافات ضحايا كتساف اللاتي قدمن شكاوى كشفن فيهن أن كتساف استغل مناصبه الرفيعة وسطوته وهيبته الحكومية وقام باغتصابهن. وبعد عامين من التحقيقات أعلنت النيابة العامة بتاريخ 19 آذار 2009 عن تقديم لائحة اتهام رسمية ضد كتساف بتهمة الاعتداء الجنسي، والاغتصاب والقيام بأفعال مشينة بحق عدة إسرائيليات، على مدار السنوات الماضية، وبدأت محاكمته رسميا في الأول من سبتمبر/ ايلول من العام 2009.
* حاييم رامون: عندما كان حاييم رامون نائبا لرئيس الحكومة، عام 2006، قدمت ضابطة في الجيش الإسرائيلي تعمل في ديوان رئاسة الحكومة شكوى اتهمت فيها الوزير رامون، بأنه قبلها عنوة عنها وضد رغبتها، وقام quot;بإدخال لسانه إلى فمهاquot;. وقامت النيابة العامة وبعد عقد جلسة استماع للوزير رامون، عند المستشار القضائي لحكومة، رفض خلالها رامون الاعتذار، واصر على أن الأمر حدث بموافقة الضابطة المشتكية، بتقديم لائحة اتهام ضد الوزير رامون بتهمة القيام بفعل فاحش وعمل مشين. أدين رامون بالتهمة التي نسبت له ، بتاريخ 31/يناير 2007 وحكم عليه بالعمل لمصلحة الجمهور 120 ساعة ودفع غرامة مالية، وبتاريخ 28 حزيران 2009 استقال من الكنيست وتفرغ لمنصب رئيس المجلس العام لحزب كديما.
* وزير المالية، ابراهام هيرشزون: بدات التحقيقات ضده في 20 آذار 2007 عندما كان وزيرا للمالية للاشتباه بتلقيه أموال بصورة غير مشروعة، واختلاس أموال من صندوق المرضى quot;ليئوميتquot; عندما كان رئيسا لمجلس الإدارة. وفي 8 حزيران من العام الجاري أدين بالتهم المنسوبة غليه وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة خمس سنوات وخمس شهور ودفع غرامة مالية بقيمة 450 ألف شيقل، وأودع السجن في الأول من أيلول 2009.

* الوزير شلومو بنيزري: كان وزيرا للعمل والرفاه الاجتماعي في حكومة شارون، عام 2002 عندما بدا التحقيق معه بتهم كشف معلومات عن حجم وسقف العمال الأجانب المسموح تشغيلهم في إسرائيل، لأحد أصدقائه، مقابل مبالغ من المال. أدين بتاريخ 1 نيسان 2008بتهم تلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة، وعرقلة إجراءات العدالة، وحكم عليه بالجسن الفعلي لمدة أربع سنوات. دخل السجن في التاسع من أيلول 2009.
* إيهود أولمرت: شغل لسنوات طويلة عضو كنيست ووزير للتجارة والصناعة، ورئيسا لبلدية القدس. عين في الرابع من أيار 2006 رئيسا للحكومة بعد أن دخل شارون غيبوبته وأعلن أنه لا يستطيع القيام بمهامه الرسمية.
خلال بتاريخ 16 كانون ثاني 2007 أعلنت وزارة العدل والمستشار القضائي للحكومة عن بدء تحقيقات في شبهات حول ارتكاب أولمرت لمخالفات جنائية وتلقي الرشاوى، عندما كان وزيرا للتجارة والصناعة، واستمرت التسريبات لفترة طويلة وتوالت التطورات عندما طالبه براك في مؤتمر صحفي بالاستقالة من منصبه، وفي 26 نوفمبر 2008 قررت النيابة العامة تقديم لائحة اتهام رسمية ضد رئيس الحكومة أولمرت بتهم : تلقي الرشاوى (قضية الثري الأميركي تالينسكي)، وخيانة الأمانة العامة، في قضية شركة السياحة ريشون تورز. وتم تقديم لائحة الاتهام الرسمية في 30 أغسطس 2009 وشملت بنود تتعلق بملفات تالينسكي، ومركز الاستثمار وريشون تروز، عدا عن تهم خيانة الأمانة العامة، وتلقي الرشاوى والنصب والاحتيال.
وقد استقال أولمرت من منصبه رسميا في 21 ايلول 2008 لكن ولايته الفعلية انتهت بتاريخ 31.9.009 .
ويعمل أولمرت رئيسا لشركة للاستشارة، وكشفت الصحف الإسرائيلية، الجمعة أنه يدير أعمالا في غينيا في أفريقيا بموازاة محاكمته في إسرائيل.

