ما زالت قضية بئر (فكة) العراقي الذي تجاوزت عليه قوة عسكرية إيرانية الشغل الشاغل للعديد من الاطراف السياسية العراقية التي قامت للادلاء بآرائها حتى وصل الامر الى التحريض على شن الحرب، واتّسعت مظاهر التنديد والاستنكار لتدخل كل مكان، فيما قامت العديد من وسائل الاعلام بتأجيج الموقف، حتى اصبحت الاراء تتصارع في ما بينها بشكل غريب. في هذا الإطار حاورت إيلاف وزير النفط العراقي الدكتور حسين الشهرستاني للوقوف على المسائل التي شغلت الرأي العام العراقي حول وزارة النفط.

بغداد: تطرقت quot;إيلافquot; من خلال حوارهامع وزير النفط العراقي الدكتور حسين الشهرستاني الى العديد من المسائل والقضايا التي شغلت أهل السياسة والاقتصاد مثلما شغلت الشارع العراقي مثل جولة التراخيص التي أقامتها وزارة النفط، والأصوات التي طالبت بإقالة الوزير بالإضافة الى الاتهامات التي وجهت الى الوزير بالولاء الى إيران من خلال اللقب الذي يحمله، هنا في الجزء الاول من اللقاء نعرض ردود الدكتور حسين الشهرستاني وزير النفط على أسلئة إيلاف:

* لنبدأ من الفكة.. هل ما حدث فيها من الجانب الإيراني هو احتلال ام غير احتلال؟

- ما حدث في الفكة تجاوز من قبل قوة إيرانية على بئر عراقية حفرت بأيد عراقية على الارض العراقية، ومنذ السبعينات، وبعد تحديد الحدود بعد اتفاقية الجزائر وبقيت غير مربوطة (وهي غير مكتملة وغير مستغلة طبعا)، وهذا الحقل العراقي الذي هو احد حقول ثلاثة في محافظة ميسان هي : البزركان الكبير، وابو غرب وحقل فكة، وهناك آبار اخرى واذكر منها بئر رقم 11 و 13 و14، كذلك هي حفرت قرب الحدود وتركت منذ السبعينات، وبعد تولينا وزارة النفط نهاية عام 2006 وبداية 2007، من اول الاعمال ذهبت اليها ووجهت بربط هذه الابار بمنظومة الانتاج التابعة لنفط ميسان، ولاول مرة دخلت هذه الابار بالخدمة، وبقيت البئر 14 الى حين استكمالها وهي داخل الارض العراقية، ما حدث هناك هو تجاوز، ولتلافي هذه الاحتقانات في المناطق الحدودية طلبنا منذ عام 2006 من الجانب الإيراني بضرورة تعليم الحدود كي يتعرف حراس الحدود بشكل دقيق ومباشر ولا يحدث تجاوز، واتفق معنا الإيرانيون على وضع العلامات الحدودية .

* اتفق .. ويأتي الحرس الإيراني ليقف عندها؟

- هذه ليست منطقة خلاف، الحدود على الخارطة متفق عليها بين الجانبين والوثائق الموقعة بين البلدين مودعة لدى الامم المتحدة، لذا لا تتحمل الاختلاف، اذا هناك اختلاف في منطقة اخرى، فهذه المنطقة لا اختلاف حولها بين البلدين في شأنها .

*ما الذي نحتاجه اذن لفك هذه الاشكالية؟

- تحتاج الى لجنة فنية حيث يتم إسقاط الحدود من الخريطة الى الارض ويثبتون الدعائم الحدودية وبذلك ينحسم الامر ويتضح البئر (4) داخل الحدود العراقية وكي يتعرف حراس الحدود الإيرانيين إلى ذلك .

