كان مهرجان إحياء ذكرى اغتيال رفيق الحريري قدتركز في السابق على مهاجمة سوريا، وإتهامها بالجريمة، إلا أن الواقع سيكون مختلفًا هذا العام، ويشير عدد من المتابعين إلى امكانية استبدال التجمع الجماهيري بعمل فني ضخم إحياء لذكرى الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء.

بيروت: يلتقي رئيس الحكومة سعد الحريري بصفته رئيس quot;تيار المستقبلquot; نحو 400 كادر في هذا التيار مساء اليوم الجمعة ليعرض عليهم للمرة الأولى أسباب التحولات السياسية في مواقفه، والتي توجّتها زيارته لدمشق ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى بعد خمسة أعوام من الجفاء، بل العداء الشديد بين جزء واسع من لبنان والنظام السوري.

وبالرغم من أن quot;المستقبلquot; مثله مثل بقية الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، لا يتبع القواعد الديموقراطية كما في أحزاب الغرب، إلا أن عملية الشرح والتفاعل بين القيادة والحلقة الوسطى وبين الأخيرة القاعدة كان لا بد منها، وقد تأخرت عملياً وكان من الأفضل أن تواكب التحولات، خصوصًا أنها جذرية وأدت إلى تغيير ملموس لا يمكن تجاهله في الخطاب السياسي، وإن من دون الانقلاب على الثوابت، وذلك بحسب سياسي مسؤول في قوى الغالبية ومن االمقريبين من قيادة quot;المستقبلquot;.

وفي هذا الإطار، تحدثت بعض المعلومات عن حالة حيرة سادت أنصار هذا التيار الذين لم يستوعبوا تماما أسباب quot;التكويعquot; ودوافعه وإن ظلت ثقتهم بزعيمهم سعد الحريري قائمة لا تتغير- مثلهم مثل أنصار بقية الزعماء في لبنان الذين يحددون بحرية مطلقة اتجاهاتهم السياسية متكلين على دعم كبير لهم لا يتزعزع في أحزابهم وطوائفهم- الأمر الذي فتح الباب على غاربه لتكهنات وتحليلات غير صحيحة أحياناً كثيرة.

وفي الوقت نفسه لمظاهر غير صحية في quot;التيارquot; يقال إن من تجلياتها ذهاب اثنين من كتلة quot;المستقبلquot;، تحديدا نائبي بيروت نهاد المشنوق ومحمد قباني، إلى أبعد مما ذهب إليه الرئيس الحريري ورئيس الكتلة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة في الإنفتاح على القيادة السورية والمصالحة معها، الأول بمشاركته في quot;غداء الجاهليةquot; الذي أقامه الوزير السابق وئام وهاب على شرف رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط وأركان حزبه تكريساً لانفصاله عن قوى 14 آذار/ مارس، والآخر بدعوته إلى اعتبار القرار الدولي 1559 منتهياً وبالتالي تجاوزه ، في موقف لم تصل إليه قيادة quot;المستقبلquot; التي تكرر عبر الرئيسين الحريري والسنيورة تمسكها بكل القرارات الدولية الصادرة في شأن لبنان.

ومن القرارات الرئيسة والملحة التي سيتوجب علىquot;المستقبلquot; اتخاذ قرار في شأنها ما يتعلق بسبل إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال مؤسسه ورمزه الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في 14 شباط / فبراير المقبل. فقد درجت العادة منذ ذلك التاريخ على تنظيم تجمع شعبي ضخم في ساحة الشهداء وسط بيروت، حيث دفن الحريري الأب في ظل مسجد الأمين الضخم الذي بناه ولم يتح له تدشينه. وستكون لقرار quot;المستقبلquot; هذه السنة دلالاته السياسية الشديدة الأهمية بعدما حصل ما حصل، خصوصا مع ابتعاد جنبلاط ومعه حزبه وطائفته عن قوى 14 آذار/ مارس وانتقاله- إلى حد ما- إلى صف من كان يخاصمهم ويثقل عليهم التعابير والإنتقاد والإتهامات في مهرجانات إحياء ذكرى الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء.

