لم تصل الأزمة بين تركيا وإسرائيل كالحال التي وصلت إليها الأسبوع الماضي في أعقاب الإساءة الإسرائيلية إلى السفير التركي في تل أبيب ومعاملته quot;بشكل مهينquot;، الأمر الذي أدى إلى غضب تركي كبير، وإضطرت إسرائيل للاعتذار، إلا أن الغضب لم يهدأ في أنقرة.

تل أبيب: في الوقت الذي كانت فيه الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل في أوجها، قبيل اعتذار إسرائيل لتركيا، كان المدير العام الجديد لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أودي شني يعود إلى تل أبيب متوجًا زيارة عمل ناجحة للغاية تكللت بإبرام عقود عمل عديدة بين إسرائيل وتركيا في المجال الأمني العسكري، فيما يستعد وزير الأمن الإسرائيلي إيهود براك لزيارة عمل في تركيا تهدف لتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. ووصل حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين تركيا وإسرائيل وفقًا لوزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة التجارة والصناعة العام 2007 إلى نحو 3 مليارات دولار، عدا عن الصفقات العسكرية والأمنية بين البلدين، كما أن موقع وزارة التجارة والصناعة، وموقع دليل تركيا يشير إلى أن إسرائيل استثمرت في الأعوام الأخيرة نحو 500 مليون دولار في تركيا نفسها.

الأزمات والرجات التي اعترت العلاقات التركية الإسرائيلية لم تصل من قبل للحدة التي وصلتها هذا الأسبوع لكن الطرفين، اعتبرا أنه يمكن للبلدين تجاوز الأزمة والعودة إلى طبيعة العلاقات السابقة بينهما ( في المجالات الأهم وهي التعاون الاستراتيجي والأمني) برغم بدء تسليم إسرائيل بأن دولة بحجم تركيا ووزنها الإقليمي يمكن لها أن تتخذ مواقفها السياسية البعيدة عن الموقف الإسرائيلي لن دون أن يضر ذلك بالجانب الأمني والاستراتيجي، مع قلق إسرائيلي جديد بأن عيون تركيا تتطلع إلى الشرق.

وفيما تعلن حكومة نتنياهو باستمرار أن سياسة تركيا المعلنة تضعف أسهمها في أن تكون الوسيط الأمثل بين إسرائيل وسوريا، يحذر مراقبون من مخاطر تدهور العلاقات، إذ أعلن مدير عام الخارجية الإسرائيلية السابق، أوري سافير، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، الخميس، أن على إسرائيل أن تعيد النظر في سياستها المعلنة تجاه الوساطة التركية، لأن هناك خيارين لا ثالث لهاما فإما أن يكون هناك مثلث تركي إسرائيلي سوري وإما أن يكون هذه المثلث تركي إيراني سوري.

ويقول السفير الإسرائيلي السابق في أنقرة، ألون ليئيل في حديث خاص لإيلاف إنه في الثامن والعشرين من شهر آذار القادم تكمل العلاقات التركية الإسرائيلية المميزة 61 عامًا، وهي فترة لا يمكن رميها بمثل هذه السهولة عند أزمة عابرة، فهناك الكثير مما يتعين هدمه والقضاء عليه ، الكثير من العلاقات التجارية والاقتصادية، وعقود العمل الأمنية والعسكرية، قبل الوصول إلى نقطة الصفر في العلاقات بين البلدين. أعتقد أن تركيا وإسرائيل ستحذران كثيرًا وتهتمان بعدم قطع علاقة عمرها 61 عامًا ، صحيح انها امتازت بمد وجزر.


وبحسب ليئيل فإن الأزمة الأخيرة، بدأت عمليا قبل أكثر من عام مع بدء حملة quot;الرصاص المصبوبquot;على غزة، عندما غادر أوردوغان في المنتدى الاقتصادي في دافوس اللقاء مع الرئيس بيرس، ومنذ ذلك الوقت ورئيس الحكومة التركية رجب الطيب أوردوغان يهاجم إسرائيل بصورة شخصية، وليس عن طريق ناطقين رسميين، بوتيرة مرة واحدة على الأقل شهريًّا، وقد اجتزنا عامًا صعبًا للغاية في العلاقات بين البلدين، ومع أن العلاقات تمتاز بكثير من quot;المضمونquot; الاقتصادي والثقافي والسياحي إلا أن الجو العام أخذ بالتدهور، ونحن الآن نبدأ العام 2010 وأنا سأتجاهل الحادثة الأخيرة ، فالأمور شائكة جدًا ومعقدة إذ إنَّ أوردوغان يتهم إسرائيل بتعطيل العملية السلمية، فتركيا تتوقع وتنتظر استئناف العملية السلمية ولكن كما يبدو الأمر حاليًّا، فإنني لا أرى في حكومة إسرائيل الحالية لا أرى القوى التي تدفع نحو السلام مع الفلسطينيين ولا مع السوريين، ولست متأكدًا من أن الأميركيين يملكون ما يكفي من القوة للضغط باتجاه الوصول لعملية سلمية.