* لم نسمع من قبل بمصطلح حقول مشتركة هل من توضيح عنها؟

- كثيرة هي الابار المشتركة مع إيران والكويت كما اتوقع مع بقية الجيران، فالحقل في اعماق الارض الى بعد 200 ndash; 3000 متر، ولكن ما يحدث ان هناك حقلا يجتاز الحدود المتعارف عليها في الصناعة النفطية العالمية، ولضمان حق الطرفين هناك عُرف لتوقيع اتفاقية توحيد الحقول، تعني ان الطرفين يختاران استشاريا او شركة نفطية يكلفانها بتجديد احتياط الحقل وامتداداتها ويعطيانها خارطة الحقول، وعلى الدراسة الفنية يتم تحديد نسبة الحقل من كل جانب ومن ثم يتم الاتفاق بين البلدين، اما ان يتفقا على تطويره بشكل مشترك او تكليف شركة ثالثة واعطاء كل جانب حصته من انتاج الحقل، لماذا تفعل الدول هذا ؟ لان لو اراد كل جانب ان يتسابق مع الجانب الاخر على استخراج النفط من جانبية ستصيب الحقل أضرار ولا يمكن انتاج اكبر كمية ممكنة من الحقل، المفروض في الحقول المشتركة ان تكون هناك خطة تطويرية خطة عقلانية وتوزيع الانتاج بشكل عادل .

* لماذا برأيك قامت الاصوات المطالبة بالحرب مع إيران؟

- الاصوات هذه هي نفسها التي كانت تصفق لصدام عندما وقع اتفاقية الجزائر عام 1975 واعتبرت تلك الاتفاقية انجازا كبيرا لحكومة البعث، فلو كان لدى هؤلاء أي حس وشعور وطني اولى بهم ان يعترضوا على ترسيم الحدود في تلك الاتفاقية وان يطالبوا النظام السابق بتطوير حقل الفكة وانتاج النفط، ولكنهم كانوا كلهم خرسا، ولكن عندما جئت للوزارة وربطت الابار المحفورة قبل ثلاثين سنة وانتجت نفطا، فهم لم يتكلموا بشيء، وعندما اجتازت القوات الإيرانية الحدود وتجاوزت على هذا البئر لم يسألوا الوزارة او الحكومة على الاجراءات التي قامت بها .

* اذن سأسألك عن هذه الاجراءات؟

- علمنا ان هناك (11) شخصا عند البئر رقم (4) يوم 18 /11/ 2009، واتيت الى الوزارة يوم الخميس ليلا، ويوم الجمعة عقدنا اجتماعا لمجلس الامن الوطني واتخذنا عدة قرارات منها : تحريك القوات العراقية للاستقرار في الابار العراقية تلك، وبطبيعة الحال ليس من الحكمة ولا المصلحة الوطنية ان نعلن تحريك قواتنا الى هذه الابار، وتحركت القوات واستقرت في ابار حقل فكة تحسبا من ان تتجاوز القوات الإيرانية على هذه الابار، كما اتخذ مجلس الامن الوطني قرارا باستدعاء السفير الإيراني وتكليف السفير العراقي في طهران للتحرك من خلال القنوات الدبلوماسية ومن اجل سحب القوات الإيرانية الى مواضعها والا سيضطر العراق الى اجراءات اخرى لاستعادة حقوقه، ونجحت هذه الجهود وانسحبت هذه القوات من بئر (4) وأنزلت العلم الإيراني الذي سبق لها ان رفعته، ولكنها لم تبتعد الى حيث المخفر الإيراني الذي انطلقت منه، انما نصبت خيمة امام المخفر الإيراني زاعمة بأنها على الارض الإيرانية، وهذا الامر لايمكن التثبت منه وحسمه ما لم تجتمع اللجنة الفنية المشتركة وتسقط إحداثيات الحدود من الخارطة على الارض وتبني الدعائم وتضع العلامات الحدودية ويعرف كل جانب موضع الحد بشكل دقيق وتعرف قوات حرس الحدود المتواجدة هناك من الطرفين ان كل طرف يقف على ارضه .