وذلك تحت تأثير حوادث 7 أيار/ مايو 2008 عندما احتل أنصار quot;حزب اللهquot; غرب بيروت واصطدم بأنصار في الجبل لجنبلاط الذي اعتبر لاحقاً في إعادة قراءة سياسية إن الغرب والعرب تخلوا عن سياسة كانوا قد اعتمدوها في لبنان وأدت إلى خروج الجيش السوري منه إثر اغتيال الرئيس الحريري، فضلاً عن أن حزب الكتائب لم يتأخر في الخروج بدوره من قوى 14 آذار /مارس متذرعا بأن أمانتها العامة لا تمثل طموحاته وتفضل عليه حزب quot;القوات اللبنانيةquot;.

ومن دون أن تنتقل القيادة الكتائبية إلى quot;الفريق الآخرquot; على غرار ما فعل جنبلاط اختارت فتح قنوات اتصال مع كل القوى، لا سيما المسيحية منها التي كانت تخاصمها لتخندقها في صف قوى 8 آذار/ مارس بقيادة quot;حزب اللهquot;، الذي يفصل حزب الكتائب بينه وبين حلفائه ويواظب على انتقاده لتمسكه بسلاحه تحت شعار quot;المقاومةquot;، وذلك في موقف يذكر بالموقف التقليدي للكتائب منذ نشأته، يذكرأن النائب الجنرال ميشال عون كان أول مغادري ساحة الشهداء إلى الساحة المقابلة التي تحمل اسم الرئيس الراحل رياض الصلح بعدما تأكد أن quot;المستقبلquot; وحلفاءه في قوى 14 آذار/ مارس لا يريدونه رئيسًا للجمهورية.

كما أن أحزابًا وشخصيات أقلّ شعبية من الكتائب خرجت من 14 آذار تنظيميًا، وذلك لاعتراضها إما على الأداء السياسي وإما على السلوك في الإنتخابات النيابية مثل حزب الكتلة الوطنية برئاسة العميد كارلوس إده أو حركة quot;التجدد الديمقراطيquot; برئاسة النائب السابق نسيب لحود، في حين أن حركة quot;اليسار الديمقراطيquot;، وهي كانت quot;منبت أفكارquot; الحركة الشعبية التي حشدت الناس في 14 شباط و14 آذار 2005، تعاني ترهلاً وضياعًا بعد اغتيال الرأس الأبرز فيها الكاتب الصحافي سمير قصير وتسرب ما يشبه الملل واليأس إلى نفوس ناشطين كثر فيها .

والواقع إن مهرجانات إحياء ذكرى الرئيس الحريري كانت تقوم في السنوات السابقة على توجيه اتهامات واضحة إلى القيادة السورية، سياسيا بالطبع، بارتكاب جريمة الإغتيال من جهة ، واتهام quot;حزب اللهquot; من جهة أخرى بالتغطية على الجريمة ومن جهة باعتراض قيام مشروع الدولة اللبنانية وخدمة أهداف سورية وإيران من خلال تمسكه بالسلاح ومحاولته فرض سيطرته بالقوة على سائر اللبنانيين بعدما هيمن على إرادة الشيعة منهم .

هذه المواضيع الهجومية كان الناس يحتشدون حولها ، ولكن بعد المصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد والتهدئة مع quot;حزب اللهquot; سيكون على quot;المستقبلquot; التفكير مليًّا في خطاب جديد يجذب جمهور 14 آذار الخليط ليحضروا إلى الساحة، ولا يوقعهم في ارتباك حيال سياسة لا يفهمون تحولاتها بوضوح.

ويشير عدد من المتابعين إلى امكانية استبدال التجمع الجماهيري بعمل فني ضخم إحياء لذكرى الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء، لكنها لن تعوض غياب الموقف السياسي ، وستعني عمليًا إلتزام الصمت، وللصمت تبعاته . فالناس المتحزبون يريدون أن يسمعوا ما يقول قادتهم في مناسبة كهذه ، وليس ماجدة الرومي، على سبيل المثال ومع كل الإحترام لعظمة صوتها وفنها.