وردًا على سؤال ما إذا كانت حكومة نتنياهو، خصوصًا في ظل تصريحات نتنياهو بعد إهانة السفير التركي في إسرائيل، بأنه يوافق على مبدأ التوبيخ وليس على الأسلوب، وأن تركيا تخطو باتجاه الشرق وتحديدًا إيران وهو أمر يدعو إلى القلق، قد بادرت لافتعال الأزمة للتخلص من عبء الوساطة التركية والتفاهمات التركية مع أولمرت على المسار السوري، اعتبر ليئل أن مثل هذا الأمر غير وارد باعتقاده لأن إسرائيل تولي أهمية بالغة جدية لعلاقاتها مع تركيا، وربما أكثر من الأهمية التي توليها تركيا لهذه العلاقات، وليس من باب الصدفة أن تدخل كل من رئيس الحكومة، نتنياهو، ورئيس الدولة بيرس ألزما نائب وزير الخارجية بتوجيه رسالة الاعتذار للحكومة التركية ، لأنهما يدركان أهمية العلاقات مع تركيا. لا يوجد هنا توازن في العلاقات، وقد اجتزنا عامًا صعبًا، وقد نجتاز عامًا آخر من العلاقات المتوترة بين البلدين ، فالدبلوماسية الإسرائيلية، عرفت كيف تواجه وquot;تبلعquot; مثل هذه الهجمات، وإذا ما حدثت قطيعة بين الطرفين فإن ذلك سيكون من الجانب التركي وليس الإسرائيلي.

ولا يفوت ليئيل أن يشير إلى أن تركيا وفي بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت واحدة من أقرب الدول على إسرائيل، ولربما كانت واحدة من 3 أو خمس دول، مع تعاون مكثف في المجال العسكري وبالتأكيد الاقتصادي ، وقد ظل جزء من هذا المضمون في العلاقات بين البلدين قائمًا إلى اليوم، فما يميز العلاقات الصفقات الأمنية هو أنها طويلة الأمد وتمتد على عدة سنوات لتنفيذها، فأكبر صفقتين في هذا المجال، سواء صفقة تحسين المقاتلات الجوية لسلاح الجو التركي وتطوير الدبابات على وشك الانتهاء، والآن يتم العمل في الصفقة الجديدة بشأن تزويد تركيا بطائرات بلا طيار ، كما أن التعاون بين الجيشين مستمر بل إن هناك تدريبات ومناورات مشتركة مستمرة لسلاح البحرية، ولا أعرف ما إذا كانت المناورات المشتركة لسلاحي الجو مستمرة أم لا ولكن مثل هذه الأمور لا تتغير في يوم واحد. كما أنني أعرف أن هناك رغبة كبيرة في قيادات الجيش التركي لمواصلة التعاون والعمل مع إسرائيل سواء في مجال شراء الأسلحة وتطويرها، وفي مجال التعاون، وحتى التدريب العسكري. صحيح أن أوردوغان هو صاحب القرار لكن الجيش لا يزال معنيًّا بهذا التعاون وهذه العلاقات بل إنه يضغط باتجاه تعميق العلاقات مع إسرائيل.

ويكشف ليئيل من موقعه كمراقب لهذه العلاقات، وكصاحب علاقات متينة في تركيا، أنه يرى في السنوات الأخيرة أن تركيا برئاسة أوردوغان تسعى لأن تكون العلاقات بين البلدية ملازمة للتقدم في المسار السلمي والعملية السلمية لدرجة أنه ( أوردغان) يرهن هذه العلاقات بمدى التقدم في المسيرة السلمية: تحسن في العلاقات وضخ الدم فيها إذا كانت هناك عملية سلمية، وتدهور العلاقات والمس بها في حال غياب العملية السلمية. وبالتالي فالعلاقات متعلقة بالعملية السلمية، إذا كانت هناك عملية سلمية خلال العام 2010 ستكون العلاقات بين تركيا وإسرائيل أفضل بكثير، وإذا لم تكن هناك عملية سلمية فإنني أخشى أن تتدهور العلاقات بين البلدين وتسوء.

ويميز ليئل بين تركيا السياسية وتركيا الأمنية، فهو يرى أن تركيا السياسية اقرب بكثير إلى سوريا من قربها لإسرائيل، وأقرب إلى الموقف الفلسطيني منه للموقف الإسرائيلي، وهو يؤكد أن تركيا اليوم أقرب للعالم الإسلامي منها لإسرائيل. وفي هذا السياق يشير ليئل إلى كثرة الزيارات ل مسئولين أتراك إلى دول المنطقة وزعماء من الدول العربية والإسلامية إلى تركيا مقابل عدم وصول أي مسئول تركي رفيع المستوى في السنوات الأخيرة إلى إسرائيل. فآخر زيارة قام بها رئيس الحكومة التركية إلى إسرائيل كانت في العام 2005، وزيارة الرئيس التركي أحمد نجدة سيزير العام 2007.

ويؤكد ليئل أن تركيا على الرغم من توجهها في سياسة شرق أوسطية نحو العالم العربي والإسلامي إلا أن ذلك لا ينعكس على علاقاتها مع الغرب، فهي تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن تركيا قررت ممارسة ضغوط ثقيلة على إسرائيل للعودة إلى مسيرة السلام وتغيير سياستها المعلنة تجاه إسرائيل، لكنها لا تدير ظهرها للغرب، فأوردوغان لم يتنازل عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي ولا عن العلاقات المميزة مع واشنطن.