* بما ان الابار الاخرى في تلك المنطقة منتجة، هل اصابها ضرر ما؟

- في كل هذه العملية لم نفقد من انتاج النفط قطرة ولم نتوقف عن الانتاج لحظة، وكل ما في الامر ان البئر رقم (4) غير مربوطة وغير منتجة، وكما قلت لك ان القوات انسحبت واتفقنا مع الإيرانيين على تفعيل عمل اللجنة الفنية المشتركة برئاسة وزارتي الخارجية في البلدين ومشاركة وزارة النفط والجهات المعنية .

* يتهمونكم بالولاء لإيران من خلال الاسم (الشهرستاني)، ماذا ترد وتقول؟

- اذكر لك حادثة اثناء محاكمتي من قبل محكمة الثورة التابعة لنظام الطاغية، كان رئيس المحكمة مسلم الجبوري، لما سألتني : ما اسمك ؟ وأجبته : حسين ابراهيم الشهرستاني، بدأ يتكلم عن اهل الريح الصفراء والفرس وغير ذلك، وأتذكر انني جاوبته بصوت مرتفع : (اسمع مسلم، من الاوراق التي اخذها الامن حينما داهم بيتي، شجرة العائلة، وشجرتنا مثبت بها ليس نسب الاب والجد وغير ذلك فقط، بل مثبت فيها اسماء ابائي واجدادي الى الامام موسى الكاظم، الذي نسبه يمتد الى محمد بن عبدالله (ص)، ومحمد بن عبد الله معروف بنسبه الذي يمتد الى (ابراهيم الخليل) وهو معروف، واذا انت تجهل تاريخ العراق سأقول لك ان ابراهيم الخليل ولد في (اور) في مدينة الناصرية سنة (1860) قبل الميلاد، هذا هو تاريخ حسين الشهرستاني بأسماء الاجداد، هذه اصالتنا في العراق، وأتحداك اذا تعرف اسم جدك في العراق، فلا تزايدوا علينا)، ثم انني قلت لمسلم الجبوري : (هذه اصالتنا الاولى، اما الثانية فهي في العراق الجديد، نحن الذين بنينا الدولة العراقية الحديثة، فالسيد هبة الدين الشهرستاني احد قادة ثورة العشرين، وهو اول وزير معارف في اول حكومة وطنية، وان الانكليز حكموا والدي بالاعدام، هذا تاريخنا واتحداك ان تعرف من هو جدك)، هذا الجواب لكل من يسأل عن حسين الشهرستاني.

* البعض في مجلس النواب يطالب على الدوام باقالتك بسبب (هدر المال العام)، اي هدر يقصدون ؟ وكيف يمكن الدفاع؟

- انا جئت الى الوزارة وهي تستلم من ميزانية الدولة حوالي خمسة مليارات دولار سنويا لاستيراد المشتقات النفطية، وكانت طوابير المواطنين تنتظر على المحطات في برد الشتاء من اجل الحصول على بعض هذه المشتقات ولا تحصل على حاجتها، والكل يتذكر تلك الصور المأسوية، عام 2009 لم نستلم ولا دينار واحد لاستيراد المشتقات النفطية من الميزانية العامة ووفرنا المنتوج للناس، واصبح الناس يحصلون على ما يردون من دون انتظار، بل ان براميل النفط الابيض اصبحت فائضة عند المواطنين .

* من يقف وراء كل هذا الصخب ضدكم حسب رأيك؟

- من كان مسخرا امكانيات وزارة النفط لاغراضه الحزبية والفئوية والمافوية، هذا لا يروق له ان يرى الوزارة وقد قطعت يد السراق ووفرت المنتوج للناس ووفرت للميزانية خمسة مليارات دولار سنويا، كان هناك اكثر من (1500) زورق صيد مزعوم يعطونها من (الكاز اويل) ولا تخرج للصيد، وكانت لديهم لجنة نفطية مرتبطة بمكتب المحافظ تبتز المواطنين والناقلين، هذه انتهت نهائيا وانتهت التجاوزات وتم منع تزويد الزوارق الوهمية والحمد لله .