أسوأ عقود العلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل

على الصعيد الداخلي، وفي سياق علاقة الدولة العبرية مع الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يحملون الجنسية لإسرائيلية، فيمكن القول إن هذا العقد كان أسوأ العقود في السنوات الأخيرة. فقد بدا هذا العقد بأحداث هبة القدس والأقصى، في أكتوبر عام 2000 عندما قمعت الشرطة الإسرائيلية التظاهرات الاحتجاجية للفلسطينيين في إسرائيل على اقتحام شارون للمسجد الأقصى، وأسفرت المواجهات عن مقتل 13 مواطنا من العرب في إسرائيل برصاص الشرطة الإسرائيلية، واضطرت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية رئسها قاضي المحكمة العليا ثيودور أور، لكن لجنة التحقيق حملت المسئولية لقيادات العرب في إسرائيل ووجهت كتب إنذار لثلاثة من القيادات السياسية العربية وهم : الشيخ رائد صلاح، وعضو الكنيست السابقين عزمي بشارة وعبد المالك دهامشة، وأوصت بالتحقيق مع رجال الشرطة المتورطين في إطلاق الرصاص على المتظاهرين العرب. ورغم مطالب العرب المتكررة، فقد أعلن قم التحقيق مع رجال الشرطة في وزارة العدل الإسرائيلية، بتاريخ 19.9.009 عن إغلاق الملفات نهائيا دون تقديم أي من رجال الشرطة للمحاكمة.

ملاحقة القيادات السياسية وتشديد الخناق على الاتصال مع العالم العربي

السمة الثانية التي ميزت سياسة حكومات إسرائيل تجاه العرب في إسرائيل في هذا العقد هو تقديم لوائح اتهام ومحاكمة عدد من القادة السياسيين للعرب في إسرائيل وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح، الذي حكم عليه بالسجن الفعلي، بتهمة التحريض، ونقل أموال لأسر شهداء حماس في غزة، كما تتواصل خطوات تقييد حركته في الوصول على المسجد الأقصى. وقضى صلاح عامين في السجن الإسرائيلي وأطلق سراحه عام 2005 وهو ممنوع حاليا من دخول المسجد الأقصى، وينتظر ان تبدا محاكمة جديدة له في مطلع العام، بتهمة الاعتداء على أفراد شرطة والتحريض على العنف في القدس.

المحاكمة الثانية كانت تلك التي قدم لها عضو الكنيست السابق عزمي بشارة، على خلفية زياراته لسوريا، وإلقاء خطابات في القرداحة وفي أم الفحم هلل فيها للمقاومة والهزيمة الإسرائيلية، وقد شطبت الاتهامات ضده عام 2004، لكن المؤسسة عادت وفتحت التحقيق ضده عام 2007 ، وقد تمكن من مغادرة إسرائيل عام 2007 لتكشف النيابة الإسرائيلية عن أن إسرائيل تتهمه بالاتصال مع حزب الله خلال حرب البنان الثانية وأن هناك شكوكا تحوم حوله في تبيض الأموال، وقد نفى بشارة التهم وأكد أنها جزء من الملاحقة السياسية للعرب في إسرائيل.

ولعل الحلقة الأخيرة في هذا السياق هو إعلان النيابة العامة الإسرائيلية عن تقديم لائحتي اتهام، بتهم مشابهة ضد كل من عضو الكنيست محمد بركة، بتهمة الاعتداء على أفراد حرس الحدود، ولائحة اتهام ضد عضو الكنيست محمد نفاع، بتهمة الدخول إلى سوريا (بلاد العدو) دون تصريح من وزير الداخلية الإسرائيلي.