* هل هذا يعني ان التهريب والتجاوزات انتهت نهائيا؟

- اذا كان هناك تجاوز فمن تفجير الانابيب في المنطقة الشمالية والجنوبية، ومن يقوم بهذه الاعمال التخريبية عصابات ومافيات لغرض السرقة، وقد تحدث احيانا من قبل العمال في محطات الوقود الذين يبيعون اللتر الواحد من البنزين اكثر من (450) دينارا، ولدينا لجان تفتيشية مستمرة تسجل هذه المخالفات وتفرض غرامات كبيرة على اصحاب المحطات، ومستمرة بمحاربة المهربين والمفسدين .

* بصراحة .. كيف تنظر الى جولة التراخيص ؟ سلبياتها وايجابياتها؟

- ابرز ما تميزت به كانت عملية شفافة امام الكاميرات والشعب العراقي، وكان هناك تنافس حقيقي وحر بين كبريات الشركات العالمية، وهذا مكننا من ان نحصل على افضل العروض الممكنة، هذا لم يكن مسبوقا لا في العراق ولا في دول المنطقة، وكل ما كان يفعله الحكام السابقون في العراق هو الاتفاق مع الشركات ودول معينة ويعطونها امتيازات مقابل الحصول على دعم سياسي لنظام الحكم، صدام فرط بمصالح عراقية كبرى، مع دول مؤثرة في مجلس الامن كي يتجنب الضغوط الدولية، ولما جئنا رفضنا مبدأ المشاركة بالانتاج، قلنا النفط عراقي وجب ان يبقى تحت السيطرة الوطنية كاملا، والشركات التي تأتي للعمل في العراق وتستثمر عشرات المليارات لتطوير حقولنا وزيادة الانتاج سوف ندفع لها اجورا عن كل برميل منتج بجهودها، بناء على ذلك عملنا جولة التنافس ما نقبل بسعر ادنى وحصلنا على اسعار غير مسبوقة بالصناعة النفطية العالمية، يعني المحصلة تطوير عشرة حقول، ثلاثة في جولة التراخيص الاولى وسبعة في الثانية، ومجموع انتاجها مجتمعة يزيد عن (11) مليون برميل في اليوم وتحتاج الى استثمارات تزيد عن (100) مليار دولار، وما ستحصل عليه الشركات عن البرميل المنتج كمعدل هو (دولار و38 سنتا) وعلى الشركات ان تدفع منه اولا (30%) ضريبة ومن المتبقي (25%) الى الشريك العراقي مع المقاول وما يبقى عمليا للشريك الاجنبي هو (89) سنتا لكل برميل، وهو اقل من اي سعر في العالم، هذه الشركات لم تقبل باسعار متدنية كهذه الاسعار .

* ايهما وجدته سهلا في التعامل مع العراق، الاوبك ام الاوابك؟

- مهمات الاوبك تختلف عن الاوابك، الاوبك هي التي تتخذ القرارات لتحديد سقف الانتاج لدول المنظمة ومحاولة تثبيت الاسعار عند حدود معقولة ومجزية للدول المنتجة صاحبة هذه الثروة، اما الاوابك .. فعادة فعالياتها تنسيق وتعامل وتكامل بين الدول العربية، سياسات الانتاج والدفاع عن الاسعار تتخذ في الاوبك، والكل يعرف ان العراق حرم من حقه العادل بتصدير النفط ولعدة عقود بسبب السياسات الرعناء للنظام السابق والحروب والحصار وسوء الادارة، وعليه هم يقدرون حاجة العراق الى تعظيم ايراداته من خلال زيادة التصدير وتعويضه عن سنين الحرمان، ولم تناقش الاوبك في اجتماعاتها موضوع انتاج العراق من النفط الخام، وما زال العراق وسيبقى للمستقبل المنظور حرا في انتاج اي كمية وفي التصدير، اي ان العراق الان خارج تحديد سقف الانتاج، هناك (12) دولة الانتاج في (11) منها محددة والعراق مستثنى.

* ألم تعترض اي من دول الاوابك على الانتاج العراقي؟

- لم يكن هناك اي اعتراض ابدا من اية دولة، لانهم يعلمون كما قلت حاجة العراق الى انتاج النفط .